أعياد غزة
الموقع الأصلي:
غزة الآن هي الجحيم الذي تصبح كل التقارير وفي مقدمتها تقرير الصليب الأحمر قاصرة عن وصفه حتى أدق التفاصيل، فالحياة اليومية رحلة عذاب أو نهار أسود، بين شفق وغسق، والاجتياح حدث بالفعل رغم أن التهديد به لا يزال مستمراً، وهذه حيلة “اسرائيلية” معروفة، غالبا ما تنتهي الى إنجاز المهمات القذرة أثناء التلويح بها. تقول كاترينا ريتس رئيسة الصليب الأحمر في فلسطين، ان كل ما يقدم الآن لغزة هو مجرد ترقيع، ولو كانت تعرف العربية لأضافت التركيع أيضا، والحلول المؤقتة التي تقدم لغزة هي أشبه بجرعات تحذير، تعقبها آلام مضاعفة، وتقول السيدة ريتس إنه لا بد من حل سياسي لهذه المأساة. وتعول على مؤتمر المانحين القادم في باريس، ولو كانت تعرف العربية أيضا لاستبدلت كلمة المانحين بكلمة مضادة هي كلمة المانعين. ننهمك كعرب ومسلمين ومسيحيين الآن في الشراء وتسمين الخراف وكل ما له صلة بالبهجة الملفقة، وعلى مرمى رصاصة أو صرخة واحدة، ثمة بشر لا يجدون جمرة تحميهم من قشعريرة هذا الصقيع غير تلك الجمرة الطيبة التي قبضوا عليها وتشبثوا بها حتى حولت أصابعهم إلى شموع. إن ما يقوله تقرير الصليب الأحمر عن أهلنا في غزة يشعرنا بالخجل، إن كان قد تبقى منه شيء، فالأرض شبه مهجورة لأن أصحابها لا يجدون الحد الأدنى من متطلبات زراعتها وحراثتها، والشجر يعاقب أيضا، كما عوقب التراب نفسه بالتجريف. رهان السيدة ريتس هو حل سياسي لا إنساني، لأن الحلول المسماة إنسانية لم تعد ذات جدوى، و”إسرائيل” تتعامل مع أهل غزة بمنطق الأفواه اللامجدية الذي تعامل به الغزاة على امتداد التاريخ ودفع الكاتبة سيمون دي بوفوار إلى كتابة مسرحية سوداء عن هذه الدراما الكونية. ان ما تحتاج اليه غزة الجائعة والمحاصرة هو قليل من الخيال قبل أي حلول إنسانية أو سياسية، وهو أن نتصور أنفسنا هناك وأن نتحرر ولو دقائق من الأنانية الضيقة والمجنونة، فهناك في ذلك الجحيم أطفال وشيوخ وبشر من مختلف الأعمار والأوضاع يعانون من الاعتقال الجماعي، ولو استطاعت سلطات الاحتلال أن تحجب الشمس عنهم لحجبتها، أو منع الأوكسجين عن رئاتهم. إن للأعياد في تاريخنا العربي وجهاً آخر على الدوام، هو مآتم يعيشها ويموتها آخرون، كل ما اقترفوه من جرائم هو أنهم ولدوا هناك، وصمدوا على أرضهم، وراهنوا ذات ظهيرة عربية وقومية سوداء على أنهم ليسوا وحيدين، وأن نطاقهم القومي يمتد من الماء الى الدم أو بالعكس. - الخليج 18/12/2007 - http://www.miftah.org |