البحث عن السلام المفقود في أنابوليس ؟!!
الموقع الأصلي:
بعد خمسة أشهر من إطلاق الرئيس بوش لإعلانه عن رغبته والولايات المتحدة في تنظيم لقاء أو اجتماع أو مؤتمر دولي بغرض دفع عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية وإطلاق العملية التفاوضية التي من شأنها أن تؤدي إلى تحقيق رؤيته لإنهاء الصراع بين الجانبين وبعد عدة جولات دبلوماسية مكوكية قامت بها وزيرة الخارجية الأمريكية ومساعديها إضافة إلى جهود دبلوماسية مكثفة قامت بها أطراف إقليمية عربية ودولية متعددة الأطراف وجهت الخارجية الأمريكية دعواتها لأطراف الصراع وللدول والهيئات الدولية التي ستشارك في هذا اللقاء أو الاجتماع الدولي يوم 20/11/2007م كي يلتئم الاجتماع أو المؤتمر في السابع والعشرين من نوفمبر الجاري ورغم ما تضمنته خطابات الدعوة لهذا الاجتماع من توضيح لغرضه وبيان الأسس التي سيستند ويسترشد بها هذا اللقاء الدولي وقد جاء في مقدمتها المبادئ التي انعقد على أساسها سابقاً مؤتمر مدريد للسلام قبل ستة عشر عاماً وأضيف إليها رؤية الرئيس بوش للحل النهائي الذي يجب أن تفضي إلى قيام الدولة الفلسطينية، وخطة خارطة الطريق التي اعتمدها مجلس الأمن في القرار 1515 ومبادرة السلام العربية التي اعتمدها العرب منذ قمة بيروت عام 2002م وجرى التأكيد عليها من الجانب العربي في القمم العربية التالية وفعّلتها قمة الرياض في مارس 2007م ، رغم كل هذه المرجعيات إلا أن الغموض بقي سيد الموقف فيما يتعلق بالكثير من جوانب هذا المؤتمر ومدى جديته في إنجاز الهدف المعلن والمنشود منه أو المعول عليه على مستوى جميع الأطراف مما أدى إلى بروز جملة من المخاوف الفلسطينية العربية وأيضاً جملة من المخاوف الإسرائيلية !!! لقد جهدت الدبلوماسية الأمريكية في تبديد المخاوف الفلسطينية والعربية، إلا أن النتيجة الواضحة لهذه الجهود الدبلوماسية كانت هي الإخفاق على الجانب الفلسطيني والعربي في تبديد مخاوفه في حين وفرت للجانب الإسرائيلي سلة من الضمانات الأمريكية في مقدمتها التأكيد على ما سبق أن قدمه الرئيس بوش من ضمانات لشارون والتأكيد على مراعاة التحفظات الإسرائيلية الأربعة عشر على خطة خارطة الطريق وآخرها تصريح كوندليزا رايس بأنه لا يوجد طرف يستطيع أن يفرض على إسرائيل أي حل ترفضه، فلماذا يعقد مثل هذا المؤتمر ؟!! إن المخاوف الفلسطينية والعربية التي تثار حول مثل هذا المؤتمر وغيره من أي تحرك دبلوماسي أمريكي يستهدف وضع حد ونهاية للصراع العربي الإسرائيلي لها ما يبررها، وأهم هذه المبررات يكمن في الإنحياز الأمريكي السافر والواضح دائماً لصالح الطرف الإسرائيلي بل وتبني مواقفه ورؤيته من عملية السلام وتبني إشتراطاته أيضاً غير الموضوعية على الطرف العربي والفلسطيني قبل أن تبدأ العملية التفاوضية والتي تضع دائماً العقبات في طريق بدأ وإنجاز عملية تفاوضية هادفة للوصول بأطراف الصراع إلى تسوية تقوم على أساس تنفيذ الشرعية الدولية وتنفيذ مبدأ الأرض مقابل السلام وإحقاق الحقوق المشروعة للأطراف العربية وفي مقدمتها الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، إن استعادة الثقة العربية والفلسطينية بالولايات المتحدة وفي دورها في رعاية العملية التفاوضية لأجل التوصل إلى تسوية سياسية عادلة ينبني على أساسها السلام العربي الإسرائيلي يمثل شرطاً ضرورياً ورئيسياً لنجاح الولايات المتحدة في دورها في رعاية اجتماع أنابوليس المزمع عقده، وإن إلتزام الولايات المتحدة بدور الراعي النزيهة والناظم الرئيس للمؤتمر الدولي هو الذي من شأنه أن يبدد المخاوف العربية والفلسطينية من سياسات ومواقف الولايات المتحدة المعهودة من القضايا العربية عموماً والصراع العربي الإسرائيلي خصوصاً، وهو ما يضمن إنطلاق عملية تفاوضية جادة تستهدف تحقيق تسوية عادلة ودائمة، ولكن الولايات المتحدة لم تستطع لغاية الآن أن ترتقي إلى مستوى الراعي النزيه أو المحايد في القضايا العربية بل تجد نفسها دائماً أسيرة لجملة من الهواجس والمخاوف والعقد النفسية للطرف الإسرائيلي، والتي في حقيقتها لا دخل للواقع العربي وللمواقف العربية والفلسطينية فيها من قريب أو من بعيد، فإسرائيل هي المتنكرة لغاية الآن للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ولبقية الحقوق العربية في إنهاء الاحتلال واستعادة السيادة والكرامة العربية المهدورة صباح مساء جراء السياسات والممارسات العدوانية الإسرائيلية، إن مرد جملة الهواجس والمخاوف والاشتراطات الإسرائيلية هذه والتي تتخذها إسرائيل ذرائع للإحجام عن سلوك طريق التسوية التفاوضية واللجوء إلى فرض الحلول الأحادية الجانب كما حصل في مايو 2000م في جنوب لبنان وفي قطاع غزة في صيف 2005م (( أو الحلول العسكرية تارة والجمود تارة أخرى )) إلى طبيعة الكيان الصهيوني نفسه والى نشأته وتكوينه الشاذ والى طبيعة الدور والوظيفة التي تمثل سبباً رئيسياً في نشأة الكيان الصهيوني واستمرار السياسة الأمريكية في تقديرها وأخذها بعين الاعتبار لكل هذه الهواجس الإسرائيلية في إطار مساعيها لوضع حد نهائي للصراع العربي الإسرائيلي، إن مثل هذه المخاوف والهواجس الإسرائيلية لن تجد لها حلاً في أية عملية تفاوضية سواء في أنابوليس أو غيرها وستبقى جميع الجهود الدبلوماسية أمريكية كانت أو غيرها مجرد ذر للرماد في العيون ولا تعدو أن تكون إدارة أزمة دون التوجه الفعلي للبحث عن حل لها عادل أو دائم ما دام الكيان الصهيوني حريص على استمراره في أداء الوظيفة التي وجد من أجلها وما دامت الولايات المتحدة الأمريكية تضع هذه الوظيفة ضمن سياساتها الاستراتيجية في المنطقة العربية، وإن مثل هذه الجملة من العقد والإشكاليات التركيبية والبنيوية والاستراتيجية هي إشكاليات خاصة بنشأة الكيان الصهيوني وبالعلاقة الوظيفية التي يرتبط بها مع سياسات الولايات المتحدة في المنطقة وبالتالي فإنها تعكس أزمة وجوده من جهة وأزمة علاقته الاستراتيجية بالولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة، لأن نشأة إسرائيل لم تكن مثل نشأة أي دولة من دول العالم وإنما جاءت نتاج النظام الاستعماري الذي سيطر في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ومصالحه في المنطقة العربية، وقد ورثت الولايات المتحدة هذه التركة الاستعمارية وهذه العلاقة الوظيفية للكيان الصهيوني في المنطقة، فهل يستطيع الكيان الصهيوني التخلي عن مثل هذه الوظيفة حتى يتمكن من الدخول في عملية تفاوضية مع الطرف الفلسطيني وبقية الأطراف العربية تنهي الصراع على أساس المرجعيات التي أشارت إليها خطابات الدعوة إلى أنابوليس ؟!! وهل بإمكانه التخلي عن جملة مخاوفه وهواجسه واشتراطاته التي أشرنا إليها وأن يتقدم نحو صناعة السلام بدلاً من تهيئة الظروف في المنطقة لمزيد من دورات العنف التي أرهقت المنطقة على مدى ستين عاماً ؟!! إن السلوك الصهيوني لا يبشر بخير في هذا المجال فهو يواصل اعتداءاته وعدوانه على الشعب الفلسطيني وعلى حقوقه الوطنية والقومية في وطنه فلسطين وينكر عليه حقه في العيش الحر الكريم أسوة ببقية الشعوب، كل ذلك تحت ذريعة الهواجس والمخاوف الأمنية للكيان الصهيوني وهنا نذكر بتصريح السيدة رايس في جولتها قبل الأخيرة في المنطقة حين قالت أن أمن إسرائيل أهم من السلام في المنطقة وكأنها تستطيع أن تحقق الأمن لإسرائيل بدون السـلام لاعتمادها على مبدأ شرعية القـوة لا على مبدأ قوة الشرعية الأخلاقية والقانونية في فرض التسويات والحلول للمشاكل الدولية ؟!!! أعتقد أن الإجابة عن التساؤلات الآنفة وغيرها العديد من التساؤلات التي تثار بشأن السلوك الإسرائيلي والتعاطي الأمريكي مع دبلوماسية الصراع، سوف يتضح للجميع أننا في مؤتمر أنابوليس سنكون أمام جولة جديدة من جولات البحث عن السلام المفقود والضائع والذي ما زال الطرف الإسرائيلي الأمريكي غير مؤهل للبحث عنه والتفاوض بشأنه وأنه غير مقتنع بإنضاج ظروفه وشروطه الموضوعية بسبب استحقاقاته المعروفة للقاصي والداني المتوجبة على الطرف الإسرائيلي. لقد اقتنع الفلسطينيون والعرب بالتسوية الوسط التي تؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ في حزيران 1967م للأراضي العربية والفلسطينية، وتمكن الشعب الفلسطيني من ممارسته لحقوقه المشروعة وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وحل مشكلة اللاجئين وفق الشرعية الدولية، كصفقة تاريخية بين الطرفين تؤدي إلى إنهاء حالة الصراع وتطبيع العلاقات العربية مع الكيان الصهيوني الغير طبيعي وكثمن للأمن والسلام للجميع ولإخراج المنطقة من دائرة العنف والعنف المضاد وضمان الأمن لجميع دول المنطقة، ومن هذا المنطلق ستشارك الأطراف العربية في مؤتمر أنابوليس وفي مقدمتها الطرف الفلسطيني على هذه القاعدة ومن هذه الأرضية بحثاً عن السلام الذي يؤدي إلى الحل الوسط، ولكن يبدو أن عشم الجميع في الوصول إلى هذا السلام في أنابوليس سيكون كعشم إبليس في دخول الجنة بسبب حرص الطرف الآخر على الإستمرار في وظيفته في المنطقة وهواجسه ومخاوفه الناتجة عن نشأته وتكوينه وإن ناظره لقريب.
http://www.miftah.org |