"أوسلو 2" والاجماع الفلسطيني
بقلم: د. محمد السعيد إدريس
2007/10/6

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=7998


استطاع “اتفاق أوسلو 1” عام 1993 أن يقلب المعادلة الوطنية الفلسطينية رأساً على عقب، وما زال استنزاف القضية الفلسطينية مستمراً وما زالت الأثمان تدفع حتى اليوم. لم يكن هذا الاتفاق “اللعين” من نصيب الشعب الفلسطيني ولكنه فرض عليه لأسباب كثيرة من أهمها غياب الإجماع الفلسطيني، وغياب الموقف القوي الموحد لكل فصائل المقاومة القادرة على وقف الانهيارات وضبط الأداء، لكن ذلك الواقع الفلسطيني المرير الذي سمح بتمرير “اتفاق أوسلو 1” في ذلك الوقت، وكذلك الواقع العربي لا يمكن مقارنتها بالواقع الراهن فلسطينياً وعربياً، ولم يصل الانقسام الفلسطيني الى ما وصل اليه الآن في ظل ثنائية “فتح حماس”، ولم تصل هشاشة الوزن العربي في القرار الخاص بالقضية الفلسطينية إلى ما وصلت إليه الآن، بما ينبئ بأن مؤشرات “أوسلو 2” أخذت تلوح في الأفق على هدى من لقاءات “أبو مازن أولمرت” و”أبومازن بوش”، واقتراب ما يسمى ب “اجتماع واشنطن للسلام” يؤكد أنه إذا أسفر هذا الاجتماع أو توابعه غير المنظورة حتى الآن عن توقيع اتفاق فلسطيني “إسرائيلي” آخر على غرار اتفاق أوسلو السابق، يكون بمثابة “أوسلو 2” فإن المحصلة هي تصفية شبه نهائية للقضية الفلسطينية.

مؤشرات فشل اجتماع واشنطن أخذت تلوح في الأفق في ظل محاولات كوندوليزا رايس، لإيجاد مبررات مسبقة لعدم وجود نية أمريكية في فرض اتفاق سلام حقيقي على “إسرائيل” بسبب وجود انقسامات داخلية وصراعات سياسية داخلية أيضاً في الكيان الصهيوني حول نية تقديم “تنازلات” للفلسطينيين، وفي ظل تعمد الرئيس الأمريكي جورج بوش تجاهل الاشارة الى هذا الاجتماع في لقائه مع الرئيس الفلسطيني يوم 25 سبتمبر/ أيلول الماضي واكتفائه فقط بالحديث عن “رؤية” الدولتين، وأنه يدرك “صدق” كل من الرئيس الفلسطيني ورئيس الحكومة “الاسرائيلية” في التوصل الى تعايش سلمي بين دولتين فلسطينية و”إسرائيلية”، وانه سيعمل بقوة من أجل المساعدة على تحقيق هذه الرؤية، فالواضح ان اجتماع واشنطن المقبل يكاد أن يكون بمثابة مؤتمر “مدريد 2” الذي عقد عام ،1991 أي مجرد اجتماع “واجهة” للتغطية على محادثات سوف تحدث في الخفاء بين مهندس “أوسلو 1” الفلسطيني، أي أبومازن، ورئيس الحكومة “الإسرائيلية” إيهود أولمرت للوصول الى اتفاق سلام ثنائي يكون بمثابة اتفاق “أوسلو 2”.

هذا الاحتمال يمكن ان يتحول من مجرد “كابوس” محتمل الى واقع أليم إذا لم يفرض متغير جديد نفسه، هذا المتغير يجب أن يكون فلسطينياً أولاً بدرجة تصل الى مائة في المائة، وأن يكون عربياً ثانياً ليس فقط على مستوى نظم الحكم العربية، ولكن يجب أن يمتد الى مستوى المنظمات الشعبية العربية لخلق قوة ممانعة حقيقية لأي فرصة لتمرير مثل هذا الاتفاق.

البداية يجب أن تكون فلسطينية بل ومن عمق وجدان وعقل الشعب الفلسطيني وقضيته بوضع نهاية سريعة لثنائية “فتح حماس” التي تكاد تعصف بالقضية الفلسطينية. يجب أن تتقدم أطراف أخرى تفرض نفسها بقوة لتؤكد أن الشعب الفلسطيني واحد لن ينقسم أبداً إلى “فتح” و”حماس” وأن القرار الوطني لن يجمد بحدود “فتح” و”حماس” بل يجب أن تتقدم “قاطرة” إجماع فلسطيني حقيقية من الداخل الفلسطيني والشتات لعقد مؤتمر وطني فلسطيني يعيد طرح برنامج وطني فلسطيني جديد، ينهي ثنائية الانقسام الحالية ويعيد صياغة المشروع الوطني بما يمثل جداراً حائلاً أمام الرئيس الفلسطيني وحكومته “المفروضة” يحول دون فرض “أوسلو 2”، كما فرض “أوسلو 1”.

هذا المؤتمر الوطني الفلسطيني في حالة نجاحه يمكن أن يكون بمثابة “شرعية بديلة” لازدواجية الشرعية المنقسمة بين فتح وحكومتها وحماس وحكومتها والتمزيق الراهن للمجلس التشريعي، وان تضع نهاية للمحاولات الأمريكية و”الإسرائيلية” ومعها مفوض اللجنة الرباعية الدولية توني بلير الرامية إلى عزل “حماس” عن اجتماع واشنطن المقبل بحجة “عدم اعترافها ب”إسرائيل” ومن ثم بحل الدولتين المقترح.

هذا الاجتماع يمكن أن يبدأ بالاعتراف بحل الدولتين ولكن يجب أن يحدد ماذا يعني بالدولتين، وبالتحديد مسألة الحدود، وذلك بالتحول من الفكرة الخاطئة التي تروج لحدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967 إلى الفكرة الصائبة وهي الحدود الواردة في قرار مجلس الأمن لعام ،1948 إذا كان المطلوب هو ما تحدث عنه الرئيس الأمريكي أي إقامة دولتين فلسطينية و”إسرائيلية”، قادرتين على “التعايش السلمي”. فالتعايش السلمي لا يقوم على اغتصاب الحقوق أو على فرض شرعية القوة على حساب “شرعية الحقوق”، وبعدها يكون التمسك بالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية، وفقاً لحدود قرار التقسيم، ويكون التمسك بحق عودة كل اللاجئين والنازحين، وتصفية كل “المستعمرات” الصهيونية في أرض الدولة الفلسطينية. - الخليج 6/10/2007 -

http://www.miftah.org