مؤتمر خريف المعارضة
بقلم: د. أحمد مجدلاني
2007/10/31

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=8121


ليست هي المرة الاولى، وربما لن تكون الأخيرة التي تتداعى فيها أطراف من المعارضة الفلسطينية المستظلة بعواصم عربية وإقليمية للدعوة إلى مثل هكذا مؤتمرات او لقاءات، تحت مسميات وشعارات سياسية تعبر عن تخوفات من تحركات سياسية او ربما تتوهم ان مؤامرة كبرى تحاك بالظلام وتشارك فيها قيادة م.ت.ف. والدعوة لما سمي بالمؤتمر الوطني في دمشق من السابع إلى التاسع من الشهر القادم يندرج في إطار ما درجت عليه هذه القوى منذ أكثر من ثلاثين عاماً، حيث لم ترتق في خطابها السياسي ولا في ممارستها السياسية إلى واقع المشاركة السياسية الفاعلة والمسؤولة، لكونها تفتقد الرؤية لصوغ بديل سياسي ووطني عام يمتلك برنامجاً ليس سياسيا معارضا فحسب لنهج القيادة، وإنما برنامجا اجتماعيا وثقافيا لإعادة صوغ الحياة المجتمعية والثقافية على أسس جديدة مناهضة لرؤية وفكر وتجربة القيادة المهيمنة على مقدرات منظمة التحرير والمتفردة في صوغ واتخاذ قرارها السياسي والوطني والمتهمة بالزبائنية والعشائرية وتكريس واقع العلاقات الجهوية. إشكالية المعارضة الفلسطينية المستظلة بالعواصم العربية والإقليمية أنها طيلة تجربتها السابقة، وعلاوة على أنها كانت تبني مواقفها على قاعدة الشكوك، وما يتسرب لها من معلومات لا تكون دقيقة وفي الأغلب أنها كانت مبالغاً فيها، وأحيانا كثيرة تغطي مواقف أطراف حليفة لها. ان هذه القوى قد أقرت بعد عشر سنوات من اتفاق اوسلو ان الرئيس الراحل ياسر عرفات لم يكن مفرطا بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني رغم اتهامها له بالخيانة والتفريط ، وانه هو الذي قاد انتفاضة الأقصى ودفع حياته ثمناً لمواقفه الرافضة للتنازل عن الحقوق الوطنية الفلسطينية، والآن تكرر التجربة مرة أخرى انطلاقاً من اعتبارات ليست كلها مصطفة وراء الأهداف المعلنة لعقد المؤتمر المناهض والمتصدي لمخاطر لقاء الخريف الدولي، وإنما لأهداف واعتبارات تصب في تعزيز تحسين الشروط التفاوضية للأطراف الإقليمية الحليفة .

وعلى أية حال فإن تجربة السنوات الطويلة الماضية لم تثبت فقط عقم هذه السياسات التي اقتصرت على تدبيج البيانات وعقد اللقاءات والمؤتمرات، وإنما لم تطرح خياراً جدياً وحيداً لمعالجة الوضع الداخلي، بل سعت هذه القوى إلى عقد الصفقات على قاعدة المحاصصة الأثيرة لديها مع ذات القيادة التي تتهمها بالتفريط والخيانة.

ما يمكن ان يقال عن الدعوة الجديدة هو دخول عامل جديد لم يكن في المرات السابقة عاملا مهما في الحسابات الداخلية والإقليمية وهو دور حركة حماس باعتبارها امتداداً طبيعياً لحركة الأخوان المسلمين ولفكر وتيار الإسلام السياسي، والذي ربما الوحيد من الأطراف الداعية للمؤتمر الذي يمتلك رؤية وبديلاً دون بقية الأطراف الأخرى التي سيكون دورها دور المزكي والحامل للحركة الإسلامية الساعية لتقويض الحركة الوطنية الفلسطينية ومحاولة وراثتها ان أمكنها ذلك وتغيير طابع ومضمون أهدافها الوطنية والتحريرية ذات المضمون المجتمعي التعددي والديمقراطي، إلى مشروع إسلاموي يخدم أغراض وأهداف الحركة الإسلامية العالمية. ولذا فإن انعقاد هذا المؤتمر وبهذه التركيبة من المدعوين ووفقاً للوثيقة الموزعة ما هو إلا مؤتمر بامتياز شديد لحركة حماس ولتيار الإسلام السياسي في المنطقة، وهو انتصار سياسي لها وإخراج لها من مأزقها بعد انقلابها على الشرعية في قطاع غزة، وإيغالها في تكريس واقع الانقسام الديمغرافي الفلسطيني، واخذ قطاع غزة بمن فيه وما عليه رهينة لسياسات إقليمية ومشروع إسلاموي معروفة نتائجه سلفاً، ارتباطا بالعديد من التجارب العربية والإسلامية التي ولدت العزلة والانهيار الاقتصادي والمجتمعي لتلك الشعوب، وكانت نموذجاً للانغلاق والواحدية ورفض الآخر والهيمنة واحتكار السلطة بدعوى أنهم منفذو حاكمية الله على الأرض.

مؤتمر الخريف لقوى المعارضة المزمع عقده في دمشق لمناهضة مؤتمر الخريف في أنا بولس، ومن خلال ورقته السياسية الوحيدة والتي تعبر عن وجهة نظر لون سياسي واحد ، لم يترك مجالا لأية اجتهادات أخرى، وبالتالي صار لزاماً على من يشارك مهما كانت نواياه طيبة، او مهما ادعى انه بمشاركته يسعى لتخفيف الأضرار الناشئة عن انعقاد المؤتمر، فإن مجرد مشاركته هي انخراط في الضرر الواقع نتيجة عقد المؤتمر، وحتى ممن يحملون دعوات التأجيل إلى ما بعد لقاء الخريف الدولي، وهم ليسوا أصحاب شأن في المؤتمر ولا أصحاب دعوة، فعلى ماذا الرهان إذا كان هناك دعوة للتأجيل؟.

إن وثيقة المؤتمر من بداياتها إلى نهاياتها تقوم على مبدأ الشك والافتراض المسبق ان هناك مؤامرة يشارك فيها "أطراف اوسلو" وأنهم ماضون في تصفية القضية الفلسطينية من "خلال بحثهم عن دور جديد"، رغم ان المؤتمرين لم يكلفوا أنفسهم سؤال "حماس" التي تتصدر الدعوة ألم يكن في حساباتها أنها بانقلابها تضعف الشعب الفلسطيني وقضيته، وتقوض وحدته وتخلق ظروفا مواتية لاستثمار هذا الضعف من القوى المعادية لفرض شروط وتنازلات على قيادته؟، او لم يكن من الأجدر ان يقوموا بالضغط على قيادة "حماس" من اجل الحفاظ على القضية الفلسطينية وتعزيز وحدة الشعب وقواه والتراجع عن الانقلاب وتداعياته بدلاً من تكريس واقع الانقسام يومياً على الأرض؟، ألم يكن الطريق أسهل واقصر أمام هذه القوى لتعزيز الوحدة الداخلية أمام هذا الاستحقاق الدولي وإعادة اللحمة بين شطري الوطن وقواه السياسية وتعزيز قدرة المفاوض الفلسطيني والتنسيق مع باقي الأطراف العربية المشاركة لإرساء المؤتمر على أسس وقواعد القانون الدولي، وتحويله إلى مؤتمر دولي تشارك فيه كافة الأطراف المعنية بالعملية السياسية في مقدمتها سورية ولبنان، وعلى قاعدة الأرض مقابل السلام وتطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية صوناً لقضية اللاجئين التي أصبحت عنواناً جديداً للبضاعة التي تتاجر فيها بعض هذه القوى للتغطية على سلوكها السياسي الانفصالي الذي يتكرس واقعياً. لقد بدا واضحاً ان الهدف الرئيس من انعقاد المؤتمر في بداية الخريف القادم في دمشق الإعلان عن ائتلاف سياسي من لون محدد ووظيفة سياسية محددة ايضاً، وهي التشكيك في شرعية تمثيل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية للشعب الفلسطيني وإيصال رسالة لكل الأطراف الدولية والعربية ان هناك أطرافاً فلسطينية أخرى غير القيادة الرسمية للمنظمة، وبالتالي فإن لعبة التشكيك بوحدانية التمثيل رغم كل الادعاءات "والتطمينات" لمن أراد ان يبرر موقفه بالمشاركة، انه لا نوايا او قرار مسبق بإحداث بدائل، عن المنظمة.

غير ان الوقائع لا تقود سوى إلى جسم بديل او مواز او بداية الصراع لادعاء الشرعية او تنازع الشرعية على قيادة المنظمة وفي جميع الأحوال، فإن النتيجة المنطقية والسياسية الوحيدة هي إضعاف الوضع الفلسطيني برمته وجعله عرضة للضغوط والابتزاز، وفي نفس الوقت ازدياد غربة هذه القوى عن شعبها لأنها لا تقدم رؤى ولا بديلاً عملياً ملموساً، غير شعارات لا تمتلك لا الرؤية ولا القدرة على التطبيق، وفي نهاية الأمر خسائر صافية من رصيد الشعب الفلسطيني وقضيته، وارباحاً مؤقتة لهذا الطرف الإقليمي او ذاك يحاول توظيفها في تحسين شروطه التفاوضية، وارباحاً استراتيجية تصب في طاحونة التحالف الإسرائيلي الأميركي الذي يدعون مواجهة مؤامراته. - الأيام 31/10/2007 -

http://www.miftah.org