فتح وحماس و "لعبة الكتكوت"
بقلم: ناجي صادق شراب
2008/2/2

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=8632

العلاقات المتأزمة بين حركتي فتح وحماس تجاوزت حالة الاستقطاب والاحتقان السياسي إلى درجة أكثر تعقيداً على سلم درجات الأزمة، ومما يزيد التعقيدات بينهما أن عناصر الأزمة لم تعد مقصورة على العوامل الداخلية أو العوامل البنيوية المتعلقة بهشاشة النظام السياسي الفلسطيني ومؤسساته، بل تعدتها إلى العوامل الخارجية لتلعب دور المتغير الرئيسي في هذه الأزمة، ولذلك باتت الأزمة تقارب في أحد جوانبها الأزمة اللبنانية وهو ارتباطها انفراجاً أو تعقيداً بدرجة التوافق أو الاختلاف بين القوى الإقليمية الرئيسية وتحالفاتها الدولية، هذا على الرغم من ارتباط الأزمة في هذا السياق بدوافع ومصالح قد تكون بعيدة عن المصالح الفلسطينية.

ومن خلال استقراء تطور الأزمة بين الحركتين ليس في الشهور السبعة الأخيرة فقط، ولكن منذ سنوات طويلة قد تعود في جذورها إلى سنوات قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، يمكن التأكيد على أن هذه الأزمة لها أبعاد ومظاهر كثيرة، فمن ناحية ترتبط بالأبعاد الشخصية التي تتحكم في سلوكيات صانعي القرار في كلتا الحركتين، وفي بعد آخر ترتبط بطبيعة البرنامج السياسي لكلتيهما، وفي البعد الثالث ترتبط بهشاشة النظام السياسي الفلسطيني وقدرته على توفير إطار سياسي واسع للتوافق السياسي بين جميع الحركات السياسية الفلسطينية وليس فقط بين حركتي حماس وفتح. وفي بعدها الرابع ترتبط بضعف وهشاشة مؤسسات المجتمع المدني بما فيها الأحزاب والقوى السياسية وقدرتها على خلق حالة من التوازن تخفف من حالة الاستقطاب السياسي الثنائي واختزال النظام السياسي الفلسطيني بالقوتين الرئيسيتين، وفي بعدها الخامس ترتبط، كما سبق أن أشرنا، بدور العوامل الخارجية الإقليمية والدولية، وهو الذي ظلت القضية الفلسطينية عبر مراحلها الطويلة مرهونة بشكل التحالفات وموازين القوى التي حكمت علاقة القوة بين القوى الإقليمية والدولية الساعية إلى السيطرة على موارد المنطقة، وخصوصاً الولايات المتحدة وعلاقاتها التحالفية مع “إسرائيل”. وفي السياق ذاته لا يمكن تجاهل دور المتغير “الإسرائيلي” باعتباره متغيراً رئيسياً في معادلة الصراع والقوة في المنطقة، ودورها في تعميق أسباب الأزمة من خلال التحكم في المتناقضات بين الحركتين وتصويرهما على أنهما حركتان فلسطينيتان متعارضتان وغير متقابلتين سياسياً. وكأن إحداهما تعارض المقاومة بالمطلق والأخرى تدعم المقاومة وخصوصاً المسلحة منها.

عدة أبعاد، إذاً، تفسر حجم عمق الأزمة بين الحركتين والتي انعكست في العديد من المظاهر التي تتفاوت ما بين التشكيك في شرعية كل منهما، مروراً بالخطاب الإعلامي التحريضي والتخويني، والتنازع على السلطة وأحقية كل طرف بموقفه وانتهاء بحملات الاعتقالات واللجوء إلى بعض أساليب القوة في حسم الأمور.

وتتجه الأزمة بين الطرفين لحصر التفكير ليس في البحث عن المخارج والحلول، بقدر الدفع في اتجاه مزيد من التأزم والتصعيد، وذلك بهدف الخروج بأكبر قدر ممكن من المكاسب. وبلغة إدارة الأزمات فإن الطرفين يمارسان استراتيجية لعبة المباراة الصفرية بمعنى زائد واحد مقابل ناقص صفر للطرف الآخر، وهذا ما قد يفسر لنا بعض المواقف المتشددة في داخل الحركتين، ورفض التعامل حتى الآن مع الأزمة مع كل الحلول والمبادرات المطروحة. وفي يقيني تذهب العلاقات بين القوتين الرئيسيتين كما جاء في عنوان المقالة بلعبة أو استراتيجية الكتكوت، وهي عبارة عن سباق بين سيارتين مندفعتين بسرعة كبيرة في اتجاه واحد في طريق ضيق لا يتسع إلا لسيارة واحدة، وأمام السائقين الخيارات التالية، إذا استمرا في سرعتهما فالاصطدام بينهما حتمي وسيؤدي إلى تدميرهما، وإذا توقف أحدهما حتى يمر الآخر فقد يكون من وجهة نظره ونظر الآخرين موضع استهزاء. ولذلك الخيار الأفضل هو أن يتوقف كل منهما في نفس اللحظة تفادياً للخيارين السابقين. وهذا الخيار هو الخيار الفلسطيني الذي يستند إلى المصالحة الوطنية والحوار الوطني الجدي بمشاركة الجميع من أجل بناء نظام سياسي لمواطنيه جميعاً وليس لهذا التنظيم أو ذاك.

* أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر غزة

دار الخليج

http://www.miftah.org