إن هذا لفي الصحف الأولى: بقر الجنة !
بقلم: تامر المصري
2007/7/9

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=7403


لأن المعركة منذ بدايتها, لم تكن مقدسة أو مدعاة إفتخار, فإن الإحباط مما كان دائراً في غزة من صراع الخطيئة بين حركتي فتح وحماس, قد ألجم الكثيرين عن الكتابة والتعليق على الأحداث الفضائحية التي ألبستنا ثوب الخزي والعار, وذلك نأيا بالذات عن التصنيف الشخصي لصالح هذا الفصيل أو ذاك, وهذا طبعا من باب "التُقية" التي شاع إستخدامها حاليا في فلسطين, بيد أن نقاطا محددة تستفز الأقلام من جديد للنوح قليلا, مادامت المسألة تمس الأقلام ذاتها.

كنا نظن الصحفيين والكتاب والمراسلين والمؤسسات الإعلامية كافة, إستثناءا بديهيا لا يمسه قرح من قريب أو بعيد, ولا يأتيه تهديد أو وعيد, وفاءا وتقديرا وعرفانا بالجميل, إلا أن تحمس البعض لفكرتهم الواحدة اللاغية لغيرها, قد خلق واقعا إعلاميا جديدا في قطاع غزة بالتحديد, بحيث صرنا لا نسمع إلا لصوت واحد, يثقف الناس أو يروضهم كما يريد, مع أن ذلك ليس من فقه الديمقوقراطية, التي تحت سقف التشدق بها ونتائجها إنفصل الوطن وتشتت الشعب وتقاتل ذو القربى وبات الذي في غي كل منا غينا, في ذروة فقدان التوازن الوطني الكامل الذي يتحمل الجميع مسؤوليته.

ففي الأيام الأولى لإندحار المرتدين عن غزة, ورفع الرايات الخضراء السامية على كل راية بما فيها العلم الفلسطيني الواحد, دوهمت نقابة الصحفيين في غزة وصودرت محتوياتها بالكامل, وشهقت ثلاث إذاعات محلية النفس الأخير لتصير شيئا من الماضي, يصر المتحكمون بالحاضر اليوم على أنها لن تُبعث إلى الحياة من جديد, كما نهب حملة العرش الإسلامي الجدد أرشيف والمواد التسجيلية وأثات فضائية فلسطين بغزة, فيما أُنتهكت حرمة صحيفة الحياة الجديدة بمصادرة أجهزة الحاسوب من المكتب وغيرها, هذا على جانب, فيما على الجانب الآخر بالضفة الغربية تحرك موتورون غوغائيون لحرق منزل مراسل فضائية الجزيرة, في خطوة أراد صانعها إختبار نفسه ليتأكد له أنه للدناءة شقيق, غير أن المسلسل المتواصل بغزة قد ذهب مؤخرا حد التشهير والقذف بصحفيين, وتهديد وكالة إخبارية, كما حصل مع وكالة معاً. يبدو أن الغرور قد تملك أولئك الذين صانوا شرف ديمقراطيتهم, بأن أراقوا على جوانبها الدم بغزة, بحيث أنهم يريدون صحافة رياء ونفاق, فلا اعتراض ولا انتقاد ولا افتضاح أو إيضاح, يلقون بسلطة الحكم المطلق رداء الخوف على الصحفيين والإعلاميين, وكأن الجميع يجب أن يتنبه إلى ما جرى ليبقى في حالة تحسب دائم من ثقافة لغة الجسد العنفية, في عملية ترويض سريعة وممنهجة, انسحبت على البعض, كما قال لي صحفي هامسا مبررا؛ إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب, فيما قال لي مثقف جبان, وهو صديق بالمناسبة؛ البلاء موكول بالمنطق, هاجيا الهجاء مغتابا الغيبة مستثارا من النميمة التي نمها, قارئا قول الله تعالى "لا يُحبُ الله الجهرَ بالسوءِ من القولِ" متغافلا عن بقية الآية "إلا مَنْ ظلمَ", فيما لم يغطِ المصورون بعض الأحداث التي وقعت خوفا وجزعا, كما جرى في الإحتفال المسلح بإسقاط أول وآخر أصنام غزة, بإعدام الجندي المجهول مرة أخرى.

فهمت من السيد ناصر اللحام مدير تحرير وكالة معا الإخبارية خلال مكالمة هاتفية, أن تهديد الناطق باسم حركة حماس للوكالة بالتشهير لضرب مصداقيتها, لم يأتِ تعليقا على مقالة تحتمل التأويل والإجتهادات, مع أن الخلاف في الرأي حق مكفول في كل شرائع السماء والأرض ما لم يمس مقدس, بل جاء تكذيبا لخبر نشرته وكالة معا عبر مراسلها بمحافظة خان يونس, إلا أن "معا" قد وثقت خبرها بالصور التي تؤكد تعرض أحد المواطنين للتعذيب عبر دق المسامير في جسده, وهنا لسنا ضد زرع المسامير في اللحم الطري وتثبيتها في العظام, فالمسامير تعبر عن ثقافة واثقة بنفسها, وقدرنا أن نحترم كل ثقافات الكون, نحن ضد التشهير الذي يمهد للجريمة, كما تم تناول الصديق الحميم الصحفي إبراهيم قنن والصحفي أحمد عودة, في أكثر من منتدى وموقع إلكتروني, لنجد بعض الناسكين في زوايا منتديات الإنترنت يحوقلون ويتحسبون ويدعون من ارتدوا البزة العسكرية مؤخرا إلى معالجة الموضوع,,, وأذكر أنني كنت قد وعدت ممازحا إبراهيم قنن بأن أرثيه دون نسيان, إذا ما مضى في تغطية إحدى الإجتياحات الإسرائيلية التي كان يغطيها إذاعيا دائما من حيث يعسكر المقاومون في المواقع المتقدمة للمواجهة, شهيدا على درب من هم أكرم منا جميعا, وإني أخشى ما تخشاه نفسي, سيما وأن بعضا من أولئك الذين ما كادوا يلبسون كُم السترة العسكرية, باتوا يتنمرون على أمهاتهم وآبائهم, فكيف لا يستعرضون عليك يا إبراهيم ؟

قبل فترة وجيزة, استمرأ بعضهم شتما ونقدا وقذفا في إحدى التكايا المظلمة للشبكة العنكبوتية, على أحد الإعلاميين العرب, لا لشيء سوى أنه كان حياديا في تقديم برنامج حواري يتعلق بالخطيئة الفلسطينية, دون أن يميزوا أن هذا الإعلامي الذي ربحته القضية مناصرا بكل حواسه, قد يكون خدم القضية أكثر منهم, فيما بقي مراسل فضائية أخرى في الخارج طالبا اللجوء إلى النرويج, تاركا الحظ والشهرة, مؤكدا أن لا مجال للعمل في بيئة يسبق فيها السيف العذل.

تروي قصص التاريخ أن (نيرون) الملك الظالم قد سأل الشاعر (أغربين) وهو تحت نطع الإعدام : مَنْ أشقى الناس؟ فأجابه أغربين مُعرضا به: أشقى الناس مَنْ إذا ذكر الناس الاستبداد, كان مثالا له في الخيال,,, وهكذا الحال ما دامت الصحافة التي يحرر جنودها بأقلام الوطنية ومداد الشهامة ويمضون بدمهم قد صارت مهددة أو مكبلة, وهي التي تمثل ناموس الأمة وقانون الشعب, وحفيظ روحه أي حريته,,, يريدون تشكيل حرية الشعب بطريقة خاصة جدا لا تتفق إلا مع ذاتها كما جاء في الصحف الأولى بخبر وكالة معا, فيما يغالطون الأفكار ويحاصرونها من المصدر الذي يحررها, كيف لا وهم يحاولون مسخ الصحفيين إلى أداة جامدة, ليصبح الكتاب والمراسلون والإعلاميون كبقر الجنة لا ينطحون ولا يرمحون, فيصيرون كنموذج لبائع غشاش بييع ويمنع وفقا لرغبة المحتكر لا وفقا لحاجة الناس, حينها من الممكن أن نقول سلاما على قداسة الرسالة الإعلامية, لأنها صارت كمصحف في خمارة أو سبحة في يد زنديق. - مفتاح 9/7/2007 -

http://www.miftah.org