هل سنواجه تحديات انابوليس بمؤتمر دمشق؟!
بقلم: هاني أبو عمرة*
2007/10/30

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=8114


الكل الفلسطيني سواء من يؤيدون المشاركة في مؤتمر انابوليس الذي دعا له الرئيس بوش أو من يعارضونه ويدعون إلى مقاطعته يدرك مدى المخاطر والمخاوف التي تترافق وانعقاد هذا المؤتمر ويدرك أيضا أن هذا المؤتمر جاء لتصفية القضية الفلسطينية أمام عيون الفلسطينيين والعرب على حد سواء خصوصاً أن الدعوة له جاءت بعد ما قامت به حركة حماس من انقلاب دموي في قطاع غزة وما خلفه من انقسام كارثي في المجتمع الفلسطيني شكل ولا زال اكبر خطر تشهده القضية الفلسطينية.

ولعل ما يزيد المخاوف والمخاطر أن الجهة الداعية لهذا المؤتمر هي الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الاستراتيجي لإسرائيل والتي لم يسبق لها أن كانت طرفاً نزيهاً بل على العكس كرست على الدوام انسياقها وراء خدمة المصالح الإسرائيلية وحمايتها في كافة المحافل الدولية هذا بالإضافة إلى السياسة العدوانية التي تنتهجها إزاء كافة بلدان المنطقة العربية والتهديدات التي تشكلها لتغيير خارطة الإقليم بالشكل الذي يضمن سيطرتها المطلقة على العالم ويضع إسرائيل في موضع السيد لهذه المنطقة، فضلا عن أن الطرف الإسرائيلي يثبت في كل يوم عبر مواصلة عدوانه على الشعب الفلسطيني انه طرفاً غير جاد في إحلال السلام وان قيادته الحالية تبلغ من الضعف ما لا يمكنها من الإقرار بأي حق من الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، وبالتالي فهي لا تريد السلام لأنها تدرك أن هناك التزامات لابد من تقديمها، خصوصاً بعدما أدرك العالم بأسره بفضل النضال المتواصل للشعب الفلسطيني وصموده الرائع أن السلام لن يتحقق دون الإقرار بحقوق الشعب الفلسطيني .

عدا عن أن الدافع وراء الدعوة لا تتعدى كونها إما تغطية على فشل سياسة التدخل العسكري الذي مارسته إدارة بوش في أفغانستان والعراق والذي تدفع ثمنه يومياً بفعل المقاومة الباسلة هناك، فتريد من هذا المؤتمر خلق توازن صوري بين الانجازات والإخفاقات لهذه الإدارة الديمقراطية التي تريد أن تذهب إلى الانتخابات الرئاسية بشيء يمكنها من الإبقاء على هذه الإدارة في يد المحافظين الجدد من الحزب الديمقراطي. أو أنها لا تتعدى حملة علاقات عامة لتزيين صورة الإدارة الأمريكية التي تبحث عن طريقة للقضاء على إيران وتحتاج إلى الدعم الدولي والعربي، معتقدة أن محاولة التوصل إلى تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين ستسهل على الولايات المتحدة إقامة تحالف واسع في حربها المرتقبة ضد إيران.

ولعل اقتصار ملفات المؤتمر المنتظر على الملف الفلسطيني الذي لا يتوقع احد سواء المنظمين للمؤتمر أو المشاركين فيه إحداث اختراق جوهري فيه وهذا ما يظهر من تصريحات الجميع وما يتردد من حلول مجتزأة وسطحية لملفات الحل النهائي والإصرار الإسرائيلي على عدم مناقشتها وترحيلها للمفاوضات الثنائية التي تستطيع فيها إسرائيل ممارسة أقصى الضغوط على الفلسطينيين والاستمرار في عدوانها لكسر إرادة الشعب الفلسطيني ودفعه إلى القبول برؤيتها هي للسلام ، وهذا ما يؤكده اقتصار المؤتمر على الموضوع الفلسطيني دون الولوج في ملفات الصراع العربي الإسرائيلي مما يشير بما لا يدع مجالاً للشك إلى نية إسرائيل وخلفها الولايات المتحدة الأمريكية لاستغلال حالة الضعف الذي يشهده الوضع الفلسطيني . المؤيدون من الفلسطينيين لمؤتمر انابوليس وبالرغم من اداركهم لهذه المخاطر وما تشكله من تهديد وإدراكهم لواقع الضعف الذي يمثله الانقسام الفلسطيني يرون في المؤتمر فرصة جيدة لإعادة البعد الدولي للقضية الفلسطينية و تعتبر أن هذا المؤتمر سيشكل منبراً يعاد من خلاله طرح القضية الفلسطينية وإعلان التمسك بالحقوق وانه لا مجال فيه لإملاء الشروط على شعبنا وقيادته وخصوصاً أن التجربة الفلسطينية أثبتت صمود وصلابة الموقف الفلسطيني خلال مفاوضات كامب ديفيد الثانية والذي ذهب إليها الزعيم الخالد ياسر عرفات وسط مراهنات بأنه سيرضخ للضغوط الأمريكية، ولكنه اسقط كل الرهانات وعاد متمسكاً بالثوابت الوطنية الفلسطينية ولم يسجل أي تراجع أو تنازل ، بل على العكس أن هذا الموقف الفلسطيني حقق نقطة ارتكاز متقدمة يمكن أن يبنى عليه في أي مفاوضات قادمة .. كما وترى أيضا أن هذا المؤتمر بالإمكان استثماره فلسطينياً من خلال الموقف العربي الداعم للحقوق الفلسطينية والإدراك الدولي بضرورة الإقرار بحقوق الشعب الفلسطيني وفرصة لفرض قضيتيه وحقوقه على إسرائيل التي لا تريد السلام بل ينصب همها الأساسي على مواصلة الاحتلال والاستيطان وبالتالي فهي تسعى إلى تعزيز الموقف الفلسطيني من خلال حضور عربي مكثف وفاعل وقوي تستند إليه ليشكل بديلاً عن الموقف الضعيف الذي يذهب به الرئيس أبو مازن نتيجة للانقسام في الحالة الفلسطينية بعد انقلاب حماس. أما المعارضون لهذا المؤتمر فهم يرون فيه مؤامرة جديدة لتصفية القضية الفلسطينية والقضاء على المقاومة وانه لن يحقق أي مصلحة فلسطينية بل على العكس ترى في هذا المؤتمر مظلة لضرب إيران الداعم والممول للمعارضة الإسلامية الفلسطينية ممثلة بحركة حماس والجهاد الإسلامي إضافة إلى بعض القوى اليسارية الفلسطينية التي تتخذ من دمشق مقراً لها. وترى أن الإدارة الأمريكية بحاجة الي إظهار أنها تسعي لحل القضية الفلسطينية وتبذل جهودا علي المسار الفلسطيني من اجل تزيين صورتها والادعاء أنها مهتمة بإحلال السلام والأمن في المنطقة وان حروبها تنطلق من هذه الأرضية، وفي الوقت ذاته تقوم فيه بقرع طبول الحرب ضد إيران وتحشد العالم ضده. كما ترى فيه انه يأتي أيضا الي إنقاذاً لايهود اولمرت، الذي يبلغ من الضعف ما لم يبلغ احد من قيادات إسرائيل نتيجة خسارته في حربه الأخيرة على لبنان .

إن الحجج التي يسوقها الطرفان سواء المؤيد أو المعارض تترافق مع خطوات جدية للطرفين إذا يقوم الطرف المؤيد بمحاولة الوصول إلى اتفاق يعالج قضايا الحل النهائي مع إسرائيل يعرض على هذا المؤتمر لانتزاع ما يستطيع من حقوق بمباركة دولية تشكل التزاماً دولياً جديداً ضاغطاً على إسرائيل، وهو ما يظهره الثبات الصلابة التي يبديها المفاوض الفلسطيني إلى هذه اللحظة وتصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس التي تتمسك بالحقوق وعدم التخلي او التنازل عن ثوابت الشعب الفلسطيني . مستغلاً الحاجة الإسرائيلية والأمريكية للمؤتمر وكذلك مستثمراً للمواقف المتقدمة للدول العربية المحورية ممثلة في مصر والسعودية اللتان تران في هذا المؤتمر فرصة لان تثبت لشعوبها ولأمريكا ذاتها أنهما صاحبتا إرادة حقيقة ولا يمكن مصادرتهما وان الحفاظ على دورهما الفاعل في المنطقة طريقه الالتزام بالسلام وان المدخل إلى التعايش والتطبيع مع إسرائيل يقتضي أن تكون الأخيرة جادة في إنهاء احتلالها وإقامة الدولة الفلسطينية وترى في هذا الموقف إعادة للاعتبار لموقفها المعتدل وبوابة جديدة لممارسة دورها القيادي والريادي في المنطقة بعد فقدان جزء كبير منه لصالح بعض الأطراف الأخرى . وكذلك للرغبة الدولية بإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي القضية الأكثر تعقيداً بين قضايا المنطقة والتي ترى فيها أيضا بوابة لاستعادة دورها في الشرق الأوسط بعد مصادرته من الولايات المتحدة لسنوات، وهو ما يدفع بالرئيس الفلسطيني إلى تحشيد الموقف العربي وإقناعه بالمشاركة في المؤتمر لتقوية الموقف الفلسطيني في ظل الضعف الذي يعانيه الموقف الفلسطيني نتيجة للانقلاب في غزة. أما الطرف الفلسطيني المعارض للمؤتمر المدعوم بتخوفات إيران وسوريا التي ترى في هذا المؤتمر استهدافاً مباشراً لها فقد بادر إلى الدعوة إلى مؤتمر في دمشق يعقد بالتزامن مع مؤتمر انابوليس وسرعان ما بادرت دمشق لاحتضان هذا المؤتمر ودفع حماس للمشاركة فيه بقوة حيث تتلاقى كافة المصالح إذ تستفيد حركة حماس بان تؤكد من خلال هذا المؤتمر قدرتها وقوتها وتفشل كل محاولات تحجيمها وحصرها بعد ما أقدمت عليه في غزة والحصار الخانق والعزلة التي تعانيها ،وكذلك تكريس أنها قوة لا يمكن استثنائها ، بالإضافة انه يوفر لها فرصة أن تكون البديل لقيادة الشعب الفلسطيني باعتبارها القوة الأكبر في المعارضة. أما الفصائل الأخرى في دمشق، فان الرئيس أبو مازن لم يعمل على استيعابها وتحقيق بعض مطالبها، إضافة إلى ذلك فان الرئيس قد تخلى عن اتفاق القاهرة الداعي إلى تشكيل مجلس وطني جديد وإعادة تفعيل م.ت.ف هذا الإعلان الذي كان بإمكانه إعادة الاعتبار لدور هذه الفصائل التي ترى نفسها معزولة عن صناعة القرار السياسي الفلسطيني، ولهذا فان الفصائل المشاركة والشخصيات المستقلة والأطراف الحاضنة ستدفع بالمؤتمر للخروج بنتائج على صعيد المنظمة ومنها تشكيل منظمة جديدة بمشاركة حماس والجهاد .

أما بالنسبة لإيران ،فإنها تريد من مؤتمر دمشق أن تثبت للإدارة الأمريكية والى كافة دول المنطقة أنها لاعب أساسي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وهي تستطيع أن تؤجج الصراع من خلال الاحتضان السياسي والمالي وأن الجزء الأكبر من الأوراق الفلسطينية بيد إيران وهي بذلك تعلن أنها طرف أساسي بكافة الصراعات في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان ، وبالتالي بهذه الخطوة تسهم بتأجيج التوتر بهذه المناطق مما يبعد عنها المواجهة المباشرة مع الأمريكان فهي تواجه بأدواتها عبر المحطات المذكورة وتبعد الأخطار المحدقة بها للوصول والاعتراف من قبل أمريكا بشكل خاص والعالم بان إيران شريك أساسي في هذا الإقليم .

وفي السياق فان النظام السوري الذي يعيش حالة من العزلة منذ خروج جيشه من لبنان واغتيال رفيق الحريري، والذي حاول الخروج منها من خلال نسج علاقات إستراتيجية مع إيران ومحاولة إعادة علاقاته مع الدول العربية والتي لم تنجح حتى الآن بل على العكس ازدادت الأمور سخونة وتعقيداً بعد هجوم فاروق الشرع على دور السعودية ومحاولة تقزيمه إضافة إلى ذلك فان شبح المحكمة الدولية بمقتل الحريري يرعب أركان النظام السوري ويرى فيه مدخلاً جاهزاً للحرب عليه وإسقاطه ، ولهذه المبررات وضع النظام السوري نفسه في حضن إيران وبدء الطرفان يعملان في سياق واحد ويريد النظام السوري من رسالته عبر المؤتمر أن يقول انه يملك أيضا الورقة الفلسطينية وبشكل خاص قوى المعارضة، وأمام كل ذلك يجد النظام السوري أن دعوته الخجولة للمشاركة في المؤتمر لن تؤدي إلى انفراج في علاقاته العربية والدولية ولن يحقق أية نتائج له، ولهذا فهو لن يشارك في المؤتمر الدولي الذي سيخصص فقط للموضوع الفلسطيني دون التطرق لموضوع الجولان المحتل. وفي الخلاصة فانه من الواضح أن الدعوة لمؤتمر انابوليس أرادت أن تلعب على وتر الانقسام الفلسطيني وما أحدثه من ضعف في الموقف يمكنها من انتزاع تنازلات لم تكن قادرة على انتزاعها بشتى الوسائل التي مارستها سابقاً ، فان مؤتمر دمشق أيضا يريد أن يلعب على ذات الورقة بل ويعمق الانقسام لصالح إبقاء الورقة الفلسطينية منقسمة بيد هذه القوة أو تلك لخدمة مصالحها الخاصة دون النظر إلى مصلحة الشعب الفلسطيني، الذي تقتضي مصلحته حالياً أن لا يضيع هذه الفرصة التاريخية التي يمكن استثمارها لصالح انجاز حقوقه المشروعة، وإعادة الإمساك بزمام القرار الفلسطيني الذي توزع بحكم الظروف الموضوعية بين عدة قوى إقليمية، الأمر الذي يدفع مجددا إلى التأكيد بضرورة الحوار الوطني الفلسطيني الشامل على أرضية تحقيق المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني وعلى أساس استقلالية القرار الفلسطيني للخروج ببرنامج وطني موحد يعالج كافة الإشكالات الداخلية التي عصفت بالساحة الفلسطينية ويضع خطة للمواجهة تقوم على أساس أن كل الخيارات مفتوحة أمام شعبنا الفلسطيني، ويخلصها من التجاذبات الداخلية والخارجية والتأسيس لشراكة سياسية حقيقة بين مختلف ألوان الطيف السياسي باعتبار أن انجاز المشروع الوطني الفلسطيني يحتاج إلى الكل الوطني دون استثناء.

* عضو المكتب الإعلامي المركزي للجبهة العربية الفلسطينية - مفتاح 30/10/2007 -

http://www.miftah.org