هذيان صيفي "إسرائيلي"
الموقع الأصلي:
في خضم التفاوض الهادف إلى إعداد شيء ما متفق عليه ل”اجتماع دولي للسلام”، من نوع إعلان مبادئ يباركه الاجتماع وتعقبه انتخابات فلسطينية تتحول إلى استفتاء على هذا الإعلان المدعوم دوليا، وفي قمة المحاولات “الإسرائيلية” لإقناع الإنسان الفلسطيني بفوائد ومزايا وعائدات “الاعتدال” يزاود باراك فجأة في مقابلة ل “يديعوت أحرونوت” (11 أغسطس/ آب الجاري). من دون سابق إنذار، قال باراك ما مفاده أنه لن يكون انسحاب من الضفة خلال الأعوام الخمسة المقبلة، لأن “إسرائيل” لن تنسحب قبل أن تضمن وسائل للتغلب على قذائف قسام قد تطلق من الضفة بعد الانسحاب. المهم في هذا التصريح الغريب، ليس مضمونه. فمن اعتقد حتى الآن أن “إسرائيل” سوف تنسحب خلال خمسة أعوام من الضفة لا يلومنّ إلا نفسه. وعندما اتصل باراك مطمئناً رايس الغاضبة على هذا الإفساد المتعّمد للعبة أولمرت عباس، لم يتراجع عن تقييمه هذا بل أكد دعمه للمفاوضات، وما يسميه هو دعمه ل “الأفق السياسي”...أي انه يدعم “العملية”، وكلها مصطلحات باراكية كامب ديفيدية معلومة. وهي ليست أفقاً سياسياً بل لا تتجاوز في الواقع ال “إفك سياسي”. المهم في هذا التصريح هو ما لا يخطر ببال من لا يعرف تلك البلاد: أولا، باراك غاضب لأن اولمرت لا يأتمنه ولا يشركه في عملية صنع القرار، بما في ذلك عملية التفاوض. في السياسة “الإسرائيلية”، وليس فقط في ملاعب الأطفال تنتشر قاعدة “يا بلعب يا بخرب” (أو بخربش أو بخربط أو بلخبط، حسب اللهجة). وثانياً ينتظر باراك استقالة أولمرت، أو إقالته بعد أزمة إذا قاوم الاستقالة، وذلك بعد نشر تقرير فينوغراد النهائي الذي قد يطالبه بالاستقالة صراحة. باراك ينتظر تقديم موعد الانتخابات. ثالثاً، يزاود باراك، ولكن ليس على أولمرت بل على نتنياهو، خصمه المقبل في انتخابات رئاسة الحكومة. وللتنافس مع اليمين أصول بيّنة تميزه عن التنافس مع عامي إيلون على قيادة حزب العمل. ورابعاً، تحضيراً للانتخابات يصحح باراك انطباعات منتشرة عنه، فهو ملامٌ على تأسيس منطق الانسحاب من طرف واحد: عندما انسحب من لبنان عام 2000. (في لبنان كان ذلك في الواقع اندحاراً دون شروط أمام المقاومة، وذلك بعد أن أفشل هو المفاوضات مع سوريا التي يروج أنها لو نجحت لكانت سوف توفر له انسحابا في إطار اتفاق سلام). هذا هو مغزى تصريح باراك. أما المفاوض الفلسطيني فقد فك الارتباط(!!) مع غزة وحماس. وهو الآن رهينة السماجات “الإسرائيلية” على أنواعها. وهو لم ير شيئا حتى الآن، ف “إسرائيل” “وراءه، والزمن طويل”، والنفس طويل”. ومهما كان سعيداً بهذه “الشراكة” التي طالما تمناها دون عرب، فسوف تعصر “إسرائيل” حتى آخر قطرة حاجته إلى إبراز وإظهار وتضخيم أية “مكرمة” “إسرائيلية”. وها هي ليفني تربط التقدم في المفاوضات بالتطبيع مع العالم العربي (“هآرتس” 15 أغسطس/ آب)، أي أنهم أخذوا المفاوض الفلسطيني رهينة، وباشروا ابتزاز العالم العربي. اقتراحات بيريز: أما شيمون بيريز الابدي ابن الثمانين، الشاب الدائم الذي بدأ لتوه مستقبلاً مهنياً باهرًا كرئيس دولة فلم يخيّب التوقعات والآمال المعقودة عليه وقدم أفكارًا. وسوف نسمع الكثير من هذه الأفكار من بيته الرسمي الكائن في حي الطالبية المقدسي الخلاب أجمل أحياء غربي القدس التي احتلت عام 1948.. ولكن من يتذكر ذلك من الوفود العربية الوافدة إليه مروراً بالبيوت العربية الجميلة التي أصبحت حياً للطبقة “الإسرائيلية” العليا، يؤيد بيريز إعادة مائة في المائة من مساحة أرض الضفة الغربية بحيث يعوض الفلسطينيون عن القدس الشرقية وما حولها، وعن الكتل الاستيطانية التي سوف تضم إلى “إسرائيل”، والله أعلم عما أيضا، ويقترح “تبادلَ أراضٍ” بما في ذلك مناطق مأهولة عربية على طول الخط الأخضر. كالعادة، اعتبر بعض العرب فكرته فرصة تاريخية يجب ألا تفوّت. وآخرون يعارضون، وليس في جعبتهم مبرر تفاوضي لرفض الاقتراح النظري. طبعا نحن نقترح عليهم الأسهل، أن تقال الحقيقة، أن الارض المحتلة ليست عقاراً فلسطينياً يساوم عليه بمنطق المساحة والسعر، وقضية القدس تحديدا ليست مسألة عقار يبادل، وأن على “إسرائيل” أن تقبل خطوط هدنة عام 1949 لا أكثر ولا أقل، وأن تنسحب الى حدود الرابع من حزيران. هذا موقف ولا حاجة هنا إلى حجج، بقدر الحاجة إلى موقف يتم على أساسه التفاوض. أما بالنسبة للعرب في الداخل ممن يخشون أن الحديث عن منح السلطة الفلسطينية مناطق مأهولة بعرب من داخل الخط الأخضر يتطرق إليهم، فهنالك تردد وتلعثم أو معارضة للخطة من دون حجج واضحة. من ناحية، قد يقال لم الممانعة بالانضمام إلى دولة فلسطينية، خاصة أن الانضمام لا يتم دون أرض، بل تنقل السيادة على كل بلدة مع أرضها، ويخشى أن يفسر هذا الموقف الرافض على انه تمسك بالمواطنة “الإسرائيلية”؟ وهو بات يفسر كذلك “إسرائيليا” بنبرة غرور ورضا عن الذات. حسنا، لكننا غالبا ما نقول ان هذه المواطنة “الإسرائيلية” فرضت على عرب الداخل، فهل أصبحت بقدرة قادر خياراً وتحبيذاً؟ مجرد هرب بعض العرب الى هذا الجانب في مقترح بيريز، أي ان الانتقال يجب أن يكون اختيارياً للمواطنين ما هو إلا تأكيد لهذه النزعة. ولكن البلدات العربية ليست دولاً لتضم بأراضيها، و”إسرائيل” صادرت غالبية الأرض أصلاً، وسوف تحاول تقليص المساحة. شيء ما عفن هنا، وإلا لما أعرب ليبرمان عن رضاه وفرحه من السهولة التي تم فيها تقبل الأمر “إسرائيلياً” من حيث المبدأ، وحتى اليسار “الإسرائيلي” لم يجد في اقتراح نقل سكان مع أرضهم إلى السلطة الفلسطينية مشكلة اخلاقية. وليبرمان يدعو باستمرار إلى أن يشمل أي حل مع الفلسطينيين التخلص من أكبر عدد من عرب الداخل في صفقة/ رزمة. وها هو الأمر يتحول إلى شبه عرفٍ وإجماع. يجب أن يصرّ العرب في الداخل على الموقف، ولكن هنا يتوجب إيضاح الموقف بشكل لا يتضمن تنازلاً عن الهوية الوطنية، وبحيث لا يضر في الوقت ذاته بالحقوق في إطار المواطنة. ونحن نؤكد على ما يلي كصيغة معقولة ومقنعة: أولا، على “إسرائيل” أن تختار إما نقل الجليل والمثلث بأجمعهما إلى الدولة الفلسطينية بموجب حدود التقسيم عام ،1947 أو لا ينقل أحد. وعلى “إسرائيل” ان تختار إما حدود 1967 واستمرار النضال العربي ضد الصهيوينة ومن أجل المساواة، أو حدود التقسيم من العام 1947. ثانياً، نقل قسم منهم فقط لا يخدم أية قضية منهما. فمن ناحية يقدم العرب، إذا وافقوا، تبريرا للتخلي عن القدس وعن غيرها. وثالثا، تطرح علامة سؤال دائمة على مستقبل من تبقى منهم داخل الخط الأخضر. فهم لن يبقوا كمواطنين متساوي الحقوق. لن تفارق علامة السؤال “الإسرائيلية” مواطنتهم. وفي الوقت نفسه سوف يبدو أن العرب في الداخل متمسكون ب “إسرائيل” وليس بالهوية الوطنية. ورابعاً، ما دام السؤال حول مستقبلهم قد فُتح والسابقة تمت، فسوف يكون عليهم باستمرار ان يثبتوا ولاءهم للدولة وإلا فقد يتعرضون في المستقبل لتهديد النقل، أو من نوع منحهم حقوقا مدنية، حيث يعيشون وحقوقاً سياسية وتصويتاً وغيره في الدولة الفلسطينية، ولا حدود لعدد الأفكار التجزيئية التي يمكن ان تطرح، ما دامت وضعت سابقة تجزئتهم. ولذلك يجب رفض ظاهرة تجزئة المصير هذه. كساد إخباري: في الصيف يفقد الخبر من منطقتنا (إلا إذا بقي عدد القتلى اليومي في العراق وفي مخيم نهر البارد خبرا). وإذا كانت هنالك أخبار، فليس هنالك مستهلكو أخبار. العطل لا تنتج أخبارا، والمصطافون لا يريدون سماع أخبار تفسد عليهم العطلة. موسم كساد إخباري. ولسبب نجهله يسمى هذا الموسم بالعبرية بلغة الصحافيين “عونات هملفيفونيم” أي “موسم الخيار”. ربما لكثرة الخيار وشحة الأخبار. ومع التعديلات المناسبة تضع “يديعوت أحرونوت” عنواناً رئيسياً حول تسلح سوريا، وفي الخبر نفسه لا شيء يذكّر بالعنوان. يعقبه في اليوم التالي عنوان في “معاريف” حول عدم تسلح سوريا وعدم خطورته. لا ينتبه المترجمون الأشاوس عن الصحف العبرية طبعا أن التنافس بين الصحيفتين مثل التنافس بين باراك ونتنياهو يؤدي إلى الكذب واختلاق الأخبار. تبدأ صحيفة بسبق صحافي، هو خبر مؤكد ولكنه غير مهم، أو مهم ولكنه غير مؤكد وتحوله الى سبق. والعنوان الرئيسي كفيل بتحويله الى خبر مهم ومؤكد. فإن لم تتمكن الصحيفة المنافسه من تكذيبه تنافس بكذب صريح ولكن أكبر، ليكون لها السبق. والمهم هنا ليس الحقيقة، وبالتأكيد لا العرب ولا اليهود بل عدد القراء في اليوم التالي وهل تم تناول وتداول الخبر مع اسم الصحيفة والصحافي في وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة. وطبعاً العرب “لا يكذّبون خبراً” عند الترجمة. هكذا فقط في فضائيات عربية أصبحت انتخابات داخلية لحزب الليكود خبراً يستحق بثاً مباشراً، مع أنه لا ينافس فيها أحدٌ نتنياهو (فايجلين ليس أحداً)، ولا يهتم بها أحد في “إسرائيل” ذاتها. - الخليج 16/8/2007 - http://www.miftah.org |