عام جديد من الآمال والتحديات
بقلم: د. أحمد مجدلاني
2008/1/2

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=8432


استقبل الفلسطينيون العام الجديد، وهم يقاسون مرارة الانقسام والصراع الدموي الداخلي، وفي خضم صراع لإثبات الوجود واستعادة الحضور الدولي والعربي لقضيتهم كقضية شعب يناضل من أجل الحرية والاستقلال والعودة، وودعوا العام الـمنصرم على ذات الآمال الـمحبطة، التي انطلقت مع نجاح العملية الديمقراطية انتخابياً، وفشلها ممارساتياً، بفعل انقلاب حركة حماس على الـمسار الديمقراطي، ومحاولة أخـذ ما لـم يؤخذ او ينتزع بالعملية الديمقراطية والوسائل السلـمية بالوسائل العنفية والقوة الغاشمة، كأساس لحسم الصراع الداخلي.

ورغم بوارق الأمل، التي بدأت ملامحها بعد الانقلاب الدموي في قطاع غزة بانطلاق تحريك العملية السياسية، لأسباب عديدة ومختلفة، إلا أن الأحداث العميقة الأثر في الحياة الـمجتمعية والسياسية الفلسطينية لا يمكن محوها أو تجاوزها أو القفز عنها بسهولة ويسر، وستظل إلى أمـد غير منظور تحكم العلاقات الوطنية الداخلية، وكذلك كعامل من عوامل الضغط الخارجي، الذي يضيف عبئاً جديداً، وعامل من العوامل الإضافية التي تضاف إلى سلة الذرائع التي تستخدمها إسرائيل للتنصل او التهرّب مـن التزاماتها، ومن تطبيق الاتفاقات الـموقعة معها.

ترحلت إلى العام الجديد سلسلة من التحديات الكبرى التي حملها العام الـمنصرم، رغم قسوته وصعوبة امتحانه، وخلق تحديات جدية أمام الشعب الفلسطيني وقيادته، وربما يشكل تحدي الـمضي بما أسفر عنه مؤتمر أنابوليس من نتائج سياسية، أبرز التحديات التي تواجه الحركة والفعل السياسي، خصوصاً اغتنام الفرصة التي وفرها الـمؤتمر مـن عودة الـمجتمع الدولي للتعاطي مع القضية الفلسطينية، كقضية سياسية، وكقضية شعب يرزح تحت الاحتلال، ويطمح للحصول على حريته واستقلاله، بدلاً من التعاطي معه إما كقضية أمنية تتصل بالإرهاب الدولي الذي نجحت إسرائيل في إلصاقه بنضال شعبنا، وساعدها في ذلك انتهاج البعض لأساليب نضالية خاطئة غلّبت الشكل على الـموضوع، او عبر التعاطي مع الـموضوع الفلسطيني من منطلق إغاثي إنساني.

إن الفرصة التي ولّدها مؤتمر أنابوليس من تصحيح وتصويب التعاطي مع القضية الفلسطينية تستوجب توظيف هذا الـموقف الدولي، الذي ترجم أقواله إلى أفعال ملـموسة في مؤتمر باريس الاقتصادي، وهـو الـمسار الثاني للـمسار السياسي، الذي انطلق في أنابوليس من أجل جعل العام الجديد عاماً للحرية والاستقلال والتخلص من الاحتلال، بعد أن تحول اسم الـمؤتمر وعنوانه من دعم "للأراضي الفلسطينية" إلى "دعم إقامة الدولة الفلسطينية". وللوصول إلى أداء سياسي ناجح يقربنا من تحقيق هذه الأهداف، التي توفر لها الـمناخ الـملائم عربياً ودولياً، ينبغي إيلاء الاهتمام بالوضع الداخلي ومعالجته على قاعدة من الوضوح والحزم، ووفقاً للتصورات التالية:

ــ إنهاء حالة الانقسام الديمغرافي والسياسي، وما حمله الانقلاب من نتائج وتداعيات فعلية على الأرض من خلال ممارسة الضغط والحوار بكافة أشكاله، وصولاً إلى اقتناع حركة حماس بأن لا مخرج لها من ورطتها التي وضعت نفسها فيها والنظام السياسي الفلسطيني، إلا بالتراجع عن هذا الخيار، خيار اللجوء للقوة والعنف، والعودة إلى الحوار الوطني الشامل، والذي ينبغي ان يتكلل بالعودة إلى الشعب، مصدر السلطات، ومنبع الشرعيات، بالاحتكام له عبر صناديق الاقتراع للخروج من الأزمة السياسية الطاحنة، والتي كلـما طال أمدها تعمّـقت وتجذرت ليس فقط بعامل الزمن، وإنما بتجذر قوى ذات مصالح بإبقاء الوضع على ما هو عليه، وربما الذهاب لأبعد من ذلك لتكريس حالة من الانقسام شبيهة ـ إلى حـدٍّ كبير ـ بما جرى بين باكستان الشرقية والغربية، والذي أدى إلى ولادة ما سمي بنغلادش لاحقاً، على أنقاض الدولة الواحدة. وفي حال حصول ذلك فإنه سيشكّل الضربة القاسمة للـمشروع الوطني التحرري، القائم على وحدة الشعب والأرض ومستقبل الكيانية الفلسطينية بالدولة الـمستقلة.

ــ التمسك بالبرنامج الوطني، برنامج م.ت.ف، الـمعبر عن الثوابت الوطنية، وخيار السلام الـمنطلق من مبادرة السلام الفلسطينية الـمبنية على قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية، ومتابعة العملية السياسية، التي استؤنفت بعد أنابوليس، انطلاقاً من الـمزج ما بين الـمرونة في الشكل، والتمسك بالـمضمون، ورفض فرض خيار مسار الاستيطان كمسار موازٍ للـمسار التفاوضي.

ــ مواصلة برنامج الإصلاح الاقتصادي والإداري، الذي تقوم به الحكومة الفلسطينية، بوضع معايير واحدة ومنظومة متكاملة لـمعالجة الوضع في مؤسسات وإدارات ووزارات السلطة، خاصة في الأجهزة الأمنية، ومع مواصلة تطبيق الخطة الأمنية، الرامية إلى تكريس سيادة النظام والقانون، وضمان تطبيق الخطة الاقتصادية، وصولاً إلى تنمية مستدامة قـد تشكل الخطة متوسطة الـمدى منطلقاً فعلياً لها، مع أهمية الـمراجعة والتدقيق الـمتواصل في أداء الحكومة، ومع ما يستلزم ذلك من تعزيزها وتطويرها لتحقيق برنامجها.

ــ رغم الـمؤشرات الإيجابية العديدة، التي أعطتها قيادة حركة فتح بعد زلزال الانقلاب في قطاع غزة، والـمضي قدماً في معالجة أوضاع الحركة داخلياً، والتحضير الجدّي لعقد مؤتمرها السابع، عبر تعزيز الـممارسة الديمقراطية الداخلية، واستخلاص الدروس من تجربة غزة، بتطوير أسس الشراكة السياسية الوطنية مع حلفائها في إطار م.ت.ف، فإن هذه الـمؤشرات ـ رغم أهميتها ـ فإنها ما زالت بحاجة إلى قوة دفع لإنجازها بأسرع وقت ممكن، حيث إن الصراع مع الزمن هو معيار لكي نستطيع ترجمة خططنا وتجسيدها لأفعال ملـموسة.

ــ تفعيل وتطوير م.ت.ف، والبدء الجدي في هذه العملية، التي كثر الحديث عنها، وقل الفعل فيها، وقد توفرت أكثر من فرصة للبدء جدياً به، خاصة بعد انقلاب حركة حماس على النهج الديمقراطي، وقد شكل عقد دورتين للـمجلس الـمركزي، العام الـماضي، بادرة جيدة نحو الانطلاق بعملية التفعيل والتطوير والتجديد في البنى والأدوات، وقـد تشكل الدعوة لعقد الـمجلس الـمركزي في الـ 13 عشر من الشهر الجاري، مرحلة جديدة وربما أكثر جدية وعملية في وضع برنامج التطوير والتفعيل على محمل الجد، والـمضي به، لتجديد الأطر والـمؤسسات الشرعية، ولتطوير وتجديد بنى الـمؤسسات الـمتقادمة والـمتآكلة بفعل الزمن، والـمهم من كل ذلك إعادة الاعتبار للبرنامج السياسي، وتجديد وتطوير الشراكة السياسية، في إطار الـمنظمة وما بين قواها وفعالياتها لإنهاء عقود من التفرد والاستئثار.

إن عملية الـمراجعة والنقد الحازم والجريء للتجربة ووضعها بشكل دائم على الـمحك لاستخلاص الدروس والعبر منها، هي احد أهم ضمانات النجاح في الوصول إلى الأهداف، وربما شكل ضعف الـمراجعة، واستخدام سلاح النقد واستبداله بسياسة الإطناب والـمديح على قاعدة "ليس بالإمكان أفضل مما كان"، احد أهم عوامل التراجع في مسيرتنا الوطنية، وربما تشكل الأحداث الكبيرة، التي خلقت تحديات كبرى، العام الـمنصرم، فرصة لحلها في العام الجديد، على قاعدة ورؤية جدية، تقوم على الـمراجعة والنقد والتجديد. - الأيام 2/1/2007 -

http://www.miftah.org