الشقيق وقت الضيق ... يا محروسة
بقلم: د. هاني الرويشي
2007/7/19

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=7484


بداية سأجد الكثيرين ممن يعملون في السياسة والشأن العام يرفضون نعت مصر بأية صفات تقلل من قدرها ، ويمكن أن نعزو ذلك لسببين: أولهما أن لمصر مكانة في قلوب كل العرب وبالذات الشعب الفلسطيني ، وثانيهما مهم بالنسبة للساسة الفلسطينيين كون مصر هي المنفذ الوحيد لأهالي قطاع غزة إلى العالم. وأنا لا أنكر أياً من هذين السببين ، وإنما ينحصر حديثي عن النظام السياسي الحالي في مصر وتفاعله مع القضية الفلسطينية ، وليس المقصود بذلك الشعب المصري العزيز ولا بأي شكل من الأشكال فهو فوق الشبهات.

ولعل الأفضل في مثل هذه الأحوال أن نتعرض لوضع مصر الدولي ومواقفها من القضية الفلسطينية تحديداً. فمن الواضح أن مصر قد انحازت تماماً إلى الموقف الغربي بقيادة الولايات المتحدة وذلك منذ اتفاقية كامب ديفيد نهاية السبعينيات ، والتي بموجبها تحصل مصر على ما يقارب 2.4 مليار دولار سنوياً إضافة إلى التغطية السياسية اللازمة لاستمرار النظام الحاكم ، بالرغم من ممارساته التي لا تتفق مع أبسط قواعد حقوق الإنسان والحريات العامة المتعارف عليها. ومن جهة أخرى – ونتيجة لالتقاء المصلحة في ذلك مع أمريكا ومشروعها – تركزت ممارسات النظام المصري التعسفية بحق أكبر قوى المعارضة والمتمثلة بالإخوان المسلمين. والمتابع للشأن المصري قد مل الاستماع إلى وكالات الأنباء التي أصبح الحديث فيها عن اعتقال المئات من الإخوان أو إطلاق سراح العشرات أمراً مألوفاً ومتكرراً ، وبالذات عند اقتراب موعد أية انتخابات. واللافت هنا أن منطق العداء للإخوان المسلمين قد انعكس بشكل واضح على تعاملات النظام مع الوضع الفلسطيني قبل وبعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية. ولنطرق باباً واحداً من مشاركات النظام المصري في محاربة حماس حيث تم عقد عدة مؤتمرات تآمرية في شرم الشيخ لهذا الغرض. فأولى القمم في شرم الشيخ والتي عقدت عام 96 كانت بعنوان واضح "مكافحة الإرهاب " وكان المقصود بذلك حركة حماس التي كانت ضحية تعسف الأجهزة الأمنية في ذلك الوقت. ثم تلاه اجتماعاً آخر عام 99 تحت بند الأمن وبهدف القضاء على المقاومة وجمع سلاحها ، كما وعقد المؤتمر الثالث عام 2003 والرابع عام 2005 وتضمنا دعوات لإنهاء الانتفاضة والقضاء على المقاومة. وقبل أسابيع عُقدت القمة الخامسة والتي تعهدت بالقضاء على المقاومة التي طهرت غزة من موظفي دايتون وخطته ، كما أن القمة نزعت الشرعية عن المقاومين في الضفة وتعهدت بجمع السلاح. وفي جميع تلك المناسبات لم يقف النظام المصري موقفاً متوازناً من الأطراف الفلسطينية ، وبالذات من حركة حماس. وكان واضحاً من تلك المؤتمرات حرص القيادة المصرية على تحجيم دور حماس ووجودها ، وفي نفس الوقت دعم السلطة الفلسطينية وإجراءاتها التعسفية بالرغم من فسادها الظاهر ، وذلك إما لالتقاء المصالح أو تنفيذاً للتوصيات الأمريكية مدفوعة التكلفة سلفاً. ولا ننسى في هذا المقام المجهودات الكبيرة التي قامت بها القيادة المصرية من عقد مؤتمر وزراء الخارجية العرب بغرض منح الشرعية للرئاسة وإجراءاتها غير القانونية ، وقرارها بنقل بعثتها إلى الضفة الغربية. وهذا يؤكد أن القيادة المصرية لا يمكن أن تكون حَكَماً نزيهاً في الصراع الدائر.

ودعونا نسأل أنفسنا بعض الأسئلة التي يمكنها أن تساعدنا في فهم تصرفات القيادة المصرية تجاه حركة حماس التي تمثل الشعب الفلسطيني ، بحسب نتائج الانتخابات التشريعية: 1. كم مرة تمت دعوة رئيس الحكومة الفلسطينية لزيارة مصر والالتقاء برئيسها لتدارس أحوال الفلسطينيين التي تدعي القيادة المصرية حرصها عليهم – وبعد عام ونصف على إدارة حماس للحكومة. وفي المقابل عشرات اللقاءات بين الرئيس المصري ومسئولين إسرائيليين وفلسطينيين أقل شأناً ومنزلة!!! 2. هل يُعقل أن تفتح إسرائيل معابرها وتأتي من خلالها المتطلبات الأساسية اللازمة لمعيشة مواطني القطاع بينما يتم إغلاق المعبر المصري الوحيد في وجه أهلنا؟ 3. هل ترك المواطن الفلسطيني يموت على الحدود المصرية الفلسطينية تحت أعين "الشقيقة مصر" هو من الوطنية؟ أليست هذه جرائم حرب؟ أين حقوق الإنسان والشرعية الدولية واتفاقات جنيف مما يحدث للفلسطينيين وعلى بُعد أمتار من وطنهم؟ ولعل العالم يعتقد أن الشعب الفلسطيني يستجدي الحكومة المصرية في قوت يومه واستخدام المعبر ، بينما الواقع أنه يتم استغلال المواطن الفلسطيني من قبل النظام المصري استغلالاً فاضحاً. فالرسوم الرسمية المفروضة على الفلسطيني لعبوره معبر رفح متعددة الأسماء والصفات والقيمة ، كما أن الابتزاز الذي يتعرض له المواطن الفلسطيني ليس له مثيل في تنوعه وبشاعته ، لدرجة أن أجرة نقل متاع الراكب لعدة أمتار يعادل أجرة الطائرة التي يدفعها المواطن الأمريكي ليسافر من تكساس إلى نيويورك!!! غير معقول ، إذاً أنت لم تعاني مهزلة المرور عبر معبر رفح.

4. أما بالنسبة للمشاركة في الحصار العالمي الجائر على قطاع غزة فحدث ولا حرج ، وكأن مواطني القطاع ليسوا بشراً ولا عرباً ، ونسي النظام المصري أنه هو الذي أضاع غزة في مهزلة حرب 1967 وأنه بذلك يتحمل مهمة تحريرها ، لا أن يشارك بل ويتزعم الحصار على أهلها.

5. هل المنطق الوطني أو القومي يبرر قيام النظام المصري باعتقال المقاومين الذين نجوا من الاحتلال ، وفي بعض الأحيان يتم ذلك لسنوات ويحتاج تحريرهم إلى مفاوضات لا نهاية لها وتدخلات على أعلى المستويات؟.

6. وهل هناك تفسير لمشاركة مصر في تنفيذ خطة دايتون للحرب الأهلية ، وذلك بتدريب قوات فلسطينية تابعة للرئاسة وتقديم الدعم المادي والتنظير السياسي لها؟. أبعد كل ذلك تنطلق النداءات والاستغاثات من قبل الجميع إلى القيادة المصرية التي ينعتونها بالشقيقة. أليس من الغريب أن تدفعنا القيادة المصرية إما إلى هاوية الحرب الأهلية وإما الخضوع لابتزاز إسرائيل وخيانة القضية!!

ولماذا هذا التردد من قبل النظام المصري في إعادة وفده الأمني وبعثته السياسية إلى غزة؟ وفي نفس الوقت ليس مفهوماً هذا الحرص العجيب لدى القيادة الفلسطينية للقطاع بخصوص عودة هذا الوفد. وأتساءل: هل يخدم وجود هذا الوفد القضية الفلسطينية أم مصالح النظام المصري؟ إن المنطق السليم يفترض أن وجود الطرف المصري في القطاع هو مصلحة مصرية صرفة يجب أن يدفع النظام المصري ثمنها ، لا أن نستجدي ذلك وكأنه تنازل منه. وستثبت الأيام قريباً أن لا غنى لمصر عن اتخاذ مثل هذه الخطوة وأن المصلحة القومية والإستراتيجية والدور الإقليمي لمصر وقدرتها على تنفيذ سياسات الولايات المتحدة لا يمكن تحقيقها بدون تواجد مصري في القطاع. أضف إلى ذلك فإن حماية الحدود المصرية الفلسطينية والعمل ضد المهربين والتعاون الأمني لا بد له من مشاركة فلسطينية فاعلة ، وهذا أيضاً لا يجب أن يكون بلا ثمن. وبالنظر إلى حجم التبادل التجاري بين القطاع ومصر نجده يميل بنسبة مائة بالمائة لصالح مصر واقتصادها. وعليه فكما أن لدينا مصالح مع مصر فإن مصالح مصر عندنا ليست بأقل من مصلحتنا عندهم.

لذلك ليستميحني السيد هنية عذراً ، وليُسم الأمور بمُسمياتها وليخاطب النظام المصري نداً لند ، ولا يتصرف كمسئول علاقات عامة يريد أن يمسك العصا من المنتصف. ولا يظنن أحد أن الحل دائماً يكمن في استعطاف الآخرين ولكن قد يكون الكي علاجاً ناجعاً. إن تصرف القيادة المصرية على هذا النحو – بالتأكيد - لا يضعها تحت مسمى الشقيقة بل المتواطئة والعميلة ، ونتمنى أن تغير مواقفها وتتعامل مع مواطني القطاع باحترام. وإذا كانت ترغب في أن تكون "شقيقة" كما نرغب فلتعلم أن الشقيق وقت الضيق وأبناء القطاع على جانبي الحدود كانوا ولا يزالون في شدة وضيق ولا تقنعهم المواقف الحالية للنظام المصري. - مفتاح 19/7/2007 -

http://www.miftah.org