أمريكا و"الكيان المعادي" !
الموقع الأصلي:
أن تعلن دولة الاحتلال الصهيونية عن اعتبار قطاع غزة "كيانا معاديا" فهو ليس فيه جديدا، وإن كان هذا الإعلان يحمل الكثير من مما نستطيع مناقشته.. المثير في إعلان دولة الاحتلال باعتبار قطاع غزة "كيان معادي" ما أتت عليه رايس في إعلانها بأن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر هي الأخرى قطاع غزة كيانا معاديا.. تصريحات رايس جاءت لدى زيارتها "التفقدية" إلى المنطقة لتسويق ما تطلق عليه إدارة بوش بـ" المؤتمر الدولي"، الذي تبين أنه ليس أكثر من همروجة إعلامية تريد أمريكا بيعها لدول المنطقة في سياق تثبيت رؤيتها الإستراتيجية ... لاشك أن موقف رايس من قطاع غزة وتأييدها الأعمى لكل ممارسات دولة الاحتلال هو موقف تقليدي ، وإن كانت درجة الغباء فيه تفوق المتخيل . فالمفارقة التي يمكن التوقف عندها هي تلك التي تدعونا إلى التساؤل عن جيش المستشارين والخبراء الذين تعتمد عليهم الإدارة الأمريكية لصياغة مواقفها من القضايا العربية وتحديدا القضية الفلسطينية، فعلى مدى سنوات طويلة لم يخرج الخطاب السياسي الأمريكي عن الصياغة التقليدية لتأييد إسرائيل في كل ممارساتها، بما فيها ممارسة إرهاب الدولة والقتل للمدنيين وخرق القانون الدولي في تطويع واضح لممارسات إحتلالية مرفوضة في الصياغات القانونية التي يعترف بها المجتمع الدولي، الذي تحول للأسف الشديد إلى حديقة خلفية لإدارة بوش وممارسات إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وبحق الأراضي العربية المحتلة. هؤلاء المستشارون\ وهم في أغلبهم من اليمين المحافظ والمسيحية الصهيونية\ لا يرون مشكلة في طرح سؤال تسويقي وترهيبي للمجتمع الأمريكي المرفوع منذ استلام بوش مقاليد السلطة: " لماذا يكرهوننا؟"! بكل تأكيد أضحى ذلك السؤال التقليدي الأرضية الصلبة للإبقاء على حالة التشويش والتلاعب اللتين تمارسهما سياسة واشنطن مع القضايا العربية... وفي مقابل السؤال التقليدي لايبدو جليا أن المثقف والمحلل العربي الجاد، بشقيه السلطوي والمعارض، يقوم بطرح سؤال تسطيحي ( وإن طُرح فإنه لا يشكل البتة أرضية لصناعة سياسة ) على النحو الذي يطرحه مثقفون وأكاديميون أمريكان ممن يؤسسون لسياسة واشنطن والتحدث إلى العالم العربي من على شاشاتنا... لنأخذ حالتين للدلالة على صياغة عمياء وحمقاء لسياسة بوش في المنطقة وكل ما يتعلق بالمواقف التقليدية مع كل الانتهاكات الإسرائيلية: الحالة الأولى هي الحالة السورية التي قامت فيها إسرائيل بعمل عدواني باختراق المجال الجوي السوري.. ففي هذه الحالة لم تأخذ الولايات المتحدة موقفا لا محايدا ولا منسجما مع القانون والأعراف الدولية، بل ذهبت إلى حد التفوق على الموقف الصهيوني التقليدي المبرر والمشرع للممارسات الخارجة عن القانون... فقبل أن يعترف الإسرائيلي بما قام به ضد سوريا انبرت الأقلام والسياسات الأمريكية الإعلامية منها والدبلوماسية في تقديم روايات تشير إلى المهمة الوظيفية في علاقة أمريكا بإسرائيل والى طريقة عدوانية متأصلة في الخطاب والممارسة المؤدلجة للإدارة الأمريكية والتي لم تتوقف مرة واحدة عن ممارسة ازدواجية معايير مفضوحة بمواقفها من القضايا العربية. هذا الموقف النموذجي للسياسة الأمريكية لم يتوقف يوما عن قراءته المعوجة والمختلة للتصرفات الإسرائيلية والتي خلقت وتخلق موقفا عربيا شعبيا وحزبيا وأكاديميا لايرى توازنا في تلك القراءات الأمريكية. إن البحث عن مواقف أمريكية متوازنة في كثير من القضايا المتعلقة بالجانب العربي دائما ما تكون نتيجته مساواة الضحية بالمعتدي... تلك المساواة هي التي تخلق جوا وشعورا بأن التعويل على مواقف أمريكية محايدة يعتبر مهمة شاقة حتى لو وظفت أمريكا كل وسائلها لـ"كسب العقول والقلوب" بما فيها وسائل إعلامية عربية وناطقين يجيدون لعبة التلاعب بالجمل وبالتالي يكون الناتج دوما حالة من الاستعلاء والاستغباء الواضحتين مع العقل العربي المتلقي للخطاب والمواقف الأمريكية. الحالة الثانية هي تلك المتعلقة بما ذهبنا إليه في البداية والتي أعلنت من خلالها دولة الاحتلال "كيانا معاديا"، وبعيدا عن نقاش ما تعنيه هذه الخطوة من محاولات إسرائيلية لتعميق المأزق الفلسطيني وتثبيت التقسيم بين الضفة وغزة وفشلها في تقديم الضفة كـ"نموذج" لما يجب أن تكون عليه الحالة والعلاقة بالجانب الإسرائيلي وسخافة العرض الدعائي في الطريق إلى مؤتمر نوفمبر، فإننا نشهد حالة من النفاق الأمريكي المنقطع النظير.. فما يحمله الإعلان الإسرائيلي عن ذلك "الكيان المعادي" من خرق للقانون الدولي والاستمرار في عقاب جماعي لأكثر من مليون ونصف إنسان يعيشون بالأصل في سجن كبير قابلته كونداليزا رايس وبكل صفاقة واستخفاف بموقف عجيب غريب... فهي تعلن من القدس المحتلة رغم الاحتجاجات الدولية والعربية بأن الولايات المتحدة "تعتبر أيضا غزة كيانا معاديا"... للوهلة الأولى يبدو من التصريح وكأن الولايات المتحدة صاحبة حدود جغرافية مع غزة أكثر من دولة الاحتلال... هذا دليل آخر على مدى الغباء الذي يحكم حتى التصريحات التي لا تقيم وزنا للطرف العربي ولا للمنظمات الإنسانية المحذرة من خطوات تصعيديه ضد قطاع غزة.. مثل هذا الموقف الأمريكي لا جديد للشعب فيه، الشيء الوحيد الذي يمكن تسميته جديدا هي هذه الجهود لجر الأطراف العربية إلى مؤتمر تنازلي للطرف الإسرائيلي.. بمعنى آخر تترافق هذه المواقف مع تبجح واضح عن وساطة أمريكية بين الأطراف العربية وإسرائيل في الطريق نحو إقامة دولة فلسطينية... فكيف يتساوى هذا مع ذاك؟ المصداقية الأمريكية في الأصل وصلت درجة الصفر عند العرب جميعا فما بالك بالشعب الفلسطيني الذي يعاني تاريخيا من الفيتو الامريكي الأعمى وشل القرارات الأممية المتعلقة بحقوقه... ليس غريبا إذا أن يقرأ الشعب الفلسطيني هذا الموقف الأمريكي المؤيد تماما للخطوات القمعية للاحتلال كمحاولة لترويضه وتدجينه ليقبل بما يُطرح عليه من حلول تقايضها إسرائيل بالكهرباء والطعام وربما بالهواء! وبغباء يواصل السياسي الأمريكي سؤاله الأبله "لماذا يكرهوننا"؟ عملية خلق الكراهية تُعتبر أمريكا سيدتها.. فلا يمكن البحث النظري والمعلي لخلفية تلك الكراهية التي أطلقها "اليمين المتطرف" في الإدارة الأمريكية دون البحث عن سياسات هذه الإدارة في علاقتها بالعالم العربي وقضاياه العادلة التي تتحول وبجرة قلم من أحد ما يسمونه في واشنطن "خبيرا" إلى قضية "تطرف" تشكل الأساس في تكون هذه النظرة الباقية والمتوجسة من كل السياسات الأمريكية مهما ارتدت من قفازات ناعمة!
http://www.miftah.org |