لا لتصدير الصراع
بقلم: عبد الرحيم ملوح
2008/1/31

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=8622

منذ مرحلة بعيدة دخلت استراتيجية وأجندة صاحب القرار الإسرائيلي، مسألة التخلص من حقوق الشعب الفلسطيني، ومن مخاطر الديموغرافية الفلسطينية على الأرض الفلسطينية، ومن أجل وضع هذه الاستراتيجية موضع التنفيذ العملي، لجأ لفرض الحقائق على الأرض عبر الاستيطان والتهويد وتقطيع الأرض. والى تجزئة الحلول ووضع بعض القضايا في مواجهة البعض الآخر. وبرزت هذه الاستراتيجية بوضوح في اتفاقات أوسلو عندما ربطت بين استمرار الاحتلال وبناء الثقة، وحين رهنت انتهاء الاحتلال بالاتفاق على حل قضايا المرحلة النهائية الست دون تحديد مرجعية حلّها. او الالتزام بإزالة الاحتلال بكل أشكال وجوده المدني والعسكري، كأساس يسبق البحث في أية قضية أخرى. وفي اتفاقية باريس الاقتصادية التي يندر الحديث عنها هذه الأيام، ألحقت الاقتصاد الفلسطيني قانونياً بعجلة الاقتصاد الإسرائيلي من خلال اتفاق الغلاف الجمركي، بعد أن كان ملحقاً بها بقوة الأمر الواقع الناجم عن الاحتلال. وفي تطبيقات اتفاقات أوسلو انزلق الطرف الفلسطيني للقبول بتقسيم الأرض الى. A.B.C . والكل يعرف معناها، في حين ان الغالبية لا تعرف حدودها. وشيء شبيه حدث في اتفاقية الخليل H1 و H2 . وعندما تغيرت الحسابات السياسية والأمنية الإسرائيلية، أزال شارون بدباباته هذه الاتفاقات والتسميات والفواصل.

واليوم تعمل اللجنة الأمنية الفلسطينية- الإسرائيلية برعاية جنرال أمريكي لتطبيق المرحلة الأولى في خارطة الطريق، وبدلاً من التركيز على أولوية وقف العدوان والاقتحامات والاغتيال والاعتقال والاستيطان بما فيها القدس. نراها تركز على المسؤولية الفلسطينية وعلى دور الأجهزة الأمنية الفلسطينية، لتحويلها الى أداة في إضعاف وضرب المقاومة الفلسطينية بكل أشكالها للاحتلال. وباتت تعيش مدننا وقرانا ومخيماتنا، حالة من تقسيم الزمن أمنياً Am و Pm أي نهاراً للأجهزة الفلسطينية وليلاً لأجهزة الأمن الإسرائيلية، والمواطن الفلسطيني يدفع الثمن في كل الحالات.

وتطويراً لذات الاستراتيجية، أقدم شارون على الانسحاب من طرف واحد من غزة في أيلول 2005. تخلصا من العامل الديموغرافي الفلسطيني، ومن تبعات المقاومة الفلسطينية. ولأن البقاء في غزة لم يشكل طموحاً استراتيجياً إسرائيليا، فتبعات البقاء فيها أكثر بكثير من كلفة مغادرتها. ولم يدرك صانعي القرار الفلسطيني أبعاد خطوة شارون هذه حق قدرها. فشهدنا التقاتل على " السلطة" بين فتح وحماس وصولاً لإقدام حركة حماس على الحسم العسكري والخروج على الديمقراطية التي جاءت بها السلطة.

وطورت إسرائيل استراتيجيتها بتشديد الحصار على غزة وصولاً لقطع الكهرباء والوقود والدواء تحت ذرائع وحجج مختلفة، وحولت القطاع الى سجن كبير، وصعدت من عدوانها على أهل القطاع ، فحصدت الأرواح بالجملة. كل هذا دفع الغزيين تحت ضغط الحاجة، الى التوجه نحو الجنوب، نحو الأشقاء في مصر. ولم يكن أمام قيادة وشعب مصر الا استقبالهم وتسهيل خروجهم وعودتهم بعد تزودهم بما يحتاجون اليه. وفي خضم المأساة الإنسانية التي صنعها وأدارها الاحتلال، صرح بعض القادة الإسرائيليين بأن المسؤولية الإنسانية لأهل غزة تقع على مصر وليس إسرائيل رغم كونها قوة الاحتلال وهي المسؤولة مسؤولية كاملة ، وفقاً للقانون الدولي.

وتتكشف أكثر فأكثر معالم الاستراتيجية الإسرائيلية، عند التدقيق البحث الذي تقدم به د. عوزي اراد مستشار نتنياهو السابق ورئيس مركز هرتزليا المتعدد الاتجاهات، والذي يركز على الدراسات الاستراتيجية والأمنية والتحديات التي تواجه إسرائيل. ويعتبر المركز الأهم في إسرائيل منذ افتتاحه، حيث يشارك في أعماله كبار السياسيين والاستراتيجيين الأمنيين الإسرائيليين وبعض الضيوف من غير الاسرائيلين. ويتحدث فيه قادة إسرائيل وفي مقدمتهم رئيس الدولة ورئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس أركان الجيش وزعيم المعارضة. والملفت للنظر أنه منذ افتتاحه كرس جهداً خاصاً، لما يسميه الإسرائيليون بالخطر الديموغرافي الفلسطيني وعلى كيفية مواجهته، وعلى يهودية الدولة وديمقراطيتها . وتشكل أبحاثه وتوصياته قاعدة هامة وضرورية لصناع القرار السياسي الإسرائيلي.

وما تقدم به د. أراد علنياً هذا العام هام وخطير في آن. وأقول علنياً لأنه سبق وجرت نقاشاته على شكل ما يسمونه " بالعصف الفكري" او ورشات العمل. وجوهر مشروع د. عوزي اراد هو: التركيز على استراتيجية البحث في تسوية او صفقة " شاملة " بين إسرائيل والعرب ومعهم الفلسطينيين طبعاً، تستند للأرض والحدود أساساً، وبحيث تشارك فيه الدول العربية المحيطة بفلسطين، ونقاطه الأساس هي؛ إعطاء الفلسطينيين مساحة من أرض سيناء لتوسيع المدى الجغرافي لقطاع غزة، وإعطاء مصر بديلاً لها ممراً في جنوب فلسطين، يصل بينها وبين الأردن. وتسوية الحدود مع الأردن في وادي عربه، حيث هناك مساحة من الأرض متنازع عليها، وجرى تأجيرها لإسرائيل 1994. عبر تقاسم أرض الممر بينه وبين مصر، وبحيث يتخلى نهائياً عن هذه المساحة بديلاً لحصته في الممر الموعود. وتتخلى سوريا عن مناطق في الجولان [ المستوطنات والحدود الشمالية الشرقية لبحيرة طبريا ومنابع المياه ] وتأخذ بديلاً عنها أراضي من لبنان [ متنازع عليها ] مثل شبعا ومزارعها. ومقابل ذلك تُعطى لبنان مساحة من الأرض من شمال فلسطين كبديل للأرض التي ستتخلى عنها لسوريا، مقابل تخلي سوريا لإسرائيل عن مناطق في الجولان. وفي ما يتعلق بالأرض الفلسطينية، تبقى الكتل الاستيطانية بما فيها المستوطنات في قلب ومحيط القدس، ويجري التعويض عنها في سيناء كما سبقت الإشارة، ومن خلال إعادة أراضي وضمها بدون أو مع سكانها لمناطق السلطة الوطنية، والمقصود هنا أراضي المثلث ووادي عارة وهي ملاصقة لجنين وطولكرم وعدد سكانها يفوق المائتي الف فلسطيني. هذه هي النقاط الأساس في مشروع عوزي اراد ومركز هرتزليا. ومن يعرف جيداً طبيعة عمل المؤسسات الأكاديمية والإعلامية الإسرائيلية، وعلاقتها بأصحاب القرار السياسي والأمني، يدرك بأن أراد لم يعلن عن هذا المشروع بدون مشاورات ودعم الكثيرين من صانعي القرار السياسي والأمني الإسرائيلي.

وكل مدقق بهذا المشروع، وبمعزل عن محاولاته إيجاد مقاربة حل جغرافية- إقليمية ورغبته بالخروج من البحث الثنائي الفلسطيني - الإسرائيلي، ليصبح بحثاً أوسع، ومحاولة إغرائه لمصر والأردن بفتح ممر بري بينهما، وحل مشكلة الخلاف الحدودي بين سوريا ولبنان. إلا أنه يعمل لتنفيذ التطلعات التوسعية الإسرائيلية فهو اولاً؛ يسعى الى التخلص من جزء من مشكلة الديموغرافيا الفلسطينية التي تؤرق صاحب القرار الإسرائيلي، بما فيهم غلاة اليمين وأخرهم ليبرمان. والإبقاء على الكتل الاستيطانية في الضفة وفي داخل ومحيط القدس. والاحتفاظ بجزء من مرتفعات الجولان ومنابع المياه فيها وبكامل بحيرة طبريا. وثانياً؛ يريد قلب جوهر الصراع وتحويله الى صراع على الأرض والحدود بين الفلسطينيين والعرب، وبين العرب أنفسهم، كبديل عن كونه صراعاً بين كل هؤلاء جميعاً وإسرائيل الدولة القائمة بالقوة والعدوان.

إن على أصحاب القرار والمفكرين والسياسيين الفلسطينيين والعرب التصدي لهذه الاستراتيجية بما فيها هذا المشروع، وفضح مراميها وكونها لا تخدم في نهاية المطاف سوى مصلحة الاحتلال والعدوان، وتساهم بهذا القدر او ذاك في تصدير الصراع وفي إيجاد حلول للأسئلة المطلوب من الاحتلال الإجابة عليها، وفي مقدمتها الانسحاب من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة كاملاً، والتسليم بحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة وفي مقدمتها حقه في العودة وتقرير المصير وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس. هذه الحقوق التي كفلتها الشرعية الدولية، وضمنتها لقراراتها ذات الصلة، وعليهم الاهتداء بما قاله هنري كيسنجر المنظر السياسي لليمين الأمريكي والصهيوني: " ان مهمة القادة قبل كل شيء هي السير بمجتمعاتهم من المكان الذي هم فيه الى المكان الذي لم يسبق ان وصلوا اليه." وأضيف وليس العودة بشعبهم لتجارب ثبت عقمها، ودفع ثمنها غالياً.

ان المشاريع والأفكار الإسرائيلية، كثيرة، وقسم منها وضع لخدمة العلاقات العامة. ولكن الأساس هو ما تقوم به سلطات الاحتلال على أرض الواقع من استيطان وجدار وتغير خارطة الأرض المحتلة جغرافياً وديموغرافياً، ومن حصار واغتيال واعتقال. ومن تنكر للحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني. لقد آن الأوان ان تعاد الأمور الى نصابها، فإسرائيل قوة احتلال وعليها الرحيل عن وطننا وشعبنا، ونحن شعب يناضل من اجل الحرية والاستقلال والعودة، وكفلت الشرعية الدولية لنا كل هذا. وما علينا الا الإمساك بهذا ودعوة الجميع لمساندتنا من اجل تحقيقه

http://www.miftah.org