من يفتح الانسداد السياسي؟
الموقع الأصلي:
إسرائيل وإدارة بوش قوضتا مقومات الحل وعززتا احتلال الارض وضمها، ونحن لم نخض معركة سياسية جدية، وتقهقرنا على أكثر من صعيد. والأخطر من ذلك كان ارتداد الطاقة الموجهة للاحتلال نحو الداخل الفلسطيني. حدث ذلك بعد العام الأول من الانتفاضة الأولى، عندما غلب الجهاز النضالي (الفرق الضاربة) فرض السيطرة على المجتمع وتغيير سلوكه على مهمة تطوير جهود المنتفضين والارتقاء بنضالهم لطرد الاحتلال، وتجذر الارتداد بالانقلاب العسكري الذي دبرته "حماس" اخيرا في غزة. علينا رؤية مشكلتنا بدقة حتى نسعى لحلها. البعض يرى الحل بالحوار والتوافق والبعض الآخر يرى الحل بالانسحاب من العملية السياسية لانها لن تعطي شيئا. قد نتحاور ولا نتفق على القضية الجوهرية، وقد نتوحد على توافق يعزز الشلل السياسي، القضية الأهم هي على ماذا نتفق ونتوحد وما هو السبيل إلى الإقلاع السياسي. إن أي التباس في الموقف السياسي وفي الأهداف المنوي تحقيقها يزيد من حالة التفكك الوطني والسياسي لم يتوقف الحوار لحظة واحدة عبر وسائل الاعلام، ففي كل يوم تطرح أفكار ومواقف عبر الرسائل والخطابات والمقالات، تنادي بالحوار والوحدة بدون أن تحدد الأسس واستعداد القوى للتلاقي عند الحد الأدنى. إن أخطر شيء في هذا الحوار هو دفع الأمور باتجاه توافق ومحاصصة بمعزل عن الاتفاق السياسي. لقد كشفت تجربة اتفاق مكة وبرنامج حكومة الوحدة الوطنية واتفاق الوفاق الوطني أن الاتفاق تكتيكي ولا يتجاوز حدود المناورة. أكبر دليل على ذلك مهاجمة ورفض الاتفاق بادئ الأمر ومن ثم الانسحاب من التوقيع عليه وبعدئذ جرى تبني الاتفاق، بدون الدفاع عنه وشرحه للقاعدة التنظيمية والإطار الجماهيري، بمعنى آخر كانت التعبئة تذهب في سياق آخر وعلى طرف نقيض من الاتفاق. هذا النوع من التعاطي مع الموقف المشترك يستخدم الشراكة لمصلحة البرنامج الخاص إلى آخر مدى ولا يغير من حقيقة الأمر المواقف اللفظية التي تتحدث عن الوفاق. وبهذا المعنى فإن البرنامج المشترك لا يوحد ولا يدفع القوى وامتدادها الجماهيري لخوض نضال مشترك على شعارات وأهداف مشتركة تلبي فعلا المصلحة الوطنية. هل يمكن أن نتفق سياسيا، هذا هو أهم شيء وبعدئذ سيفتح المجال أمام معالجة الديمقراطية المغدورة. ماذا تريد "حماس"؟ هل ترغب بالتزام كل فصائل الحركة السياسية ببرنامجها الخاص، الالتزام هنا يعطي نموذجا للحزب الواحد والشمولية التي كان أكلها الفشل والدمار، والبرنامج الواحد المفروض يعني أولا وقبل كل شيء قبر التعددية والديمقراطية، وهو يا للعجب يتناقض مع برنامج "حماس" الانتخابي الذي يؤيد التعددية السياسية. الانقلاب الذي دبرته "حماس" مس جوهر التعدد والديمقراطية ولا يمكن القفز عن هذه النتيجة عندما نجد انتهاكات مشينة للديمقراطية من قبل بعض الاتجاهات في "فتح". هل تريد "حماس" الأخذ بتقسيم أدوار مع الآخرين بشرط أن يصب ذلك في مصلحة مواقفها. فهي التي تتبنى الصراع المفتوح مع اسرائيل وتعمل بكل امكاناتها للسيطرة على المجتمع، وفي نفس الوقت تترك للاخرين امكانية الحصول على علاقات ودعم وشرعية كي تعمل في ظلها، وتحرص في الوقت نفسه على إحباط أي حل للاخرين، ثمة التباس في برنامج "حماس" المرحلي، هل تطرح الحركة دولة في حدود 67 مقابل هدنة طويلة؟ ام هل تطرح استراتيجية تحرير كل فلسطين من النهر للبحر. الالتباس في برنامج "حماس" يجعل كل شيء قابلا للاخذ والرد، وخاصة إذا كانت الحركة في مركز السلطة والقرار. ماذا يعني تعويم المواقف السياسية. يحتمل التعويم استعداد "حماس" لقبول الحل إذا كانت في مركز القرار. "حماس" لا تملك استراتيجية تحرير، والدليل على ذلك، اقتران فشل أوسلو بصعود "حماس" وفوزها في الانتخابات وحسم السيطرة العسكرية على قطاع غزة، وعدم اقتران ذلك الصعود بوضع استراتيجية التحرير على حيز الفعل. خلافا لذلك جرى الأخذ بالهدنة وجرى التضييق على الفصائل التي أطلقت القذائف ضد اسرائيل. "حماس" وكل الاطراف المؤيدة لها مطالبون بتحديد استراتيجية غير ملتبسة للقضية الوطنية، كيف يمكن الخلاص من الاحتلال وإعادة بناء الانسان والمجتمع في الشروط الملموسة الراهنة، هذه هي الحاجة الملحة لكل مواطن يعيش في شروط الاحتلال الكولونيالي العنصري. الاستجابة لهذه الحاجة هي المعيار الأول للوطنيةالفلسطينية. ولن يمضي طويل وقت قبل أن يبطل مفعول إحالة المسؤولية الكاملة على التعنت الاسرائيلي وحده، سيأتي اليوم الذي سيتوقف فيه الناس عند دور "حماس"، كما توقفوا عند دور "فتح" في تجربة بناء السلطة. نعم يوجد دور للعامل الذاتي بكل مكوناته. العامل الذاتي يستطيع وضع قيود على العدوان والتعنت الإسرائيلي، كما يمكن له ان يقدم الذرائع. المشكلة إذا ليست قبول الحوار أو رفضه، المشكلة في التباس سياسة "حماس". مقابل ذلك، ثمة خلل حقيقي في استراتيجية اغتنام فرصة الحل المطروحة دوليا وعربيا. فلا يمكن الركون لوعود وأقوال بلا أفعال. وهذا يطرح ضرورة الاجابة على سؤال: ماذا يمكن عمله في ظل إخفاق المحاولة الراهنة .. وللحديث بقية. Mohanned_t@yahoo.com - مفتاح 24/7/2007 - http://www.miftah.org |