من حكايا الظلم في بلادنا: *تاريخك النضالي لا يشفع لك*
بقلم: خالد منصور
2007/9/29

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=7970


صديقي الفتحاوي له مظلمة.. وجاء من اخر الدنيا الى رام الله ليجد حلا لها.. قطع القفار والبحار كي لا تضيع عليه سنوات خدمته، التي امتدت لاكثر من اربعين عاما امضاها مقاتلا وسياسيا.. و دبلوماسي.. جاء هارعا دارعا لانه علم ان تقاعده الذي سيحل قريبا، سيكون عن منصب موظف في اسفل السلم الوظيفي، وبين هذا وذاك فرق كبير في الراتب والمكانة، وصل صديقي المناضل الذي اخلص للوطن ولفتح اكثر مما اخلص لعائلته، ودفع ثمنا لم يدفعه أي من رؤسائه الحاليين في العمل، وصل الى ارض الوطن ومر عبر كل الحدود واجتاز كل الحواجز.. وذهب فورا الى وزارته في رام الله، وهناك قابل المسئولين وهو يحمل في داخله افكارا وخيالات عن موظفين مناضلين-- وصلوا الى مناصبهم بعد ان زكتهم سنوات النضال وشهادات العلم والخبرة-- وكانت مفاجاته الاولى ان مناضلي الامس قد تغيرت حتى اشكالهم ونبرات اصواتهم، وما عادوا ودودين حتى مع زملائهم في النضال الذين يعرفونهم، وتميعت اخلاقهم وصاروا ممسوحي الذاكرة، وبلا لون ولا طعم وطني، وقد لاحظ ان هناك اخرين جدد قد تولوا مناصب رفيعة، دون أي انتماء حقيقي للوطن وللقضية، دخل صديقي الى مكتب مسئول كبير يصنع القرارات، وبيده كل السلطات والصلاحيات، سلم صديقي على ذلك المسئول، وتحدث معه بروح الاخوة النضالية، وكان مفعما بالامل ان يسمعه ذلك المسئول بجدية، ويشاركه الحديث ويتجاوب معه، ظانا ان ذلك المسئول يطرب لسماع حكايا الماضي التليد.. وبعد ان انهى صديقي مقدمة حديثه، التي حاول ان يستعرض بها تاريخه النضالي الحافل بالانجازات، ابتسم ذلك المسئول البارد الاعصاب والحواس، وقال له بنبرة ساخرة: ( انصحك ان لا تعيد الحديث امام اخرين عن تاريخك النضالي )، فابتسم صديقي وسال المسئول بسخرية: لماذا تطلب مني ذلك..؟ وهل ما قلته الان جريمة..؟ فاجاب المسئول: ان حديثك عن تارخك وسجلك النضالي قد يحسب الان عليك وليس اليك..!! الى هنا كانت مقدمة اللقاء مع ذلك المسئول، وعند الدخول في بحث مظلمة صديقي، كان جواب المسئول: ان وزارته مجبرة على اتخاذ قرارات صعبة، قد يتضرر منها الكثير من العاملين، لكن-- وكما قال-- ان وزارته مجبرة على فعل ذلك لضبط الاوضاع، ومكافحة الترهل والتسيب، ولذلك-- ووجه كلامه لصديقي-- ليس امامك الا ان تقبل ما وصلك من قرارات مهما كانت، والا اعتبرت متمردا على اللوائح والنظم، وتدفع ثمن ذلك اضعافا مضاعفة، انفجر صديقي وهو الذي لم يتعود الصمت والسكوت على الظلم قائلا للمسئول: والله انكم تدفعون بي وبامثالي من الذين دفعوا ضريبة الدم دفاعا عن الوطن والقضية الى الكفر بكم، وبحكومتكم وبكل القيادات.. وصرخ هل هذا جزاء كل من ناضل..؟؟ انني الان نادم على كل فعل نضالي قمت به وساهم في وصولكم الى مواقع صنع القرار، واسهم في بناء سلطتكم.. خرج صديقي بعد ان افرغ شيئا بسيطا من غضبه في وجه ذلك المسئول-- الانيق جدا والمدعي المتحذلق كثير الكلام-- خرج صديقي وعاد الى حيث كان، عاد وفي قلبه غصة والما وحسرة، ونطق بالشهادتين وقال وهو يستعد للرحيل: العوض على الله من هالحكومة، ومن هالمسئولين، واعان الله شعبنا عليهم في الايام لقادمة.

هذه قصة حقيقية شخوصها واطرافها معروفين، قصة حصلت مع مناضل وطني مخلص، ينتمي الى الفصيل الاكبر والممسك بتلابيب الحكم في الضفة الغربية.. سالت نفسي بعد ان سمعت من صديقي قصته المؤلمة جدا-- مالذي يجري في بلادنا..؟؟ والى اين تسير الامور..؟؟ ومالذي يحدث لفتح..؟؟ ومن الذي يخطط لاضعافها ومن ثما تفكيكها او تحويلها كليا عن مسارها الوطني..؟؟ والى اين سنصل..؟؟ وما حال عامة الشعب الذين لا ظهر لهم، في ظل حكومات ستاتي قريبا وتتربع على كراسي الحكم، ولا تقيم وزنا للتاريخ الوطني، وتخلو من اي احساس بهموم الشعب، وبالام وامال الفقراء والكادحين. - مفتاح 29/9/2007 -

http://www.miftah.org