هل عدنا إلى حكاية إبريق الزيت؟
بقلم: عوني صادق
2007/10/29

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=8101


المواجهات التي وقعت بين حركتي (حماس) و(الجهاد الإسلامي) بداية الأسبوع الماضي، ثم توقيع الاتفاقات التي تم التوصل إليها ثم خرقها الواحد تلو الآخر، أعادت غزة وأهلها وأعادتنا إلى حكاية إبريق الزيت (أو إبريق الدم) التي كانت حركتا (حماس) و(فتح) بطليها في الأشهر الأخيرة الماضية، هذه الحكاية ملّها الفلسطينيون وأحبطتهم وأساءت إلى صورتهم في كل محفل ومناسبة، وأدت إلى انقسامهم الحالي غير المقبول والذي يكاد يجعلهم- إن استمر- يكفرون بما آمنوا به وضحوا من أجله طيلة العقود الماضية.

المواجهات بين (حماس) و(الجهاد الإسلامي) تحير المواطن الفلسطيني أكثر مما حيرته المواجهات السابقة بين حركتي (حماس) و(فتح)، والأسباب معروفة. فالمواجهات بين (حماس) و(فتح) كانت أسبابها تتلخص في الصراع على السلطة بين طرفين، اتضح في نهاية الأمر أن لكل منهما رغبة في الاستئثار بهذه السلطة على خلفية برنامج سياسي مختلف. أما المواجهات الحالية بين (حماس) و(الجهاد الإسلامي) فلا يمكن أن توضع لها الأسباب نفسها، لأن لحركة (الجهاد الإسلامي) رأياً في طبيعة هذه السلطة القائمة، وموقفها معلن وواضح تكرره دائماً، وهي ترى أن كل ما يتم في ظل الاحتلال وتحت سقف (اتفاقية أوسلو) باطل لا يستحق التعاطي معه سياسياً. وهي اختلفت عن (حماس) لأنها لم تشارك في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ولم تقبل أن تشارك في (حكومة الوحدة الوطنية)، ودائماً كانت تقول إنه ما دام الاحتلال للأراضي الفلسطينية مستمراً فإن المقاومة هي النشاط الوحيد المشروع والمطلوب ممارسته، وهو شكل التعاطي الوحيد الصحيح مع الاحتلال وقواته.

في ضوء هذه الحقيقة التي يعرفها الفلسطينيون جميعاً، فإنه ليس من شيء يمكن أن يسيء لحركة (حماس) وموقفها وصورتها في أعين الفلسطينيين أكثر من اصطدامها مع حركة (الجهاد الإسلامي). لقد كان في استطاعة (حماس) أن تقول ما تشاء كأسباب لصداماتها مع (فتح)، وكانت بالتأكيد تجد قطاعاً واسعاً من الفلسطينيين يصدقونها ويقفون إلى جانبها في كثير مما تفعل، لكنها لن تجد أولئك عندما تصطدم مع (الجهاد الإسلامي). فالمرجعية الإسلامية للحركتين يفترض أن تقرب بين رؤيتيهما إن لم تجعلهما رؤية واحدة، وموقفهما المشترك من (اتفاقية أوسلو) وأسلوب المفاوضات عاملان آخران في تقريب المواقف ووجهات النظر بينهما، والأهم ربما تأكيدهما على أن المقاومة هي الأسلوب الأصح لمواجهة الاحتلال وتحقيق الأهداف الوطنية. فلماذا تقع المواجهات والاشتباكات بينهما؟ يمكن ولا بأس أن تكون هناك اختلافات حول مسائل معينة، لكن أن يصل الأمر إلى المواجهات والاشتباكات، وأن يقع القتلى والجرحى فأكثر من أن تبرره الخلافات بين طرفين يفترض أن ما يجمعهما أكثر وأهم بكثير مما يفرقهما.

كثيرون ممن تعتبرهم (حماس) خصوماً لها سيرون في صداماتها مع (الجهاد الإسلامي) فرصة ثمينة للقول إن هذه الصدامات تؤكد صحة الاتهامات التي يوجهونها والتي سبق أن وجهتها حركة (فتح) لحركة (حماس) قبل وبعد الحسم العسكري الذي أقدمت عليه حماس في قطاع غزة في يونيو/حزيران الماضي. وقد يقول هؤلاء إن المبررات التي ساقتها (حماس) ضد (فتح) تبدو ساقطة ومكشوفة عندما تستعملها أو ما يشبهها مع (الجهاد الإسلامي) للأسباب التي ذكرناها قبل قليل.

إنني من موقعي كمواطن فلسطيني ساءته في حينه المواجهات التي وقعت بين (فتح) و(حماس) وما نجم عنها من نتائج وأوضاع، أحذر من العودة إلى الحكاية نفسها، وأنصح بوجه خاص قيادة (حماس) بألا تستسهل ما يقع اليوم بينها وبين (الجهاد الإسلامي). إن قطاعات واسعة من الفلسطينيين تثمن لحركة الجهاد الإسلامي مواقفها الوطنية الثابتة التي تمسكت بها طيلة السنوات الماضية، كما تقدر لها الدور الوطني الذي جهدت للقيام به في السابق لتقريب وجهات النظر بين (حماس) و(فتح) لمنع الاقتتال بين إخوة السلاح ولحماية ما بقي من المشروع الوطني الفلسطيني، وتأمل منها ألا تنجر إلى مواقع طالما دانتها في السابق، وأن تبذل جهودها لإعادة العلاقة بينها وبين (حماس) إلى ما كانت عليه قبل المواجهات الأخيرة. وعلى قيادتي الحركتين أن تتذكرا أن العدو “الإسرائيلي” هو المستفيد الوحيد من مثل هذه المواجهات. - الخليج 29/10/2007 -

http://www.miftah.org