لقاء أريحا وانطلاقة الحل السياسي
الموقع الأصلي:
بيد ان هذه التجربة التي نتحدث عنها وهي غير مشجعة ليس فقط مع رئيس الوزراء الحالي، وإنما مع القيادات الإسرائيلية كافة منذ عهد رابين، وبيريس ونتنياهو مرورا بشارون وانتهاء بأولـمرت، تتسم بعدم احترام الـمواعيد والاتفاقات. ورغم هذا التقدير والـمعرفة لدى القيادة الفلسطينية، فإنها كانت تمتلك الرؤية بأهمية اللقاءات ليس للقاء بحد ذاته، وإنما لتفويت الفرصة على الجانب الإسرائيلي للادعاء بان الطرف الفلسطيني لا يريد او يتهرب من اللقاءات ويحمله مسؤولية أمام الأطراف الدولية الراعية، وتتحول الضحية إلى مدانة بقدرة الديماغوجيا والتضليل والانحياز الأميركي، وبدلاً من توفير قوى ضغط دولية لجانب الحقوق الفلسطينية تتولد قوى ضغط على الجانب الفلسطيني باعتباره معيقاً ومعطلاً لعملية السلام. يمكن القول إن لقاء قمة أريحا قد حمل شيئاً مختلفاً عن اللقاءات السابقة، ليس لأنه يعقد في أريحا باعتبارها تحت السيطرة الفلسطينية، وإنما أيضا لأن هناك جملة من الـمتغيرات السياسية التي تجعل لهذا اللقاء أهمية يمكن وصفها كبداية إعادة انطلاق العملية السياسية، رغم عدم القدرة على لـمس نتائج ملـموسة منذ اللقاء الأول، والذي قد يشكل وفقاً للنتائج التي أعلن عنها بداية لسلسلة لقاءات أخرى تمهد او تفتح الطريق أمام انعقاد الاجتماع الدولي الـمقرر عقده في الخريف القادم. هذا اللقاء جاء ثمرة تحرك أميركي نشط في الـمنطقة بهدف حث الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على بلورة اتفاق على جملة من القضايا التي تشكل قاعدة لانعقاد مؤتمر الخريف، ولأن الولايات الـمتحدة لا تريد ممارسة ضغوط جدية على حكومة أولـمرت بشأن جدول أعمال اللقاء، ومرجعيته والقضايا محل النقاش، فإن الولايات الـمتحدة الأميركية وفي سياق حاجتها لحشد أوسع ائتلاف لـمواجهة إيران وبرنامجها النووي، وكذلك تحالف طهران دمشق بيروت غزة، وحرصها على ان تتعزز هذه الجبهة لـمعالجة أزمة احتلال العراق الـمتفاقمة على الـمستوى السياسي والأمني، فقد عمدت السيدة رايس في جولتها الأخيرة إلى طرح جملة من الأفكار العامة حول الـمؤتمر، وترك تفاصيل الاتفاق على جدول أعماله للأطراف الـمعنية لإعطاء فرصة لأولـمرت للتحرك الداخلي، علاوة على تقديم محفز جديد له لتقديم ما يمكن تقديمه وهو ضمان مشاركة الـمملكة العربية السعودية في هذا اللقاء، وهو ما يشكل بالنسبة لإسرائيل مكسباً سياسياً كبيراً وفاتحة جديدة بالعلاقات الإقليمية، والتطبيع مع أهم دولة عربية إقليمية ذات نفوذ اقتصادي وروحي كبيرين. غير ان هذه الـمحفزات رغم أهميتها بالنسبة لأولـمرت في الـمرحلة الراهنة، فإنه وفي ظل الأوضاع الداخلية التي عانى منها ومازال، فإن الخيار الأفضل بالنسبة اليه هو البحث عن مبادرة سياسية إسرائيلية، هذه الـمبادرة تحقق له جملة من الـمكاسب، ولا ترتب عليه التزامات وأثماناً سياسية عليه دفعها مقدماً، ويمكن تقدير مكاسب هذه الـمبادرة وفقاً للتصور التالي : - أخذه لزمام الـمبادرة السياسية، ما يعطيه الفرصة لفرض جدول الأعمال السياسي على مستوى الحركة السياسية، والسعي من جهة أخرى لتوجيه رسالة داخلية بمدى قدرته وقوته على إدارة العملية السياسية لإسكات الـمعارضة. - توجيه رسالة للـمجتمع الدولي وللأطراف الراعية للعملية السياسية وخاصة الولايات الـمتحدة الأميركية بأن إسرائيل ترغب في التسوية وليست مشغولة فقط بقضاياها الداخلية، او في البحث عن ذرائع للبقاء في الضفة الغربية. ــ الـمبادرة السياسية تعطي رسالة قوية من جانب أولـمرت بان إسرائيل تستجيب للـمطالب الأميركية والدولية بإعطاء "أفق سياسي" للـمعتدلين الفلسطينيين في مواجهة قوى التطرف وخاصة بعد انقلاب حركة حماس وسيطرتها على قطاع غزة. - الاتفاق على الإطار السياسي الذي يقترحه، وجرى تسريبه لوسائل الإعلام الإسرائيلية، يتمحور حول تغيير الواقع في الضفة وغزة، ويضع في هذه الأثناء جانباً قضية اللاجئين والقدس التي لا يعتبر حلهما شرطاً ضرورياً لإقامة الدولة الفلسطينية. ــ بلورة التفاصيل وتنفيذ التسوية التي تنطوي على مصاعب للطرفين يمكن أن تُترك لـمرحلة الـمصادقة على اتفاق الـمبادئ الجديد هذا، من خلال إجراء انتخابات فلسطينية والتصويت عليه في الكنيست. وبدون أدنى شك فإنه لا يمكن تجاهل الايجابيات السياسية والشخصية الـمتوقعة لأولـمرت من الاستجابة لـمرحلة سياسية جدية تطلق، انطلاقاً من الـمناخ الدولي والحاجة الأميركية والصعوبات الداخلية التي يمر بها، فبدلاً من محاولة إقناع الجمهور الإسرائيلي بأن حرب لبنان كانت ضرورية وحققت النتائج الـمرجوة منها، فإنه ينطلق بمبادرة سياسية تاريخية تعزز موقعه كقائد سياسي بمستوى رابين وشارون وتظهره بمظهر القائد صاحب القرار، وربما هذه الـمبادرة سترفع من رصيده الشعبي وتعزز مواقعه الداخلية في حال ترشيحه لنفسه كما أعلن لولاية جديدة في مواجهة نتنياهو وإيهود براك. وفي مقابل الرؤية الإسرائيلية هذه، فإن دوافع الرئيس عباس والـمنطلقة أساساً، من الثوابت التالية: ــ تمسكه بالثوابت الفلسطينية والقائمة على أساس العودة وتقرير الـمصير والدولة الـمستقلة وعاصمتها القدس. ــ تمسكه بخيار السلام كخيار استراتيجي لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. - إدراكه بان عامل الوقت لا يسير لـمصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته، وكلـما خسرنا مزيدا من الوقت خسرنا مزيداً من الأراضي الفلسطينية. - إدراك أهمية اللحظة السياسية التاريخية وتوظيف الحاجة الأميركية لبناء تحالف إقليمي في مواجهة تحديات الاستراتجية الأميركية في الـمنطقة، وتوظيفه لـمصلحة التوصل لحل سياسي على قاعدة قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية. ــ توظيف أي تقدم ملـموس على الـمسار السياسي، في مواجهة الأزمة السياسية الداخلية، وفي زيادة عزلة حركة حماس، تمهيداً لإضعافها وإسقاطها شعبياً قبل التوصل لحل سياسي معها والتوجه لانتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة على قاعدة ما يتم التوصل اليه من اتفاقات. إن الانطلاق من أهمية الدعوة لعقد اللقاء الدولي والعمل على تحويله لـمؤتمر دولي انطلاقاً من مرجعيات عملية السلام التي انطلقت في مدريد، وتوفير رعاية دولية له تحت سقف الأمم الـمتحدة، وآليات رقابة تضمن تطبيق ما يتم التوصل اليه بالـمؤتمر، وليس البحث في اتفاقية إطار جديدة غير معروفة مرجعيتها، ولا السقف الزمني لتطبيقها، او آليات وضمانات تطبيقها. - الأيام 8/8/2007 - http://www.miftah.org |