"إسرائيل" لا تثق بولاء بوش
بقلم: إميل أمين
2008/1/5

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=8443


مع زيارة بوش الأولى ل “إسرائيل” بوصفه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية تعلو في الآفاق ملامح أزمة ربما يحاول الطرفان إخفاءها لكنها وللمرة الأولى منذ سنوات طوال تخرج إلى العلن بعد أن كانت حديثاً يهمس به في المخادع.

فعبر ألفي عام من الدياسبورا “الشتات” حول العالم، رسخت لدى الشخصية اليهودية حالة من عدم الثقة في أي أحد وكل أحد من “الجوييم أو الأغيار” بمعنى كل من هو ليس يهودياً حتى لو كان من أصدقاء “إسرائيل” المقربين والمحببين إلى قلبها وليس من صديق اقرب ولا حليف اكبر من ساكن البيت الأبيض غير أنه حتى هذا الساكن يضحي مؤخراً مشكوكاً في ولائه.

انطلاقا من هذه الخلفية يكتب مدير الاستخبارات الخارجية “الإسرائيلية” (الموساد) السابق افرايم هالفي (1998-2002) عبر “يديعوت احرونوت” بلهجة هي مزيج من الشك والتهكم يقول: “الرئيس جورج بوش هو الرئيس الأكثر صداقة ل “إسرائيل” الذي تواجد في البيت الأبيض” هكذا قيل لنا، وانه “يتوجب علينا إنهاء المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين ما دام الصديق بوش في البيت الأبيض” وهذا ما قيل لنا أيضا. ويضيف إلى ذلك انه “أبدا لم يكن في السابق تنسيق دقيق بين “إسرائيل” وأمريكا مثل هذه الأيام”.

غير أن تطلعات هالفي الحقيقية تتضح عندما يصل إلى القول إن الحل الذي يحلق في سماوات البيت الأبيض هو “دولتان واحدة فلسطينية وأخرى يهودية أو أن “إسرائيل” ستنتهي”، عند هذا المنحنى يفقد مدير الاستخبارات “الإسرائيلية” السابق صوابه، ذلك بأن تلك التصريحات تعني له أن قيام دولة فلسطينية بجوار دولة “إسرائيل” أمر سينهي استقلالية “إسرائيل”، وعند مدير الموساد السابق أن إقامة فلسطين “ليس من أهدافنا” ودائما سيكون مصير “إسرائيل” في أيدي الشعب الذي يعيش في ارض صهيون وفي يد حكومته المنتخبة ولن يكون بأيدي الفلسطينيين.. أو من يناصرهم؟ فهل المقصود بمن يناصرهم هنا بوش وأطروحاته لقيام الدولة الفلسطينية.

يظهر هذا بوضوح من سياقات كثيرة تجعل الرئيس الأمريكي الحالي غير موثوق فيه سيما بعد أن بات على رأس إدارة تركت “إسرائيل” مؤخرا بمفردها في عراء المواجهة مع الدولة الساعية في طريق الحلم النووي.. فماذا عن ذلك؟

جاء تقرير مجمع الاستخبارات الأمريكية بشأن وقف إيران لبرنامجها النووي بحدود العام 2003 ليوجه صفعة مدوية ل “إسرائيل” التي تحلم حتى الساعة بدفع واشنطن لا للقضاء على برنامج إيران النووي فحسب، بل لإزالة النظام الإيراني من الوجود، وهما الأمران اللذان باعد بين تحقيقهما التقرير الاستخباري الأخير.

وفي هذا السياق وجدنا شكلاً من أشكال الثورة والفورة ضد جهاز المخابرات المركزية الأمريكية على نحو خاص، ولهذا نرى “يوئيل ماركوس” الكاتب “الإسرائيلي” يذهب في طريق التنديد والتذكير بانتكاسات الاستخبارات الأمريكية فيذكر “أن لمخابرات أمريكا تاريخاً لا بأس به من الإخفاقات فهي لم تتوقع سقوط الشاه الفارسي وسيطرة الخمينية على إيران في السبعينات ولم تتوقع العملية في البرجين التوأمين التي خططت لها القاعدة لسنوات في الولايات المتحدة، وفشلت في تقدير السلاح النووي والبيولوجي الذي زعم انه يوجد تحت قصور صدام حسين في العراق”.

والمقصود هنا دونما أدنى شك أن ما جاءت به ال CIA وما حولها من أجهزة استخبارية أمريكية أخرى بشأن إيران من تقديرات لا يمكن أن تكون صحيحة بالمطلق وكان هذا هو جوهر تصريحات افرايم هالفي ذاته لصحيفة النيويورك تايمز الأمريكية عندما أكد “أن “إسرائيل” يجب ألا تثق إلا بمعلوماتها”.

والحاصل أن إسقاط ولو إلى حين الخيار العسكري الأمريكي تجاه برنامج إيران قد أصاب “إسرائيل” في مقتل.. لماذا؟ ليس خافياً على احد الدور الذي نجحت فيه “إسرائيل” من خلال عملائها في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) في دفع واشنطن للحرب ضد العراق وإسقاط نظام صدام حسين، كان ذلك عبر “مكتب التخطيط” الذي أنشأه “دوجلاس فيث” الرجل الثالث في الوزارة وتحت إشراف ومعاونة “بول وولفويتز” نائب رامسفيلد، لدس المعلومات “الإسرائيلية” المنحولة مباشرة على بوش وتشيني اللذين تماهيا مع الكذب البواح ومضيا في طريق غزو العراق وبعيداً عن أي معلومات حقيقية أو اقرب للحقيقة تأتي بها أجهزة الاستخبارات الأمريكية.

هذه المرة وفي الطريق إلى طهران فشلت “إسرائيل” في استنساخ ذات التجربة، واستفاقت القوى المحافظة الأمريكية على حقيقة الجواسيس “الإسرائيليين” الكامنين في خبايا وزارة الدفاع كما الحال مع “لاري فرانكلين” رجل “فيث وولفوتيز” والذي كان يزود “الايباك” بمعلومات فائقة السرية عن أوضاع إيران الداخلية، ومنها إلى ناعور جيلور رجل الموساد الأشهر في سفارة “إسرائيل” بواشنطن.

والحاصل أن “إسرائيل” قد باتت بالفعل عبئاً تاريخياً استراتيجياً بالنسبة لواشنطن، والكشف عن أبعاد ذلك العبء يصاحبه رفض وانهيار للأساطير الأربع المؤسسة للعلاقات الأمريكية، والتي يمكن إيجازها في أن “إسرائيل” ضعيفة ومحاصرة ببحر من الأعداء، وأن الدولة العبرية تعد واحة ديمقراطية في صحراء الديكتاتورية، وثالثة الأساطير هي أن الشعب اليهودي يستحق معاملة خاصة بعد الاضطهاد، وأخيرا أن تل أبيب على خلق وجيرانها منحطون.

ومما لا شك فيه أن “إسرائيل” تدرك ما يجري من تطورات على الأراضي الأمريكية في غير مصلحة توجهاتهم ولعل هذا ما دفع إحدى الصحف “الإسرائيلية” (ماكورريشون) لأن تشير في عددها الصادر بتاريخ 10 فبراير/شباط 2005 إلى أن “إدارة بوش أكثر الإدارات عداء ل “إسرائيل” منذ العام 1967”. وذلك لأنها أول إدارة تؤيد إقامة دولة فلسطينية مستقلة غربي نهر الأردن، وتبنت قراراً في مجلس الأمن الدولي يدعو بشكل واضح إلى إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، يستند إلى خارطة الطريق ومشاركة اللجنة الرباعية الدولية في متابعتها وتنفيذها، وأخيرا بتخليها عن اخطر أعداء “إسرائيل” المعاصرين متمثلا في إيران ونظام احمدي نجاد.

والتساؤل قبل الانصراف: هل سيقدر لبوش مواجهة هذه الملفات الخلافية الجذرية بالحديث الهلامي الهيولي عن دفع عملية السلام وحتى لو كانت في مصلحة “إسرائيل” بعد أن باتت الأخيرة لا تثق فيه كثيرًا؟ - الخليج 5/1/2008 -

http://www.miftah.org