دولتان أم دولة: حان وقت الاختيار
الموقع الأصلي:
أشارت «هآرتس» في تلك المقابلة الى مقالة سابقة نشرتها الصحيفة نفسها يوم 13 مارس (اذار) 2003 وفيها عبر أولمرت عن القلق نفسه بهذه الصياغة: أصبح عدد الفلسطينيين الرافضين لحل الدولتين عبر المفاوضات في تزايد لأنهم يريدون تغيير جوهر النزاع من النمط الجزائري إلى الجنوب أفريقي. من صراع ضد الاحتلال إلى صراع من أجل مبدأ شخص ـ واحد ـ صوت ـ واحد. وهذا بالتأكيد صراع أنقى وأكثر شعبية وفي الأخير سيكون أكثر قوة. بالنسبة لنا، سيعني انتهاء دولة إسرائيل». يبدو أن القيادة الفلسطينية انتبهت، ولفترة قصيرة، إلى الكابوس الذي يقض مضجع أولمرت. ففي 8 يناير (كانون الثاني) 2004 أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق أحمد قريع أن الجدار الذي بني فوق الضفة الغربية هو «حل الابارتايد» الذي «يضع الفلسطينيين في أقفاص كالدجاج، ويقتل حل الدولتين». ثم استنتج قائلا: «نحن سنتوجه نحو حل الدولة الوحيدة. فليس هناك حل آخر». وبعد ثلاثة أيام أعاد تأكيد هذا الحل أثناء وقوفه أمام الجدار. خلال سنوات «العملية السلمية» المتواصلة ظلت الآجال الأخيرة يضرب بها عرض الحائط. وما سهل فشل هذا المسلسل الحقيقة العملية التي تجعل إسرائيل ترى أن «الفشل» يعني بالنسبة لها «نجاحا»، وهذا ما ظل يسمح لها بمصادرة أراض فلسطينية أخرى، وتوسيع مستوطناتها في الضفة الغربية وبناء معابر للإسرائيليين فقط وجعل الاحتلال أكثر فأكثر ديمومة وغير قابل للتراجع عنه. لصالح كل الأطراف، يجب أن يتغير هذا المنهج. ففي جولة المفاوضات القادمة ستكون للفشل عواقب واضحة ومؤثرة تجعل الإسرائيليين في نهاية الأمر يواجهون وضعا كابوسيا. كل ما تحتاج إليه القيادة الفلسطينية الآن هو أن توافق علنا على ما قاله أولمرت. يجب أن تعلن بوضوح عن تأييدها لاتفاق سلام واضح يستند إلى مبدأ الدولتين المستقلتين، وأنه في حالة عدم تحققه في موعده الأخير الذي ينتهي بنهاية عام 2008 فإنها لن يكون أمامها خيار آخر سوى المطالبة بحقوق كاملة في المواطنة ضمن دولة تضم كلا من إسرائيل وفلسطين خالية من أي تمييز يستند إلى عرق أو دين مع حقوق متساوية لجميع من يعيشون هناك مثلما هو الحال في أي نظام ديمقراطي حقيقي. سيكون على الجامعة العربية آنذاك أن تعلن رسميا، عن أن مبادرة السلام العربية شديدة السخاء التي قدمت منذ مارس 2002 لإسرائيل سلام دائما وعلاقات دبلوماسية واقتصادية طبيعية مقابل التزام اسرائيل بالقانون الدولي، ستنتهي وتكون «خارج طاولة المفاوضات إذا لم يتم التوقيع على اتفاقية سلام إسرائيلية ـ فلسطينية قبل انتهاء عام 2008». حينذاك ـ وليس قبل ذلك ـ ستبدأ مفاوضات حقيقية. وقد لا يكون الوقت متأخرا جدا لتحقيق حل الدولتين المستقلتين حيث لن يكون هناك وقت أفضل لتحقيقه. وإذا كان الوقت قد فات حقا على ذلك فإن الإسرائيليين والفلسطينيين والعالم سيعرفون أن عليهم التركيز على البديل المحترم الوحيد. بل إن من الممكن، إذا فرض التركيز في السنة المقبلة، إمكانية العيش المشترك في دولة ديمقراطية مع حقوق متساوية لكل مواطنيها، وهذا في نهاية الأمر ما تراه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الشكل المثالي لحياة سياسية، ولعل الكثير من الإسرائيليين يصلون إلى قناعة ترى هذا التهديد باعتباره أقل كابوسية مما كانوا يظنون. وضمن هذا السياق، قد يجد الإسرائيليون أنه من المفيد التحدث مع بعض الأفراد من جنوب أفريقيا. فتحول جنوب أفريقيا من ايديولوجيا التفوق العنصري الأبيض مع النظام السياسي الموافق لها إلى نظام ديمقراطي كلي، حوَّل أبناء جنوب أفريقيا من أناس منبوذين عالميا إلى شعب مقبول في كل منطقتهم وفي العالم أجمع. كذلك ضمن استمرار حضور قوي وفعال للبيض في جنوب أفريقيا بطريقة ما كان النظام المبني على ايديولوجيا التفوق العنصري للبيض قادرا على تحقيقه. هذه التجربة ليست سابقة يجب إهمالها بل يمكن أن تكون مصدر إلهام. * محام أميركي متخصص في القانون الدولي - الشرق الأوسط 8/12/2007 - http://www.miftah.org |