فلسطينيون وأعوان للشيطان
بقلم: خالد منصور*
2007/9/4

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=7764


الفجوة في بلادنا تزداد اتساعا-- بين من لا يملكون ابسط الأشياء-- وبين من لا يعرفون كيف ينفقون ذلك الكم الهائل من الأموال التي يجمعونها صبحا ومساء.. بين الغالبية التي تزداد يوما بعد يوم من المقهورين والفقراء-- وبين القلة المترفة التي تنعم بكل الخيرات.. والمؤكد ان الفجوة تزداد اتساعا لان نظاما اقتصاديا غير عادل آخذ بالترسخ، حيث تتبلور وبشكل حثيث وواضح للعيان، طبقة من أصحاب الملايين المالكين للشركات الاستثمارية التي لها امتداداتها الإقليمية-- والتي تمتص وتشفط كل قرش من جيوب العمال والفلاحين والموظفين في الداخل، لتلقي بملايينها في حساباتها البنكية خارج الوطن.. طبقة من الوافدين بحجة الاستثمار-- تحالفت مع ما كنا نسميه جورا بالبرجوازية الوطنية التي لم تلعب عبر تاريخها دورا وطنيا واضحا، ولم تخدم في الغالب إلا مصالحها الأنانية الضيقة.. ومع عدد من الفاسدين الموجودين في أجهزة ودوائر الحكم، الذين نهبوا المال العام، واستغلوا نفوذهم ومواقعهم ليكوّشوا على كل شيء.. لتتشكل طبقة جديدة أخذت تحفر لنفسها مكانا على الخارطة السياسية تحت اسم القطاع الخاص، وهي تعمل في كل شيء-- ولا تحرم على نفسها أي شيء-- حتى ولو كان في ذلك مساس بالقضية الوطنية-- كمشاريع التطبيع والمشاريع الاقتصادية المشتركة مع الإسرائيليين-- عند الجدار وفي أماكن أخرى غيره.. طبقة حازت على التسهيلات الكافية من السلطة الفلسطينية لتحتكر ما كان يجب ان يكون قطاعا عاما.. ولتحصل على إعفاءات جمركية-- حرمت الميزانية العامة من مئات الملايين من الدولارات خلال أكثر من عشر سنوات خلت.. دون ان تسهم في تنمية حقيقية وبناء قاعدة اقتصادية تخفف من تبعية اقتصادنا الوطني للاقتصاد الإسرائيلي.. بل بالعكس تقوم بتسريب ملايينها بحرية وسلاسة إلى البنوك خارج البلاد..

ويكمن الخطر الأكبر في ذلك التزاوج البادي للعيان، بين هذه الطبقة وبين عدد من صناع القرار الرئيسيين في أعلى هرم السلطة الفلسطينية.. الأمر الذي يهدد مشروعنا الوطني التحرري بالتآكل والجمود.. فهذه الطبقة الناشئة وبما لديها من إمكانيات مالية ضخمة، ومن علاقات ومصالح مشتركة مع ما يسمى-- أمريكيا-- بمحور الاعتدال، ستكون القاعدة الأساسية للحلول الأمريكية والإسرائيلية القادمة، وهي التي ستمارس ضغطا مباشرا على القيادة السياسية الفلسطينية-- التي تبدو اليوم في اضعف حالاتها نتيجة ما أقدمت عليه حركة حماس في قطاع غزة من خطوات أضعفت من قدرتها على مواجهة الضغوط-- لتجعلها مرغمة على القبول بمشاريع الحلول الهزيلة التي تتهيأ الولايات المتحدة وإسرائيل لطرحها في اللقاء الدولي المزمع عقده في الخريف القادم.. وستعمل هذه الطبقة في نفس الوقت على تهيئة الظروف الداخلية لتمرير تلك الحلول خدمة لأطماعها الاقتصادية والسياسية، عن طريق وضع المواطن الفلسطيني المثقل بالهموم، والذي يعاني من شتى الضغوط الاقتصادية والأمنية، أمام خيارين: إما استمرار الوضع الحالي بما يعنيه ذلك من أزمات مستعصية-- وإما القبول بالحلول السياسية التي هي أدنى بكثير من طموحاته الوطنية التي ناضل وضحى من اجلها-- وذلك من خلال المزج بين تلك الحلول وبين مشاريعها الاقتصادية التي من المتوقع ان تثمر تحسين ملموس لظروف الحياة، وفتح لآفاق التنمية، والتخفيف من حدة البطالة ( بتشغيل آلاف العاطلين عن العمل في المناطق الصناعية المشتركة مع الإسرائيليين، التي ستقام عند بوابات الجدار ).

ان هذه الطبقة التي يصح تسميتها بأعوان الشيطان-- كونها تلعب دور المعين للشيطان المتمثل بإسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة-- تقوم اليوم بشحذ أنيابها لانشابها عميقا بلحم الرئيس أبو مازن-- كي تضعه في موقف الضعيف لتكون خياراته محدودة، ويجبر على القبول بما لم يقبل به الرئيس الراحل عرفات من قبله، وذلك أثناء مفاوضات كامب ديفيد الثانية.. وهي ( أي هذه الطبقة ) تستغل ضعفه الناجم عن حالة الانقسام التي أوجدتها حركة حماس، ليكمل كلاهما-- ومن منطلقات مصالحهما الذاتية المحضة-- الإجهاز على المشروع الوطني الفلسطيني التحرري.. يساعدهما في تحقيق ذلك الأداء السيئ للسلطة الوطنية-- التي لم تغادر لغاية الآن ذلك النهج الذي أدى إلى خسارتها الفادحة للانتخابات الأخيرة..

* مخيم الفارعة – نابلس – فلسطين - مفتاح 4/9/2007 -

http://www.miftah.org