دولة فلسطينية: لا.. شكرا
الموقع الأصلي:
ايهود اولمرت رئيس وزراء اسرائيل لم يؤيد فكرة الدولة هذه فقط، بل اعتبرها جزءا من مصالح اسرائيل الحيوية فبدونها يمكن ان تختفي اسرائيل من جراء التوسع الديموغرافي العربي سواء داخل اسرائيل نفسها او في الاراضي الفلسطينية المحتلة. فهذا المد البشري يمكن ان يحدث كارثة للدولة اليهودية من خلال المطالبة بحقوق مدنية متساوية مثل تلك التي يتمتع بها اليهود انفسهم. اقامة دولة، هي في واقع الحال، اضافة جديدة للتطلعات الفلسطينية. فالمطلب الفلسطيني الرئيسي بعد نكبة عام 1948 كان العودة . اي استعادة الارض السليبة وليس التمتع بحق تقرير المصير بعد مرحلة الاستعمار عبر الدولة المستقلة. حالة الغيبوبة التي عاشها الشعب الفلسطيني بسبب كارثة التهجير التي مني بها في عام 1948 استمرت حتي منتصف الستينيات، حيث اختفت تماما حالة الاحساس بالهوية الوطنية الفلسطينية. ولم يخرج الشعب الفلسطيني من حالة الوعي المفقود هذه الا بظهور حركة فتح تحت قيادة ياسر عرفات في المنفي الفلسطيني في اواخر الخمسينات. بعد هزيمة عام 1967 فقط بدأت الهوية الوطنية الفلسطينية تتبلور وفي جوهرها مفهوم الكفاح المسلح كقوة اساسية. فالكفاح المسلح حسب رؤية فتح هو استعادة الكرامة الفلسطينية واعطاء الفلسطينيين الكلمة في تقرير مصيرهم ومستقبلهم. المواطنة وبناء الدولة لم يكن لهما مكان في هذا المشروع، فالاقتراحات الاولي باقامة دولة في فلسطين (الضفة الغربية) قوبلت بالرفض التام، وجري اعتبارها انهزامية وخيانة للقضية الوطنية. ومن المؤكد ان هذا لم يكن ممارسة لبناء المؤسسة. ضم الاراضي وبناء الدولة بالسر، مثلما فعلت الحركة الصهيونية قبل عام 1948. بعد حرب عام 1973 عاد قادة فتح الي مفهوم الدولة مرة اخري. وجاء هذا التحول نتيجة قراءة واقعية لموازين القوي، واعترافا بمحدودية ما يمكن ان تحققه القوة سواء من قبل الدول العربية او الفلسطينيين، علي الارض من انجاز. ولذلك اضطر ياسر عرفات الي تأييد فكرة الدولة الفلسطينية ضمن حدود عام 1967 كتسوية تاريخية في المجلس الوطني الفلسطيني الذي انعقد في الجزائر عام 1988. وبمقتضي هذا التحول ستحصل اسرائيل علي 77% من اراضي فلسطين الانتداب، وسيبقي للفلسطينيين المساحة المتبقية اي 23% من ارضهم لاقامة دولتهم. الدولة الفلسطينية باتت الان في ايدي اسوأ اعداء الفلسطينيين تاريخيا اي اسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة الامريكية. الهدف من هذه الدولة هو تطويق وكبح تطلعات الفلسطينيين الجغرافية، واجبارهم علي التخلي عن حقوقهم الاخلاقية، والتنكر لتاريخهم، والاستسلام للاملاءات الاسرائيلية بشأن القضايا الاساسية المتعلقة بالسيادة. الجوهر لهذا المفهوم هو دعم السلطة الفلسطينية التي تستمد وجودها واستمرارها من وجود الجيش الاسرائيلي في الضفة الغربية، هذه السلطة تتحول تدريجيا الي غطاء للاحتلال الاسرائيلي، وباتت مهمتها الحفاظ علي المصالح الامنية الاسرائيلية المحددة من قبل اسرائيل نفسها والفريق الامني الامريكي الذي يشرف علي اعادة بناء قوات الامن الفلسطينية. وما زال من غير الواضح كيف يمكن بناء دولة مستقلة بحراب الدولة نفسها التي تحتلها. ثم كيف يمكن بناء مؤسسات هذه الدولة بينما يواصل الاحتلال تقرير اي مظهر من مظاهر حياة الشعب الفلسطيني؟ مفهوم الدولة كان جزءا من اهداف النضال الفلسطيني، وليس نقطته الجوهرية الاساسية. وفي جميع الاحوال كانت هناك فترة في منتصف السبعينات وما بعدها، عندما كان من الممكن ان تصبح الدولة الهدف الذي يجسد الاماني الوطنية الفلسطينية في حدود الواقع وامكانياته. هذا المفهوم بات اقل قبولا من اي وقت مضي، فايهود اولمرت يطالب الفلسطينيين بالتخلي عن تاريخهم. الرئيس بوش يقرر نيابة عنهم ما هي حدودهم وما هي حقوقهم وكيف يجب ان تكون. بينما يلوح توني بلير باصبعه، ويقول للفلسطينيين بانهم لن يحصلوا علي دولة بالمطلق الا اذا ارتقت الي مستويات شروطه في طريقة الحكم وشكله. المتوقع هنا ان يقول المرء لهؤلاء شكرا، ولكن لا شكر علي الاطلاق، ففي ظل هذه الظروف ربما يقرر الفلسطينيون اختيار شيء آخر، باحياء جذور الكابوس الاسوأ الذي يحاول اولمرت تجنبه، اي المطالبة بقرار اكثر عدالة المبني علي اسس مختلفة، اي الاحترام المتبادل والمساواة والاحساس الحقيقي بالمشاركة وتقاسم الارض. او ان يستمر الفلسطينيون في قول كلمة لا للدولة التي لا تخاطب احتياجاتهم الاساسية. وفي كل الاحوال من الصعب رؤية كيف ستفوز اسرائيل بهذا النضال علي المدي البعيد. - القدس العربي 15/12/2007 - http://www.miftah.org |