القضية الفلسطينية: محور اللقاءات في جولة العاهل السعودي
بقلم: سليم نصار
2007/11/3

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=8134


انتهت هذا الاسبوع الزيارة الأولى من جولة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والتي تستأنف يوم الاثنين المقبل بمواصلة الزيارات الرسمية الثلاث لكل من ايطاليا والمانيا وتركيا.

وكما حمل من قبله الملك فيصل والملك خالد والملك فهد، الى العواصم الأوروبية، هموم القضية الفلسطينية، فإن الملك عبدالله حرص هو أيضاً على التذكير بمخاطر تجاهلها. ففي الحفلة التي أقامتها على شرفه الملكة اليزابيث الثانية ضمن خطابه نقطة مركزية أظهر بواسطتها مدى اهتمام السعودية بضرورة إنهاء المأساة الفلسطينية. ودعا في كلمته الى أهمية «ايجاد سلام حقيقي يصون حقوق كل الأطراف ويقوم على أساس من العدالة ومن قرارات الشرعية الدولية».

ثم وضع هذا الكلام في محتواه العملي أثناء اللقاء الذي جرى مع رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون بمشاركة الوزراء المسؤولين بينهم: وزير الخارجية سعود الفيصل ووزير العمل الدكتور غازي القصيبي، ووزير المال الدكتور ابراهيم العساف. ولوحظ من خلال عرض مواقف الطرفين أن براون أيّد طروحات الملك عبدالله والرئيس بوش من أجل التوصل الى حل يقضي بوجود دولتين قابلتين للحياة والاستمرار. وقال وزير الخارجية الشاب ديفيد ميليباند، إنه كتب سلسلة مقالات، رسم فيها الخطوط العريضة لسياسة الحكومة الجديدة، وأن الصحف العربية نشرت الترجمة العربية لهذه المقالات مطلع شهر آب (اغسطس) الماضي. وقد أثارت تلك المقالات في حينه ضجة داخل الوسط الإعلامي الاسرائيلي، الأمر الذي شجع صحيفة «جويش كرونيكل» على التدخل لصالح الوزير ميليباند. وكتب معلق الـ «بي بي سي» بول رينولدز، يقول: «إن الخلفية اليهودية التي يملكها الوزير ديفيد ميليباند تسلحه بهامش وسيع من حرية الرأي تعينه على انتقاد اسرائيل من دون أن يُتهم باللاسامية». ومنعاً للالتباس اضطر الوزير الى الاعتراف بجذوره اليهودية، وقال إن والده رالف ميليباند كان ماركسياً عقائدياً احتجز طوال فترة الحرب داخل معتقل ضم لاجئي بلجيكا. ولكن هذا الانتماء لا يشكل عائقاً سياسياً أمامي أو أمام شقيقي أدي الذي يشغل منصب سكرتير مجلس الوزراء».

ويبدو أن هذا الانتماء قد أقلق الوزير البريطاني، خصوصاً عندما اتهمته الصحف والاذاعات بالاهمال وقصر النظر لأنه تغيب عن حضور «مؤتمر المملكتين» الذي عُقد بحضور وزير خارجية المملكة الأمير سعود الفيصل. ومع أنه أناب عنه وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط كيم هاولز، إلا أن سبب التغيب لم يكن مقنعاً. وقد اضطر للعودة على جناح السرعة من الولايات المتحدة، والانضمام الى وفد بلاده في محادثات 10 داوننغ ستريت. وقال المعلق ستيفن غلوفر في مقالة نشرتها «الديلي مايل» يوم الخميس الماضي، ان برنامجاً بهذا المستوى أُعد له قبل ستة أشهر، يجب ألا تعطله ولادة ابن بالتبني، خصوصاً أنه ليس ابنه ولو أنه حمل اسماً يهودياً هو «يعقوب».

وصف العاهل السعودي، أمام الملكة اليزابيث الثانية وضيوفها، زيارته الحالية بعد انقضاء عشرين سنة على آخر زيارة قام بها الملك فهد، بأنها «امتداد للزيارات الرسمية التي قام به اخوته». وقال إنها تحمل الرسالة ذاتها، مع تجديد الحرص على معالجة النزاعات المعقدة بروح العدالة والإنصاف.

وعلى رغم متانة العلاقات السياسية والاقتصادية التي دشنها لقاء المؤسس الملك عبدالعزيز ووينستون تشرشل في مصر سنة 1945، إلا ان الزيارات الرسمية بين المملكتين لم تبدأ قبل سنة 1967. ففي تلك الجولة الأوروبية التي قام بها الملك فيصل بن عبدالعزيز لباريس ولندن، التقى الملكة اليزابيث الثانية ورئيس الوزراء هارولد ويلسون. وقد انتدب الأمير سلطان بن عبدالعزيز في حينه لزيارة مصانع الأسلحة في بريطانيا في وقت كانت السعودية تتطلع الى تحديث اسطولها الجوي الحربي. ثم قامت الملكة بأول زيارة رسمية لها الى الرياض في عهد الملك خالد، ومن بعدها لبت مارغريت ثاتشر زيارة رسمية سنة 1981.

وفي سنة 1987 كانت الزيارة الرسمية الأخيرة للندن قام بها الملك فهد بن عبدالعزيز. وهذا الاسبوع استؤنفت الزيارات على هذا المستوى، بعد مرور عشرين سنة. وقبل ان يغادر الى روما وضع الملك عبدالله الحكومة البريطانية في صورة الوضع المتأزم في منطقة الشرق الأوسط، بدءاً من فلسطين... مروراً بلبنان والعراق... وانتهاء بالصومال والسودان وكردستان. وشاركه هذا القلق رئيس الوزراء براون الذي وعد بممارسة كل جهد داخل الاتحاد الأوروبي ومع الإدارة الاميركية من أجل إنجاح مؤتمر الخريف، والعمل على دعم انشاء الدولة الفلسطينية، وإرساء دعائم السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.

وكرر الملك عبدالله أمام براون ما كان اقترحه سابقاً حول ضرورة انشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب. وقال إن التوصيات التي صدرت عن مؤتمر الرياض لمكافحة الإرهاب، تركزت على أهمية بناء مقر مركزي تصب فيه مختلف المعلومات المرسلة من مختلف الجهات. وهناك يصار إلى مراجعتها والتأكد من صحتها، وارسالها إلى شبكة المعلومات التي تتولى عملية الفرز. وجدد الملك اقتراحه بضرورة تعاون كل الدول لمكافحة الإرهاب، لأن فترة العنف قد تمتد إلى عشرين أو ثلاثين سنة.

ولم يكتف العاهل السعودي بهذا القدر من التحذير، وإنما رأى أن مكافحة الإرهاب يجب أن تبدأ بمكافحة الفكر الإرهابي، وبتوجيه النصح والارشاد لكل الذين غُسلت أدمغتهم بواسطة عقائد مستوردة لا تمت إلى الدين الصحيح بصلة. ودعا المسلمين البريطانيين في خطابه داخل القصر، بأن يكونوا قدوة للتسامح والاندماج، وبأن يخدموا بانصهارهم الدولة التي ترعاهم وتوفر لهم حق المواطنية.

في روما، يلتقي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يوم الثلثاء المقبل، رئيس الوزراء الايطالي رومانو برودي. كما يستقبله البابا بنديكتوس السادس عشر في حاضرة الفاتيكان، علماً بأن الجانبين لا يقيمات علاقات ديبلوماسية. وبذلك يكون الملك عبدالله أول عاهل سعودي يلتقي البابا للتباحث في الأوضاع القائمة والعمل على تقريب وجهات النظر. وقد دشن هذا التواصل الملك فيصل منتصف الستينات وعهد الى البطريرك الماروني مار بطرس بولس المعوشي، بنقل الرسائل بينهما. وكان البطريرك يسعى إلى ترتيب اللقاء بعدما عينت المملكة ممثلين لحضور الاجتماعات التي تعقد تحت عنوان الحوار «الإسلامي - المسيحي». وقد قدم الدكتور معروف الدوليبي دراسات قيمة بهذا الخصوص تميزت بالدقة التاريخية، وعندما اغتيل الملك فيصل نعته حاضرة الفاتيكان بحسرة، وذكرت أن الموت اوقف مساعي اللقاء التي هيأ لها سيد بكركي.

وفي مرحلة لاحقة قام ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز بزيارة للبابا الراحل يوحنا بولس الثاني. وأكد له أن أرشيف الفاتيكان يضم مراسلات مهمة حول سياسة التعاون ضد أنظمة الالحاد. كذلك قام وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل بزيارة الفاتيكان في سياق الدعوة لمنع استخدام الدين لأغراض سياسية خاطئة. ومن المؤكد أن لقاء الملك عبدالله والبابا بنديكتوس السادس عشر سيسجل خطوة نوعية متقدمة تؤسس لعلاقات متينة يمكن أن تحيي برامج التعاون بين الأديان.

في الأيام الأخيرة من الجولة، ينتقل العاهل السعودي والوفد المرافق له من ايطاليا والمانيا الى تركيا. ومن المؤكد أن المحطة الأخيرة ستكون مهمة سياسياً وأمنياً لكونها تتعلق بالمشاكل التي خلقها الاحتلال للعراق وبكل ما أفرزه العنف من تباعد وكراهية بين المواطنين. وكان الملك عبدالله قد أشار الى حمام الدم في العراق عندما وصف الوجود العسكري الأميركي «بالاحتلال الأجنبي غير الشرعي»، وحذر من «المذهبية غير المقبولة التي تهدد بالتحول الى حرب أهلية».

ومن المتوقع أن يلتقي العاهل السعودي في أنقرة رئيس الجمهورية عبدالله غل، ويعقد معه ومع كبار القادة جلسات عمل من أجل تنفيس الاحتقان ومنع التورط في مجابهة عسكرية قد تؤثر على خطة الاصلاح السياسي داخل العراق. وربما ينضم الى المحادثات رئيس الحكومة اردوغان في حال انتهت زيارته لواشنطن. وهي زيارة بالغة الأهمية لأنها ستحدد طبيعة الخلافات على ممرات أنابيب النفط، وعلى حجم التعاون الدولي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إذا ما هو واصل دعمه لايران. اضافة الى هذا، فإن قرار البرلمان التركي بإطلاق يد الحكومة لمدة سنة، يمكن أن يعطي الديبلوماسية فرصة لإطلاق حوار هادئ تساعد فيه السعودية على رأب التصدع، خصوصاً أن تركيا لا تطمح حالياً الى تجاوز كل الخطوط الحمر التي أثيرت في وجه حكومة «حزب العدالة والتنمية»، ومنها المسألة الكردية والأرمنية والقبرصية واليونانية. وكل ما يخشاه العرب - والسعودية بالذات - هو اختلاق أزمة ثانية في حجم أزمة العراق، تغطي على القضية المركزية التي شغلت المنطقة أكثر من نصف قرن.

من هنا حرص الملك عبدالله بن عبدالعزيز على إحياء المبادرة التي طرحها في قمة بيروت العربية سنة 2002. وتدعو المبادرة الى قيام دولة فلسطينية تكون القدس الشرقية عاصمتها. كما تدعو الى اعتراف الدول العربية الـ22 الأعضاء في الجامعة، باسرائيل، مقابل الانسحاب الى حدود الخامس من حزيران (يونيو) 1967 والاعتراف بدولة فلسطينية قابلة للحياة والاستقرار والاستمرار.

ومع ان اسرائيل رفضت قبول المبادرة في حينه، إلا أن رئيس الحكومة ايهود اولمرت، عاد وأعرب عن استعداده للقبول بها، مشترطاً بعض التعديلات. وقد زارت الوزيرة كوندوليزا رايس المنطقة مرات عدة من أجل ردم هوة الاختلاف، والبحث عن صيغة مقبولة من الطرفين.

وضمن هذا الاطار، يمكن النظر الى جولة الملك عبدالله، كأنها محاولة استقطاب لدول أوروبية مؤثرة يمكن أن تساعد على إنجاح مؤتمر الخريف آخر هذا الشهر! - الحياة 3/11/2007-

http://www.miftah.org