حكومة اولمرت تلوي ذراع رايس
الموقع الأصلي:
بعد التشاؤم الذي خيم على الاجواء الفلسطينية عشية زيارة رايس الاخيرة، ظهر بعض التفاؤل الفلسطيني بعد اللقاء مع رايس. ولقد ظهر هذا التغير في التصريحات التي أدلى بها الرئيس وبعض مستشاريه، والتي اشارت الى ايجابية الزيارة والى وعود اميركية قد تحمل الخير. السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما سر هذا التفاؤل؟ هل يعود الى ان رايس قدمت الاجابات عن الاسئلة التي كررها ابو مازن أكثر من مرة، وتتعلق بموعد "المؤتمر الدولي" ومن سيشارك به، وما هو جدول أعماله وصلاحياته؟ المعلومات المتوفرة تشير الى أن موعد "المؤتمر" بات معروفاً، ورايس وعدت بدراسة مسألة مشاركة سورية ولبنان، وأكدت ان "المؤتمر" لن يكون فرصة لالتقاط الصور فقط وانما سيبحث في الجوهر وفي القضايا الاساسية، وانها ستسعى للتوصل الى تفاهمات على أكبر قدر من التفاصيل. إن الاجابات التي قدمتها رايس ليست كافية، ولكنها استطاعت ان تغير الموقف الفلسطيني من التلويح بعدم المشاركة بالمؤتمر الى الحماسة لعقده. فالطرف الفلسطيني يتعامل مع خيار واحد ووحيد. ورغم انني لم آخذ التهديد الفلسطيني بعدم المشاركة على محمل الجد، لانه لا ينسجم مع السياسة التي يعتمدها ابو مازن، ولكنه كان اشارة ومحاولة جيدة للتأثير على الاحداث، مع الإدراك بأن عدم المشاركة في المؤتمر مسألة تخطاها الزمن، لانها كانت ممكنة عند طرح الفكرة وليس بعد بذل كل هذه الجهود للتحضير "للمؤتمر". فالرفض الفلسطيني للمشاركة في "المؤتمر" له عواقب لا تقدر عليها القيادة الفلسطينية وانها تتجه الان لمحاولة تحصيل اقصى ما يمكن او تقليل الاضرار الى الحد الادنى. انا من جهتي ما زلت متشائماً من عقد "المؤتمر" واتمنى ان لا يعقد، والسبب انني أستبعد تماماً ان تكون المحادثات التي اجرتها رايس مع اولمرت قد حققت تقدماً ملموساً. فاولمرت والمسؤولون الاسرائيليون يعتقدون ان الوقت لم يحن للخوض في القضايا الشائكة خصوصاً قضيتي القدس واللاجئين، لان وضع اولمرت داخل اسرائيل لا يسمح بتقديم ما يعتبره الاسرائيليون تنازلات في قضايا سبق ان رسموا لها خطوطاً حمراً ان اقدام اولمرت على تجاوزها أو على خطوة جريئة قد تسقطه من الحكم. ويعتمد اولمرت وحكومته لترويج موقفهم على ان الرئيس الفلسطيني ليس قادراً على تنفيذ اي اتفاق في ظل الانقسام الداخلي. تأسيساً على ذلك، فان اقصى ما يمكن ان تقدمه وتقبل به الحكومة الاسرائيلية هو صوغ مبادئ عامة تشير اساساً الى مسألة الحدود والاراضي، على أن يغلب الغموض على نص الوثيقة من دون الخوض في التفاصيل. باراك يعارض تحديد الحدود المستقبلية ويطالب بصياغة عامة لهذا البند ايضاً! لذلك، حاول اولمرت واركان حكومته ليّ ذراع رايس وانزالها هي وابو مازن عن الشجرة العالية التي تسلقاها في الاشهر الاخيرة، من خلال قوله لرايس انه لن يتمادى في "تنازلاته" حتى لا يفقد كرسيه، ولان ابو مازن غير قادر في المستقبل المنظور على السيطرة على الضفة، ما يحتم بقاء الجيش الاسرائيلي هناك لضمان امن الاسرائيليين. ولا يقف اولمرت امام عدم قدرة ابو مازن والتي تعود اساساً الى الاحتلال وعدوانه الذي اضعف السلطة وجعلها تقف على حافة الانهيار. وحتى تكتمل الصورة، علينا ان نلاحظ ان اولمرت يتعرض لضغوط اسرائيلية من داخل حزبه كاديما (ليفني وديختر وموفاز) ومن داخل الحكومة باراك وحزبه وحزبي اسرائيل بيتنا وشاس، ومن خارج الحكومة الليكود والاحزاب اليمينية والدينية المتطرفة، بحيث ستجد الادارة الاميركية، ما دامت لا تملك الارادة للضغط على اسرائيل، نفسها مشلولة ورهينة كالعادة للوضع الاسرائيلي الداخلي. والنتيجة المتوقعة ان رايس ستقول لابو مازن: ان اولمرت افضل الموجود في اسرائيل، وانه اذا رحل سيحل محله من هو أسوأ منه: إما نتنياهو او باراك، والاثنان جربا سابقاً واصبحا الان صاحبي مواقف متطرفة اكثر من السابق. ولعل هذا الوضع بالضبط هو الذي شجع اوساطاً فلسطينية للدعوة في الكواليس للمشاركة في "مؤتمر الخريف" مهما كانت نتائجه. وحجة هؤلاء إذا حصل الفلسطينيون على اتفاق على استئناف المفاوضات وإحياء عملية السلام الميتة منذ سنوات، فهذا يكفي وأفضل من لا شيء. وهناك فكرة يتم تداولها للتخفيف من عواقب فشل "المؤتمر" هي اعتبار أن عقده مرحلة أولى تتبعها مراحل أخرى بعقد مؤتمرات أخرى بعد 4 أو 6 أشهر لضمان استمرار قوة الدفع والزخم الذي تحقق بالأشهر القليلة الماضية. نسي هؤلاء أن الجهود المبذولة لإنجاح مؤتمر الخريف تجري وسط واقع تواصل فيه إسرائيل العدوان العسكري بكل أشكاله، وتكثف الاستيطان واستكمال بناء الجدار وفصل القدس، وتقطيع أوصال الضفة، وإعلان غزة كياناً معادياً لإسرائيل، الأمر الذي من شأنه أن يعمق الانقسام الفلسطيني. وهذا كله يجعل المشاركة في مؤتمر دون ضمان نتائجه أمراً ضاراً كونه يوفر الغطاء الفلسطيني والعربي والدولي لما تقوم به إسرائيل من خلق حقائق على الأرض. لذا يجب أن يكون هناك شرط فلسطيني لا يتم التنازل عنه هو: ضرورة وقف العدوان والاستيطان والجدار كمقدمة لاستئناف المفاوضات. فمقابل وقف المقاومة يجب أن توقف إسرائيل العدوان والاستيطان والجدار. ومن دون تحقق هذا الشرط نبقى في حلقة مفرغة من المفاوضات التي تدور حول نفسها، وحول شروط المفاوضات بلا نهاية. بعد كل ما سبق، ما هي الاحتمالات أمام عقد المؤتمر؟. أولاً : أن لا يعقد المؤتمر بسبب عدم التوصل إلى اتفاق فلسطيني - إسرائيلي قبل عقده، وهذا أمر ستكون له عواقب سلبية ولكن يمكن السيطرة عليها. وهذا أفضل احتمال. ثانياً: أن يعقد المؤتمر وينتهي بالاتفاق على إعلان مبادئ عام وفضفاض يكرر ما جاء في اتفاق أوسلو بصياغة جديدة، ويفتح الطريق أمام وهم جديد يوحي بالسلام من دون سلام. وهذا أسوأ احتمال. ثالثاً: أن يعقد المؤتمر وينتهي إلى الفشل من خلال عدم التوصل إلى اتفاق حول أي شيء، وهذا مستبعد، لأن إدارة بوش لن توجه الدعوات إلا بعد التوصل أو قرب التوصل إلى اتفاق. فمن سخرية القدر أن المؤتمر لا يملك صلاحية المشاركة في التفاوض أو التدخل وإنما دوره ينحصر فقط في المصادقة على ما يتفق عليه. وهذا منزلق خطر يجب عدم الوقوع فيه، لأنه يعزل الفلسطينيين عن العرب والمجتمع الدولي، ويفقدهم المرجعية وهي سلاح القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية. رابعاً: أن يتحول "المؤتمر" كما طالبت تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية للبحث في قضايا اقتصادية وأمنية وملامح ومؤسسات الدولة الفلسطينية وهيكلة أجهزتها الأمنية، وسبل التنسيق بينها وبين نظيرتها الإسرائيلية، لأن هناك بوناً شاسعاً في المواقف الفلسطينية والإسرائيلية وفجوة كبيرة بين رغبة أبو مازن وقدرته الفعلية على الأرض. لسنا بحاجة إلى أوهام جديدة، وإلى تجربة المجرب، بل نحن بأمسّ الحاجة إلى بلورة استراتيجية وطنية جديدة تأخذ الدروس والعبر من التجارب السابقة، وتستطيع توحيد الفلسطينيين على برنامج وطني وواقعي وقادر على الإقلاع محلياً وعربياً وإسلامياً ودولياً، والبداية تكمن في إدراك عدم وجود حل وطني على الأبواب أو على المدى المنظور، بل يجب وضع كل الجهود والطاقات الفلسطينية للحفاظ على الذات والوجود البشري على أرض فلسطين، وتوفير مقومات الصمود في وجه الاحتلال وجعله يدفع أكثر مما يأخذ، وتقليل الأضرار والخسائر إلى أبعد قدر ممكن، تمهيداً لظروف أخرى ومرحلة أخرى ستأتي عاجلاً أم آجلاً؟
http://www.miftah.org |