ما بين " مدريد " و " أنابوليس "؟
بقلم: نبيه عويضة- القدس
2007/12/6

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=8333


في العام 1991م ، انعقد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط ، تحت شعار " الأرض مقابل السلام، وتطبيق قرارات الشرعية الدولية، وخاصة القرارين 242 و 338" وانفض المؤتمر دون أن يحقق أيا من الأهداف التي انعقد من أجلها، واستمع الجميع إلى إسحق شامير، رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت حين قال " كنت سأفاوض الفلسطينيين عشر سنوات ولا أعطيهم شيئا "!.

والآن وبعد أكثر من عقد ونصف العقد على انعقاد ذلك المؤتمر، نلاحظ أن كثيرا من الأمور قد تبدلت وتغيرت، فشعار "الأرض مقابل السلام" تحول إلى، "الأرض مقابل الأمن" ثم "السلام مقابل السلام" ويبدو أنه في هذه المرحلة أصبح "السلام مقابل الأرض " .

في البداية، كان المطلوب أن تعيد إسرائيل الأراضي التي احتلتها في العام 1967 وفقا لمبدأ "الأرض مقابل السلام" الذي انعقد على أساسه مؤتمر مدريد، في مقابل تحقيق سلام شامل وعادل، تحصل عليه إسرائيل من الشعب الفلسطيني والدول العربية، وذلك وفقا لقرارات الشرعية الدولية، التي أكدت على رفض احتلال أراضي الغير بالقوة .

وعندما تحول الشعار إلى "الأرض مقابل الأمن" حسب اتفاق "واي ريفير" أصبح المطلوب أن تحصل إسرائيل على الأمن في مقابل إعادة الأراضي المحتلة، حيث تحدث الاتفاق عن النواحي الأمنية التي يجب توفيرها للجانب الإسرائيلي، وأصبح الجميع يطالب العرب وخاصة الفلسطينيين بضرورة توفير الأمن لإسرائيل حتى يتمكنوا من العيش بسلام!

وفي ظل الضعف والتشتت العربي، وحالة الضعف الناتجة عن ذلك في الموقف الفلسطيني، إضافة إلى حالة الانقسام الحالية داخل الصف الفلسطيني، فإن إسرائيل لم تعد تطالب بالأمن إلا من باب تأليب الرأي العام الدولي ضد الفلسطينيين وبعض الدول العربية، وتغير الشعار إلى "السلام مقابل السلام" بمعنى سلاما متبادلا، ولكن في حقيقة الأمر سلاما لإسرائيل فقط، وتطبيع علاقاتها مع الدول العربية من جميع النواحي، السياسية، الدبلوماسية، الاقتصادية، التجارية، الثقافية، وغيرها في مقابل عدم حصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة، واختفت مسألة إعادة الأراضي العربية المحتلة كاملة من الأجندة الإسرائيلية والأجندة الدولية ؟!.

أما في هذه المرحلة فيبدو أن الشعار أصبح "السلام مقابل الأرض" بمعنى أن إسرائيل ستمنح الفلسطينيين والعرب السلام، في مقابل التنازل عن أ جزاء من الأراضي العربية المحتلة تريد إسرائيل الاحتفاظ بها سواء في الأراضي الفلسطينية أو الجولان السوري، أو مزارع شبعا اللبنانية، ولعل هذا الشعار جاء بعد الضمانات التي قدمها الرئيس الأمريكي جورج بوش لإسرائيل، وبضمنها تأكيده على أن أية اتفاقات للسلام لن تفرض على إسرائيل العودة إلى حدود العام 1967.

والآن تجيء الدعوة لاجتماع أنابوليس، تحت شعار " دولتان لشعبين تعيشان جنبا إلى جنب في أمن وسلام " ، وهذه تمثل رؤية الرئيس جورج بوش التي طرحها في العام 2002م، وهذا العنوان يشير إلى أن الهدف من هذا الاجتماع البحث في إيجاد حل للنزاع الفلسطيني ــ الإسرائيلي، وليس البحث عن حل شامل لقضايا المنطقة، لأنه ولغاية الآن لم يتم الحديث عن الجولان السوري، ولا مزارع شبعا اللبنانية، وهذا يشير إلى إبقاء حالة التوتر وأجواء العداء قائمة في المنطقة إلى أمد لا يمكن التكهن بنهايته .

فهل أن اجتماع أنابوليس حقق النجاح المأمول، أم أنه فشل وتبقى المنطقة تراوح مكانها في المربع الأول الذي لم ينته، وتستمر دوامة العنف لتكون المسيطرة على المنطقة بأسرها، وما لهذه الدوامة من تأثيرات وتداعيات ليس فقط على صعيد المنطقة، إنما على المستوى الإقليمي والدولي ؟ ثم على أي من الشعارات أو المبادىء سالفة الذكر سوف يكون انعقاده ؟

يقول المثل الشعبي "إذا بدها تمطر بتغيم " ، ولغاية الآن لا توجد غيوم تبشر بقدوم المطر ، فالأجواء السياسية والأمنية التي تسود المنطقة حاليا لا تبشر بإمكانية نجاح الاجتماع لكونه تم إفراغه من مضمونه منذ اللحظة التي تم الإعلان عنه .

فبعد وقت قصير من إعلان الرئيس بوش عن دعوته إلى عقد " مؤتمر دولي " لتحقيق السلام في الشرق الأوسط ، ذكر الناطق بلسان البيت الأبيض أن المقصود ليس "مؤتمرا دوليا"، إنما "اجتماع " برئاسة وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس، وهكذا تحول من "مؤتمر دولي" المفروض أن يكون برئاسة ورعاية الأمم المتحدة، ولتنفيذ قراراتها، تحول إلى "اجتماع يكون" الآمر الناهي " فيه الولايات المتحدة، وهذا يعني أن الضمانات التي أعطاها بوش لإسرائيل ستكون في قمة أولويات هذا الاجتماع وموضع الاهتمام، إضافة إلى عدم موافقة أمريكا وإسرائيل حتى اللحظة بقبول وضع جدول زمني لإنهاء المفاوضات حول قضايا الوضع النهائي، مما يشكل عقبة كأداء أمام إمكانية نجاحه.

يضاف إلى ذلك ما يصدر عن المسؤولين السياسيين الإسرائيليين من تصريحات بشرت بفشل الاجتماع قبل انعقاده، خاصة ما صرح به إيهود أولمرت رئيس وزراء إسرائيل بأن "إسرائيل تشترط مسبقا اعتراف الفلسطينيين بها دولة يهودية، وأنه لا ينوي التنازل ولا بأي شكل من الأشكال عن مسألة الدولة اليهودية .. وهذا سيشكل شرطا لاعترافنا بالدولة الفلسطينية "حسب قوله، إضافة إلى التشريع الجديد للكنيست الإسرائيلي الذي ينص على أن "أي تعديل لقانون العام 1980 الذي أعلن القدس بشطريها عاصمة / كاملة وموحدة / لإسرائيل سيتطلب موافقة (80 ) صوتا في الكنيست المكون من (120)عضوا ، بدلا من (61) صوتا طبقا للأحكام الحالية"! وذلك رغم عدم القبول الدولي بقانون العام (1980) وضم القدس الشرقية لإسرائيل. وتلك التصريحات الإسرائيلية التي تتحدث عن عدم رفع سقف التوقعات من الاجتماع ، ورفض القبول بحق العودة، وما طرح مؤخرا من تصريحات لمسؤولين إسرائيليين حول القبول بإمكانية تقسيم القدس الشرقية إلى أحياء يعاد بعضها إلى السلطة الفلسطينية، في حين تحتفظ إسرائيل بالأحياء الأخرى التي تطلق عليها إسم "الحوض المقدس" مع بعض الترتيبات، ورفض الانسحاب إلى حدود العام 1967م، وتفكيك الكتل الاستيطانية .

وبرغم تنوع المواقف وتعددها من اجتماع أنابوليس ــ ما بين مرحب به، وغير مرحب ــ فقد كان الأمل بأن يتم "اجتماع الخريف" في أجواء ماطرة بالخير، وأن تعد الأرضية الخصبة لإنجاحه، وأن تجد اليد الفلسطينية الممدودة للسلام يدا أخرى ممدودة إليها، وأن تتوقف السياسات الإسرائيلية اليومية والمستمرة ضد الأراضي الفلسطينية من مصادرة للأراضي، وتكثيف الاستيطان، وهدم المنازل، وبناء الجدار العازل، والاجتياحات والقتل والاختطاف، ووضع الحواجز، ومواصلة الحصار، إلى غير ذلك من الإجراءات التي ليس من شأنها إفشال إجتماع أنابوليس فقط، إنما تدمير عملية السلام برمتها في المنطقة .

الجميع لا شك يذكر، أن مؤتمر مدريد جاء بعد حرب الخليج الثانية، حيث قادت الولايات المتحدة تحالفا دوليا ضد العراق بعد اجتياحه الكويت. والآن، يجيء اجتماع أنابوليس في ظل الأزمة التي تعيشها الإدارة الأمريكية في العراق، والخسائر التي تتكبدها قواتها هناك، إضافة إلى الخسارة الأخلاقية على المستوى الدولي، وفي ضوء التهديدات التي توجهها الإدارة الأمريكية ذاتها لإيران بسبب برنامجها النووي، هذه الظروف المتزامنة مع قرب بدء الاستعدادات للانتخابات الأمريكية المقبلة، واحتدام الصراع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في التنافس للفوز بها، خاصة وأن الديمقراطيين يستخدمون الأوضاع في العراق والمعارضة الشعبية المتزايدة في أمريكا لهذه الحرب والخسائر الجسيمة التي يتكبدونها هناك في حملتهم الانتخابية وصولا إلى البيت الأبيض، كل هذا يبدو أنه دفع بالإدارة الأمريكية الحالية للبحث عن مخرج لأزماتها المتلاحقة والمتواصلة، فكانت الدعوة لاجتماع أنابوليس .

مؤتمر مدريد انعقد في ظرف حرب، واجتماع أنابوليس انعقد أيضا في ظل حرب قائمة، وفي ظل حرب محتملة يتم التحضير لها ضد إيران وربما ضد أطراف أخرى أيضا، بمعنى أن الظروف الموضوعية هي التي فرضت عقد الأول، وهي التي تفرض الثاني، ولم يكن الهدف منهما الاهتمام بتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين خصوصا، وفي المنطقة عموما. إنما المصلحة الأمريكية، ومصلحة الرئيس بوش والحزب الجمهوري الذي يمثله، إضافة إلى أن المصلحة الإسرائيلية هي التي أملت على الرئيس بوش الدعوة لعقد اجتماع الخريف.

طالما أنه لم يتم إعداد الأرضية الخصبة من جميع النواحي السياسية والأمنية والاقتصادية والنفسية لإنجاح الاجتماع، وبما أنه افتقر إلى وضع الأهداف الحقيقية لتحقيق ذلك، ولكونه لم يتم الاتفاق حتى اللحظة على جدول زمني محدد لإنهاء المفاوضات حول قضايا الحل النهائي، التي من المفروض التوصل إليها قبل انعقاد الاجتماع ، للبدء بها بعد انتهائه، فسيظل من المشكوك فيه أن يحقق النجاح المطلوب. ولو أريد لهذا الاجتماع أن يحقق بعض النجاحات فإنه بالإمكان أن يتم الإعلان من جانب الإدارة الأمريكية، أن اجتماع أنابوليس يعد تمهيدا لعقد مؤتمر دولي "كامل الصلاحيات" برئاسة ورعاية الأمم المتحدة، يتم فيه الاتفاق على التوصل إلى سلام شامل وعادل من خلال التنفيذ الدقيق والأمين لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ضمن مهلة زمنية محددة.

وإلى حين الوصول إلى المؤتمر الدولي فإن ذلك يتطلب التوقف عن كل الممارسات التي من شأنها تعكير الأجواء، بما في ذلك الوقف الكامل لجميع الإجراءات الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة ، وإعلان استعدادها لتحقيق السلام وفقا لمبادىء الشرعية الدولية . - مفتاح 6/12/2007 -

http://www.miftah.org