مشروع "حماس" الانقلابي غير قابل للحياة
الموقع الأصلي:
عندما انتقل الـمشروع الوطني إلى "مغامرة" التطبيق عبر مؤتمر مدريد ومفاوضات أوسلو بدا ذلك الـمشروع وكأنه من صنع إسرائيل وأميركا والدول العربية الصديقة لاميركا، فانعزل من قبل الشعوب العربية والشعب الفلسطيني في الخارج، وكانت معادلة الاستقطاب التي أخضع لها سهلة جداً، اصطفاف الأغلبية الساحقة من الشعوب العربية ضد أميركا وإسرائيل وكل من يقف إلى جانبهما، ودعم كل معارضة لهما، وبات الـمناخ مواتياً لإفشال الحلول الـمنبثقة عن الـمفاوضات وخاصة في الساحة الفلسطينية. لقد جرى إخضاع الـمسعى الوطني الاضطراري لـمعادلة الاستقطاب ذاتها بل لقد جرى التعامل معه بقسوة أشد من قبل الـمعارضين الإسلاميين، علـماً أن إسرائيل تعاملت مع ذلك الـمشروع بطريقة الخداع ووضعت الحركة الوطنية في قبضتها الـمحكمة وحاولت إفراغ ذلك الـمشروع من مضمونه وإلحاقه بها. استفاد مناهضو الـمشروع الوطني من الخطاب البائس والهشّ الذي قدمه الـمفاوضون الفلسطينيون حين روّجوا الأوهام والأحلام للـمواطنين والتي سرعان ما تبددت بنشوء نقيضها على أرض الواقع. ومع بداية التصادم بين سلطة أوسلو والاحتلال بعد مفاوضات كامب ديفيد 2000 واندلاع الانتفاضة صعّدت حماس عملياتها ضد الـمدنيين في العمق الإسرائيلي، وكانت النتيجة تدمير إسرائيل للـمؤسسة الأمنية وخلخلة أركان السلطة وحصارها اقتصادياً وأمنياً وسياسياً. أصبحت الحرب ضد الـمشروع الوطني مزدوجة، وكانت الخيارات أمام منظمة التحرير محددة بخيارين أحلاهما مر، إما الالتحاق بالـمعارضة الإسلامية، وإما الخضوع للإملاءات الإسرائيلية، وكلاهما يؤدي إلى هزيمة الـمشروع الوطني. رفضت الـمنظمة الخيارين وانحسر هامش الـمناورة بين مطرقة الاحتلال وسندان الـمعارضين، وعند لحظة معيّنة اجتاحت قوات الاحتلال الضفة، وبعد أربع سنوات اجتاح الإسلاميون قطاع غزة. ماذابعد إفشال الاجتياحين للـمشروع الوطني، ماذا ينتظر مشروع حماس؟ يقولون إن الفعل السلبي أقوى دائماً وأبداً من الفعل الإيجابي، فالغزو الأميركي قضى على النظام العراقي ونظام طالبان بسرعة قياسية لكنه أخفق في بناء نظام بديل وغرق في الرمال العراقية والأفغانية. وما أسهل استثارة موقف شعبي عربي وإسلامي ضد أميركا وإسرائيل، مقابل ذلك يصعب بناء نظام وطني ديمقراطي في أي بلد عربي. نجحت حماس في إسقاط السلطة داخل قطاع غزة وفي مقابل ذلك فرضت سلطة شمولية حوّلت مليون ونصف الـمليون مواطن إلى رهائن تقايض حاجاتهم الإنسانية ببقاء سلطتها على قيد الحياة وليذهب مشروع إقامة الدولة الـمستقلة إلى الجحيم. الآن يثبت وبما لا يقبل اللبس أو التأويل أن صعود حماس وتحولها إلى اتجاه مركزي لا يؤهلها لقيادة الشعب وتوحيده وتمكينه من تقرير مصيره وإنجاز مرحلة التحرر الوطني الديمقراطي. صعود حماس قادها إلى الانقلاب على الـمشروع الوطني وتقسيم الوطن والشعب واتضح أن هدف حماس هو السيطرة على الشعب بأي ثمن، بهدنة طويلة الأمد مع الاحتلال. ورغم ذلك ما زالت حماس تحظى بتأييد شعبي مرتبط بتغلغل النهوض الإسلامي في طول وعرض العالـم العربي، فيكفي أن تؤيد إسرائيل وإدارة بوش أبو مازن وحكومة الطوارئ حتى يتشكّل استقطاب شعبي مناهض لها. وقد ساهمت التصريحات الأميركية (أقوال دون أفعال) حول دعم الحرس الرئاسي بالـمال والسلاح والتدريب في إضعاف مكانة الرئيس شعبياً. يحدث ذلك في ظل سياسة العدوان التدميري الإسرائيلي الـمدعومة أميركياً بلا حدود، وفي ظل الخطاب الشعبوي الإسلامي الذي تطلقه فضائيات عربية صبح مساء لأغراض التهييج وخلط الأوراق. عملياً قدمت حماس نموذجاً مخيفاً للإسلام السياسي الذي عرف نفسه بالاعتدال والوسطية، تجربة حماس في قطاع غزة قالت عكس ذلك، عندما قدمت نموذجاً إقصائياً تكفيرياً وشمولياً ودموياً. حتى الحديث عن معتدلين ومتطرفين ذهب أدراج الرياح في غياب صوت واحد من داخل حماس يعترض على الأعمال الـمشينة كإخراج الجرحى من الـمستشفيات والتنكيل بهم والإعدامات الـميدانية والنهب والسرقة وتدمير نصب الجندي الـمجهول واستبدال العلـم الوطني بعلـم الحزب واستباحة الرموز وتدمير محطات الإذاعة والتلفزيون، وكل ذلك شوهد بالصوت والصورة عبر فضائية الأقصى الحمساوية. إذا كان ذلك لا يحفز الاعتراض ورفع الصوت عالياً فأين الاعتدال والـمعتدلون وما هي معايير اعتدالهم ! أغلب الظن أن حماس قطعت الطريق على صعود الإسلام السياسي في أكثر من بلد عربي وخاصة في مصر والأردن، وخاصة أن الإسلاميين برروا انقلاب حماس وانتهاكاتها البشعة. الـمشروع القابل للحياة هو الـمشروع الوطني، مشروع الحرية والاستقلال، القادر على تحقيق الوحدة واحترام التعددية والديمقراطية والسلـم الأهلي والانفتاح على الشعوب والثقافات. لكن هذا الـمشروع جرى تشويهه من داخله، وحتى يكون قادراً على الإقلاع يحتاج إلى إصلاح حقيقي وإعادة بناء، وهذا هو عنوان الـموضوع الـمقبل. Mohanned_t@yahoo.com - الأيام 26/6/2007 - http://www.miftah.org |