حصار غزة وتصفية القضية ...
بقلم: عدنان السيد حسين
2008/1/26

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=8576

بعد سقوط بغداد أفصحت الإدارة الأمريكية عن وعد ملتبس بإقامة دولة للفلسطينيين، بالتزامن مع إعلان “إسرائيل” كدولة يهودية. وعاد الرئيس جورج بوش ليطرح فكرة (الدولة اليهودية) في مقابل دولة فلسطينية غير محددة العناصر. واللافت أن فكرة الدولة الدينية، مهما كان معتقدها الديني، ليست مقبولة في مضمون الدستور الأمريكي الذي وقف وراءه جورج بوش.

الدولة الدينية لا تأتلف مع مضمون الدستور الأمريكي، ومع القوانين الأمريكية الصادرة لاحقاً. وكيف إذا كانت (الدولة اليهودية) في الأصل والأساس من دون سند مادي أو سياسي أو قانوني؟

هل يوجد (شعب يهودي) في الأصل والأساس عاش موحداً عبر التاريخ على أرض محددة، حتى يحصل على دولة واضحة المعالم الجغرافية وموصوفة في شعب محدد؟

هل يهود الخزر - يهود منطقة بحر قزوين - هم من أصول سامية؟ وكيف يشكلون مع يهود شبه الجزيرة العربية شعباً واحداً؟

هل (المتهودون) في أوروبا وبلاد الغرب عموماً من أصول سامية، وينتمون الى دولة واحدة أو قومية واحدة؟

أكثر من ذلك، من هو اليهودي؟ حتى الآن لم يتفق أحبار اليهود وحاخاماتهم على اليهودية، وعلى تحديد اليهودي!

في المقابل، ألا يستحق شعب فلسطين وطناً ودولة، وهو ما انفك منذ آلاف السنين متواصلاً مع أرضه؟

وعندما يتحدث الرئيس بوش عن الدولة الفلسطينية، لا نجد تحديداً لحدودها. إنها عرضة للتفاوض، وبالتالي فهي دولة مصطنعة نتيجة ميزان القوى القائم المختل لمصلحة “إسرائيل”. أين القانون الدولي والشرعية الدولية في هذه الحال؟

قد يُقال، متى كان القانون هو الذي يحسم في الصراعات الكبرى؟ وطالما أن القوة هي المسيطرة على طبيعة العلاقات الدولية، فإن الدولة الفلسطينية ستكون متواضعة نظراً للاعتبارات الآتية:

حدود الدولة يجب أن تناسب “إسرائيل” بحجة الأمن المزعوم. وعاصمة الدولة ليست القدس الشرقية، والدليل أن موضوع القدس سيبقى إلى آخر محطات التفاوض. هكذا تستمر سياسة تأجيل ملف القدس منذ كامب ديفيد المصرية “الإسرائيلية” (879w) حتى لا يطيح بالمفاوضات كلها. أما أمن شعب فلسطين فهو عرضة للمساومة.

إن شعب الدولة ليس كل شعب فلسطين. هناك فئات عدة: عرب 1948 داخل الخط الأخضر الذين يحملون جنسية “إسرائيلية” وعرب الضفة والقطاع، والفلسطينيون اللاجئون في ديار الله الواسعة.

في كنف (الدولة اليهودية) العنصرية بحكم تكوينها، ونتيجة النزعة الصهيونية، يصعب الإبقاء على نحو مليون وثلاثمائة ألف فلسطيني وفلسطينية. قد يُرحّلون في يوم ما إذا ما سمحت موازين القوى الإقليمية والدولية بذلك. نقول موازين القوى، وليست معايير الشرعية الدولية أو الأخلاقية.

أما اللاجئون فهم مطاردون في كل مكان. وقد يُطرح مشروع توطينهم حيث هم مع بعض التعويضات المالية 75 ألف دولار أمريكي للفرد، على أن تتكفل الدول المضيفة بتأهيلهم، هذا على سبيل المثال.

من يعتقد أن حديث الرئيس بوش عن التعويض المالي للاجئين مجرد اقتراح، أو زلة لسان، هو واهم. ثمة مشروع لتصفية قضية اللاجئين أخذ يتبلور منذ مؤتمر مدريد للسلام، في العام 1991. واجتماع أنابولس في نهاية العام الماضي لم يدافع عن حقوق اللاجئين تبعاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الرقم 194. كل شيء عرضة للتفاوض تحت ضغط دبلوماسية القوة.

في حمأة هذا الصراع المرير والطويل، لا بد من تسجيل موقف اعتراضي للتقاتل الفلسطيني - الفلسطيني. هذا أمر محرّم وطنياً، وإنسانياً، وتبعاً لأية شرعية. وطرفا التقاتل في موقع الإدانة بقطع النظر عن التبريرات والدوافع. كلاهما متورط في تصفية القضية الكبرى، قضية العرب الأولى، باعتراف الغرب قبل العرب أنفسهم.

كيف ستنشأ دولة فلسطينية متصلة جغرافياً بين غزة والضفة الغربية؟ أليس التقاتل الفلسطيني والصراع الممجوج على السلطة يقودان الى تصفية القضية؟

لا نبالغ إذا قلنا إن الصراع الفلسطيني الداخلي والضعف العربي العام، والضغوط الدولية المتمادية لمصلحة “إسرائيل” بعد متغيرات دولية صاخبة، هي ثلاثة أسباب مباشرة لتراجع قضية فلسطين، وتالياً دولة فلسطين، وتقدم ما اصطلح على تسميته (دولة يهودية).

غداً، أو بعد غد، سيكتشف الفلسطينيون والعرب الآخرون أنهم فرّطوا بقضية عربية كبرى، هي قضية إسلامية في الوقت عينه، وقضية عالمية تخص السلم والأمن الدوليين.

وعليه، فإن الإجحاف اللاحق بالفلسطينيين لن يحقق أمناً واستقراراً، على المستويين الدولي والإقليمي. هل ثمة فرصة لاستدراك ما فات من تخل فلسطيني وعربي؟

نعم، لا شيء اسمه في السياسة: الفرصة الأخيرة، ولكن، كيف ستتبدل أوضاع الفلسطينيين والعرب بما يعيد الاعتبار للقضية المركزية؟

يقف العرب والفلسطينيون أمام كارثة حصار غزة، ويتلقون النتائج التي تحدثها آلة الحرب “الإسرائيلية” تحت وطأة ردة الفعل من دون بلوغ مرحلة الفعل لحقيقي. لا تحرك دبلوماسياً موحداً على مستوى تداعيات الحصار، ولا حلاً جذرياً لإشكالية العلاقة بين فتح وحماس تمهيداً لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، ولا انطلاقة جديدة لإحياء مبادرة السلام العربية بشروط عربية. هل نبقى في دائرة ردة الفعل؟ هنا المعضلة.

http://www.miftah.org