الدم ذَهَبُ الفلسطينيين
الموقع الأصلي:
(مالك بن نبي) *** مؤسف وعبثي أن يتقاتل فريقان فلسطينيان داخل سفينة غارقة إذ سيكتشف الغالب أنه أحرز نصراً أفضل منه الهزيمة. قبل ربع قرن طرحت حركة التحرر الوطني حلاً مرحلياً للصراع العربي - الصهيوني هو إقامة دولة ديمقراطية واحدة لشعبين (عرب ويهود).. المطروح حالياً: دولتان لشعبين (78% لليهود - 22% للعرب). في الشهر الفائت (حزيران) شهر الهزائم والنكسات، حصل تطور مهم: “سايكس - بيكو” فلسطيني بحيث تم إيجاد حكومتين فلسطينيتين لشعب واحد في الضفة والقطاع.. بئس الاثنتان معاً. أين اليسار الفلسطيني؟ يبدو انه قد اعتنق ذلك المفهوم البائس: “أفضل أن أكون انتهازياً وأعُوم، على أن أغرق ومبادئ ملتفة حول عنقي”. فك الاشتباك بين العروبة والاسلام قبل نصف قرن، ساد الوطن العربي صراع مزدوج: اشتباك بين الاسلام السياسي والعروبة.. واشتباك بين الدين والعلمانية. الاسلام السياسي اتهم العروبيين بالإلحاد والكفر، والعربيون اتهموا الاسلاميين بالجهل والرجعية.. وقتها كان الطلاق بائنا بين الاثنين. في زمن التحرر الوطني يبدو الاشتباك ترفاً غير مبرر، فالعدو يتربص بالكل (اليساري - الشيوعي - الليبرالي - الوطني المستقل - القومي العربي - العلماني - القومي الاجتماعي - الاسلامي.. الخ) نجح التعقل بالدعوة إلى فك الاشتباك بين الإسلام والعروبة وبين الدين والعلمانية، ولاحت في الأفق امكانية “زواج متعة” مرحلياً تُنفذ فيه مهام التحرر الوطني بطرد المحتل الصهيوني وتحقيق الاستقلال. أما الطلاق فيحصل بعد النصر والخلاف على بناء دولة دينية أو دولة علمانية يأتي لاحقاً يقرره الشعب عبر استفتاء حر.. تحالف “فتح” و”حماس” كان تحالفاً سطحياً وكاذباً طغت عليه حقائب النوايا السيئة، فالحقيبة السياسية الجيدة هي تلك المليئة بالنوايا السيئة (فتح) والحقيبة الدينية الجيدة هي تلك المليئة بالخناجر والمسدسات (حماس) وازاء الشعور بتضخم القوة لديها - وَهْم التفوق - انقضت حماس على فتح في غزة وانتصرت عليها عسكرياً، وفي غمرة النصر والشعور بفائض القوة أطلق رجال حماس شعارات بداية انتصار المشروع الديني قبل أوانه بكثير، وهذا القصور السياسي سيثبت لحماس انها في الواقع انقضت ليس على فتح فحسب، بل على مشروع دولتها الدينية، وهو عمل ستندم عليه في قادم الأيام. هناك سيناريو صغير برسم حماس بحاجة إلى اجابة: لو قاد فريق اسلامي متطرف أو أي تنظيم آخر انقلاباً عسكرياً على أحد أحياء غزة وقام بتصفية رجالات حماس ورفعوا علمهم على ذلك الحي ثم قالوا لحماس: نحن الآن أمر واقع، وندعوكم إلى حوار غير مشروط على أرضية الصيغة اللبنانية اللذيذة: (لا غالب ولا مغلوب).. هل تقبلون بذلك؟ الكل يعرف الجواب.. أما الاعذار لتبرير الاستنساخ الانقلابي فهي كثيرة وقد تبدو مُقنعة، فأنتم خبراء بذلك. القطيعة سهلة.. التحالف صعب الخيارات واضحة: ديمقراطية أو لا ديمقراطية.. صندوق الاقتراع أو المسدس.. أنا وحدي أو أنا والآخر. على جميع أطياف حركة التحرر الفلسطيني والعربي أن يتعلموا فن التحالفات والجبهات الوطنية.. الدرس الأكثر عمقاً هو الدرس الفيتنامي. جبهة تحرير ضمت 22 تنظيماً من أقصى اليمين البوذي الوطني إلى أقصى اليسار الشيوعي. الهدف: الاستقلال وطرد المحتل لم يتصارعوا قبل الأوان على شكل الحكم المقبل، وحققوا بذلك هزيمة الامبراطوريتين الفرنسية والأمريكية. لم يختلفوا على جلد الدب قبل أن يصيدوه.. هل سمع البعض هذا المثل.. وإذا كانوا قد سمعوا، فهل فهموا؟ في غزة ألقيت ثلاثة أنواع من الحجارة: - حجر ثوري أُلقيَ على دبابة “إسرائيلية” - وحجر رجعي منحرف أُلقيَ على دكان فلسطيني - وحجر عميل خائن أُلقيَ على العلم المصري فأحرقه. قيمة الحجر في وظيفته لا في حجمه، هذه الوظيفة التي تحددها هوية اليد التي ترميه والعقل الذي يوجهه. على الساحة الفلسطينية مثلث حائر كان وأصبح: حماس حركة دينية استلمت الحكم ولم تحكم.. الآن تحكم غزة فتح لم تصدق أنها أصبحت معارضة، فعارضت بالنكاية.. الآن تحكم الضفة. يسار مبعثر كان عليه أن ينقد نفسه نقداً ذاتياً صارماً ويلملم شظاياه المبعثرة فلم يفعل.. الآن لا يحكم نفسه. ما العمل؟ سؤال يرد عليه طائر الفينيق الذي، كلما ظنوا انه مات، يخرج محلقاً من تحت الرماد، هذا هو الشعب الفلسطيني الذي رغم كل الخناجر التي تطعنه يقف بصلابة وعينه على المستقبل مع قول المفكر الإيطالي انطونيو غرامشي: “أنا متشائم بسبب الذكاء ومتفائل بسبب الإرادة” - الخليج 2/7/2007 - http://www.miftah.org |