هل تدوّل قضية فلسطين؟
بقلم: سعد محيو
2007/10/10

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=8020


هل يقرر لقاء الرئيس بوش للسلام في الخريف المقبل، تبني فكرة إرسال قوات دولية إلى الأراضي الفلسطينية، وحتى، ربما احتمال فرض وصاية أو انتداب دولي في هذه الأراضي؟

الباحث الأمريكي روبرت مالي يذهب إلى حد القول إن “المسألة لم تعد تتمحور حول ما إذا كان النزاع الفلسطيني سيدوّل أم لا، بل متى”. والرئيس الأمريكي السابق كلينتون أعرب عن اعتقاده بأنه باتت ثمة حاجة إلى تدخل عسكري أوروبي روسي أمريكي، “إن لم يكن لغرض حل، فعلى الأقل لدفعه إلى الأمام. اعتقد أن على الولايات المتحدة أن تقدم على هذه الخطوة”.

وحتى رئيس الاركان “الإسرائيلي” يشمّ رائحة طبخة ما في المحافل العالمية، فيعمد إلى تحذير “الإسرائيليين” من “خطر التدويل الزاحف”.

بيد أن هذه لا تزال مجرد أحاديث. وحتى اللقاء الدولي حول الشرق الاوسط الذي قالت الولايات المتحدة إنها تنوي عقده هذا الخريف، دخل رئيس الوزراء “الإسرائيلي” أولمرت على خطه بتصفيق من الرئيس بوش، معتبراً أنه مشروعه الخاص.

وهذا ما أثار الشكوك العميقة في أن مشروع بوش لم يكن مجرد حملة علاقات عامة، أو ذراً للرماد في عيون الرأي العام العالمي، بل هو، على ما يبدو، جزء من استراتيجية يحمل لواءها الآن تحالف اليمين الجمهوري الأصولي المسيحي الأمريكي، واليمين الاصولي اليهودي.

وتدعو هذه الاستراتيجية إلى مشاركة الأوروبيين والدول العربية المعتدلة في اللقاء، مع استبعاد سوريا منه، ثم العمل على تحويل هذا اللقاء إلى مناسبة لتوجيه مسدس الضغط الدولي بعيداً عن صدر “إسرائيل” ومباشرة نحو رأس الدول العربية المعتدلة.

والهدف؟ ليس حتماً السلام وإغلاق ملف النزاع الفلسطيني “الإسرائيلي” بل تحييد هذا النزاع فقط، وانتزاعه من شاشة الرادار الأمريكية التي لا يوجد فيها الآن سوى هدف وحيد: العراق وإيران. وفي الوقت ذاته السماح لأولمرت بمواصلة تنفيذ خطته الهادفة إلى تقسيم الضفة إلى “قطع جبنة” أمنية، ونسف الاقتصاد الفلسطيني في غزة بهدف دفع الشبان الفلسطينيين في غزة إلى الهجرة طلباً للعمل.

وبالطبع، لن يكون ثمة طرف عربي واحد، أو حتى أوروبي، يقبل بمثل هذه الشروط.

إذ حتى لو عقد اللقاء الدولي، فلن يكون أولمرت أو خلفاؤه على استعداد لقبول اكثر من دولة فلسطينية معزولة السلاح على 10 في المائة من أرض فلسطين التاريخية. دولة مجوّفة من الداخل كقطعة جبنة سويسرية بالمستوطنات اليهودية، ومحاصرة من الخارج بالمدرعات والطائرات والسفن الحربية “الإسرائيلية”. هذا من دون الإشارة إلى الابتلاع “الإسرائيلي” الكامل للقدس.

وأي مسؤول فلسطيني أو عربي يوقع على هذا المشروع أو على أي نسخ شبيه به، عليه أولاً التوقيع على وصية مسهبة يشرح فيها أسباب قيامه بهذا الانتحار المحتم.

بيد أن المخاطر هنا لا تقتصر على مسألة اللقاء الدولي، بل تطال أيضاً معظم الصيغ المطروحة لفكرة القوات الدولية التي يمكن أن ترسل إلى الضفة وغزة.

فعلى الرغم من أن القادة الفلسطينيين والعرب يطالبون الآن بهذه القوات، كوسيلة لتدويل النزاع ومنع “إسرائيل” بالتالي من الاستفراد بالشعب الفلسطيني، إلا ان في الجعبة الغربية أهدافاً أخرى قد لا تسعد كثيراً هؤلاء القادة.

لنأخذ هنا، على سبيل المثال مقاربة فريديريك بونارت، مدير الدورية العسكرية الأطلسية “ناتوز ناشنز” لهذه المسألة. فهو يعتبر أن الشرط المسبق الضروري لحل المشكلة الفلسطينية، هو وقف العداوات أولاً بواسطة قوات دولية تتشكل من دول أطلسية لا من الحلف الأطلسي نفسه (لأن صلاحيات الحلف لا تشمل الشرق الاوسط).

لكنه يلاحظ أنه حتى لو تم وقف العداوات، “فإن التوصل إلى معاهدة سلام نهائية، أو حتى مؤقتة، قد يستغرق وقتاً طويلاً. وحينها سيكون على القوات الدولية أن تبقى في المنطقة حتى فترة طويلة من الزمن”.

وهذا يعني، بكلمات اخرى، أنه فيما تقوم القوات الدولية بحماية الفلسطينيين من “الإسرائيليين”، ستعمل في الوقت ذاته على حماية الاحتلال “الإسرائيلي” من الفلسطينيين، أو (وهنا الأسوأ) على رسم حدود تقسيمات جديدة دائمة في الضفة وغزة.

تدويل فلسطين لا يزال حبراً على ورق. لكن الورق قد يتحول إلى خطط والحبر إلى بنود، إذا ما شعرت تل أبيب بأن هذا التدويل سيؤدي إلى “نهاية تاريخية” للقضية الفلسطينية، خاصة مع استمرار وجود دولتين فلسطينيتين في غزة والضفة، ودولة يهودية واحدة تسيطر على الأولى بقوة النار، وعلى الثانية بنار الاقتصاد. - الخليج 10/10/2007 -

http://www.miftah.org