لليسار.. دُر
الموقع الأصلي:
يعتقد اليسار الفلسطيني أن الظروف ناضجة تماماً لولادة حركة سياسية جامعة لكل القوى اليسارية التي تتشابه بالبرنامج الاجتماعي وإلى حد ما برؤية النهاية المتوجبة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وعليّ أن أعترف بأنني ممن بذلوا جهداً في البحث عن الصيغة السحرية لولادة هذه القوة اليسارية المنشودة، دون أن أوفق، ولا أعتقد أن أياً من المتحمسين لهذه القوة، أفراداً وأحزاباً، قد عثروا على ضالتهم لهكذا ميلاد، بالرغم من التداخل الشديد للوطني بالاجتماعي الناجم عن تشكل السلطة الوطنية الفلسطينية وضلوعها المباشر في إدارة احتياجات سكانها المتنوعة. وإذا تجاوزنا "التشاطر" الفصائلي لبعض القوى اليسارية في استخدام بعض الأشكال الوحدوية التي أقيمت على طريق بناء "حركة اليسار" لتحقيق مكاسب تنظيمية صغيرة ومباشرة ثم انهارت، فإن مهمة كهذه تبدو شبه مستحيلة بالرغم من نضج الظرف السياسي المباشر ليس إلا، ولا نعني السياسية هنا باعتبارها تكثيفاً لنضج اقتصادي واجتماعي، بل بالمدلول المباشر لها ، أي صراع سياسي مباشر على السلطة وسط مخاطر تفكك "النظام" السياسي الوطني جراء الصراع الطاحن بين القوتين الرئيستين، والذي تسببت فيه وبشكل مباشر حركة حماس. فاليسار الفلسطيني لم ينمُ كحركة يسارية في أتون معارك اجتماعية وفكرية واضحة، بل نما نظرياً على أساس اصطفاف برنامجي- أيديولوجي، وتمثيل نظري ليس إلا. ففي الوقت الذي اكتظت فيه برامج اليسار بالدعوات لتمكين الفئات الكادحة والفقيرة، كانت قوة سياسية كحركة حماس، المؤمنة عقائدياً بالتراتب الطبقي كقدر ميتافيزيقي، تقدم إجابات ملموسة لمشكلة كتلة كبيرة من السكان فقيرة ومحتاجة من خلال عشرات الجمعيات الخيرية، الممولة طبعاً لأغراض سياسية بحتة. وفي إطار هذه المعركة غير المتكافئة بين البيانات اليسارية والكوبونات الحمساوية، استطاعت حركة حماس أن تصوغ قاعدتها الاجتماعية المعدة تكتيكياً لرفعها إلى السلطة، وهي قاعدة تتعامل بحكم التشوهات والتعقيدات الاقتصادية والاجتماعية البنيوية مع مصالحها المباشرة اليومية، متجاوزة مصالحها الإستراتيجية التي تعبر عنها نظرياً قوى اليسار. إن استمرار انهيار محاولات اليسار لبناء حركة يسارية جامعة يعود بالأساس إلى ميوعة وتفتت القواعد الاجتماعية التي تستند إليها، ناهيك عن انشغاله بكل ما هو يومي وتكتيكي، "وتقديس" هياكله التنظيمية الضيقة وشبه النخبوية باعتبارها هدفاً وجودياً من الدرجة الأولى!! - مفتاح 20/8/2007 - http://www.miftah.org |