الـمؤتمر الدولي: معركة سياسية أم موقف على الـماشي
بقلم: مهند عبد الحميد
2007/9/18

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=7862


تمخضت حكومة أولـمرت فولدت "إعلاناً عاماً"، قنبلة فجرها أولـمرت أمام حكومته العتيدة، عندما حدد الهدف الإسرائيلي من اجتماع الخريف الـمقبل "بإعلان عام مشترك"، وكان رئيس الدولة شمعون بيريس قد أعلن: "أن السلام مع الفلسطينيين ممكن إذا تخلّوا عن عودة ملايين اللاجئين إلى حدود دولة إسرائيل". الـمواقف الإسرائيلية الـمعلنة عادت بالعملية السياسية إلى الـمربع الأول، إلى ما قبل أوسلو، وكشفت مجدداً عن التهرب الإسرائيلي من الحل الـموعود.

موقف أولـمرت لـم يفاجئ أحداً، فقد كان سقف التوقعات منخفضاً إلى أدنى حد، ساعد على ذلك الخطاب الإسرائيلي الداخلي والخارجي الذي افتقد إلى نبض الحياة؛ فالـمشاريع الإسرائيلية الـمتداولة داخلياً، هي خليط من مشروع يغئال ألون، مروراً بالتقاسم الوظيفي، وانتهاء بالانفصال من طرف واحد، وهي تُجمع على قتل الدولة الفلسطينية، وعلى فرض ألوان من الوصاية والسيطرة على "الـمجموعات السكانية الفلسطينية" الـمنفصلة عن بعضها البعض، والتي لا يوحدها غير نظام الفصل العنصري الجديد. أكثر من أي وقت مضى، كل الظروف تعرقل الحل، أو تدفع إلى نوع من الحلول الـمتنافرة مع الحقوق الـمشروعة للشعب الفلسطيني، غير القابلة للحياة. فبعد تضعضع اليسار التقليدي واليمين التقليدي في إسرائيل وانزياحهما نحو الوسط (كاديما) على قاعدة مشروع الأبارتهايد (الانفصال من طرف واحد)، نشهد الآن تضعضع الوسط وانزياحه نحو اليمين على قاعدة وقف الانفصال وتجميد العمل به والتعامل مع احتلال مفتوح مقابل تحسين شروط حياة الفلسطينيين.

بكل الـمقاييس فإن دولة الاحتلال لا تملك حلاً، وغير مهيئة للحل السياسي الواقعي الذي يقبل به الشعب الفلسطيني، بل هي مهيأة لتبديد وتقويض الحل عبر مؤسستها الأمنية وإداراتها العنصرية، وهي تمارس هذه الهواية باقتدار وانسجام يومياً وفي كل لحظة. لـم يكن من باب الصدفة احتفاظ حكومة الاحتلال بالبؤر الاستيطانية "غير القانونية"، واستمرار بناء جدار الفصل العنصري، وعدم الاستجابة لطلب تقليصه، واستمرار الحواجز العسكرية الكثيفة، ونظام العقوبات الجماعية، والعدوان اليومي الـمقترن بالقتل، والاعتقال، والتدمير. إن أية حكومة تبحث عن حل وترغب في إنجاحه لا تتردد في وقف العدوان والتراجع عن سياسة صنع الوقائع على الأرض. الحكومة الإسرائيلية تفعل العكس، تصعّد من عدوانها وإجراءاتها وتدمر كل وهمٍ بالحل ينمو هنا وهناك فوراً وبلا هوادة.

الإدارة الأميركية تستطيع نظرياً تغيير الـموقف الإسرائيلي وفرض التعديل عليه، لكنها تتبع الـموقف الإسرائيلي ولا تمارس أي نوع من الضغط، بل تصد أي ضغط أو أي تلويح به ضد إسرائيل. القضية الـمركزية لدى إدارة بوش هي التورط في العراق وكيفية تجاوز آثاره السلبية إضافة للـملف النووي الإيراني وثيق الصلة بمستقبل العراق أيضاً. فمنذ الإعلان عن الاجتماع الدولي لحل القضية الفلسطينية لـم تقم الإدارة الأميركية بالحد الأدنى من التحضير أو الاهتمام، في الوقت الذي احتكرت فيه الإشراف والتحضير لاجتماع الخريف. دخلنا في فصل الخريف ولـم تحدد إدارة بوش الدول والجهات الـمدعوة والـمشاركة فضلاً عن أهداف الاجتماع ومرجعيته.

الـموقف الأميركي الـملتبس يعزز الاعتقاد بأن الإدارة الأميركية غير جادة، وأنها تحاول استخدام الـمؤتمر لبناء تحالف عربي ضد إيران وتخفيف مأزقها في العراق. هذا الهدف الأميركي للـمؤتمر يفسّر غياب التحضير والتباس الأهداف وغموضها، ويطلق يد الحكومة الإسرائيلية في وضع سقف للـمؤتمر وهو السقف الذي أعلنه أولـمرت مؤخراً.

للأسف، لـم يُخترق الـموقف الأميركي الإسرائيلي بصوت ومبادرة أطراف أوروبية أو بصوت روسيا والـمجموعة العربية التي جاءت فكرة الـمؤتمر في مواجهة مساعي هذه الأطراف لتفعيل مبادرات سياسية تخترق الاحتكار الأميركي الإسرائيلي. الـمؤتمر أسكت تلك الـمبادرات وحل مكانها وعندما يتحوّل الـمؤتمر إلى أقوال بلا أفعال، فمن الطبيعي أن تعترض تلك الأطراف على صورية الـمؤتمر قبل فوات الأوان. للأسف، لا يوجد تدخل من هذه الأطراف حتى بمستوى تحذير أو تهديد برفع الغطاء عن عملية الخداع التي من شأن استمرارها تأجيج الصراع وتعميق حالة الإحباط واليأس وتدعيم الأصوليات.

العامل الفلسطيني يشكل عنصراً محورياً، وخاصة إذا تحرر من ابتزاز الرافضين "الواقعيين" الذين يستندون لعدمية الـموقفين الإسرائيلي والأميركي لرفض الـمشاركة وعدم خوض الـمعركة السياسية. وإذا تحرر، أيضاً، من تهافت الـمعتدلين الذين يوافقون على ما تطرحه الإدارة الأميركية الـمتجاوز لسقف الشرعية الدولية وقراراتها. ثمة اهمية لخوض هذه الـمعركة السياسية على قاعدة الشرعية الدولية والقانون الدولي، ودون توفير أي غطاء للخداع الأميركي الإسرائيلي. الرفض الفلسطيني لإعلان مبادئ جديد كما حدده أولـمرت، والإصرار على تطبيق القرارات الدولية بشأن: الاستيطان والقدس والحدود واللاجئين والجدار؛ الهدف الفلسطيني هو الإقرار بالحل الذي يقبل به الشعب الفلسطيني أولاً وفي حالة الإخفاق يكون الهدف كسر الاحتكار الأميركي الإسرائيلي لحل القضية الفلسطينية وإعلان فشل التفاوض الثنائي وفشل الوساطة الأميركية، والسعي لإعادة القضية إلى الـمجتمع الدولي ومؤسساته، ورفض وضعية الاحتلال الـمفتوح للأرض الفلسطينية ومطالبة الأمم الـمتحدة بتطبيق قرار 242 في مدى زمني محدد بتاريخ. وإعادة الاستقطاب وبناء التحالفات على صعيد عربي ودولي بما يخدم هذا التحوّل. ما يضعف خوض هذه الـمعركة السياسية: الانقسام الذي جلبه انقلاب "حماس" العسكري، والعودة لاستخدام القضية الفلسطينية ورقة ضغط ومساومة بمعزل عن الـمصالح الوطنية الفلسطينية. هل تنحاز "حماس" للوطنية الفلسطينية في هذه الـمعركة السياسية الكبيرة؟ الـمقياس الأول هو التراجع عن الانقلاب وعقلية وثقافة الانقلاب وسياسة التخوين والتكفير، والانخراط في برنامج الخلاص من الاحتلال ضمن إستراتيجية وطنية على قاعدة الشرعية الدولية. وما يضعف خوض الـمعركة هو التردد والتراجع عن الإصلاح في مؤسسات وأجهزة السلطة والـمنظمة. ولا شك في أن الإصلاح وتقديم نموذج ديمقراطي حقيقي للسلطة، يعجّل من هزيمة الانقلاب ويفرض التراجع عليه. Mohanned_t@yahoo.com - الأيام 18/9/2007 -

http://www.miftah.org