الصراع على معبر رفح
الموقع الأصلي:
اقتحام الجماهير الفلسطينية المحاصرة في قطاع غزة للحدود المصرية في معبر رفح، اعتبرته جهات عديدة، كل حسب رؤيتها لمصالحها، (عملية تاريخية) غيرت الواقع الذي كان سائداً قبله، وأخرجت مسألة الحصار المفروض على مليون ونصف المليون من البشر من سوق التداول السياسي العقلاني نهائياً. لهذا تذكرت أصوات كانت صامتة داخل الكيان الصهيوني أن أي أسوار غير قادرة على منع إنسان جائع من أن يتحرك ليدمر تلك الأسوار ما دام لن يخسر شيئاً إضافياً، وأن سياسة العقوبات الجماعية سياسة فاشلة. ولهذا، فطن الاتحاد الأوروبي الذي كان قد انسحب ممثلوه من المعبر لا لسبب وإنما لأنه أراد أن يسهم في الحصار الذي فرضه الكيان الصهيوني، في موقف واضح الدلالة مندغم مع الموقف “الإسرائيلي”. أسباب الحصار كانت معروفة وأهدافه كذلك، وملخصها عدم الاعتراف بحركة (حماس) واعتبارها (حركة إرهابية)، ما برر عدم التعامل معها واعتبار القطاع (كياناً معادياً)، وبالتالي اتخاذ كل ما يلزم لإثارة الجماهير ضدها والعمل على إسقاط سلطتها. أما ذريعة إطلاق الصواريخ على المستوطنات القريبة من القطاع، فهي ذريعة ساقطة لأن الصواريخ كانت تطلق من القطاع على المستوطنات دائماً وقبل سيطرة (حماس) عليه. بعد اقتحام المعبر، أصبح مطلوباً معالجة الوضع الجديد بطرق جديدة، وأصبح أيضاً على الأطراف المعنية أن تتعامل مع (حماس) على نحو أو آخر، لذلك كانت الدعوة المصرية لوفد يمثل الحركة إلى زيارة القاهرة لبحث الموضوع، بعد زيارة قام بها الرئيس محمود عباس للغرض ذاته، وكانت اتصالات مصرية “إسرائيلية” قد جرت حول الموضوع نفسه، كما جاءت زيارة المسؤول الأوروبي سولانا إلى القاهرة في هذا الإطار. الآن، وبعد أن تبين أن السلطة الفلسطينية لا تزال تتمسك بموقفها وشروطها إزاء التحدث مع (حماس) فانتهت محادثات عباس في القاهرة بلا نتائج، تبين أيضاً أن نتائج مباحثات عمر سليمان مع وفد حماس برئاسة خالد مشعل لم تتوصل إلى اتفاق، كما أعلن عضو الوفد موسى أبومرزوق، بل إلى بعض (التفاهمات) التي لم يوضحها أحد. والملاحظات التي يمكن تسجيلها حول كل ما تم من اتصالات ومباحثات قامت بها مصر مع الأطراف المعنية هي، أولاً، أن مصر بدعوتها (حماس) إلى التباحث معها تقول إنها لا تستطيع تجاهل (حماس) المسيطرة على الأرض في القطاع، وإن الوصول إلى حل لا بد أن يتم بمشاركتها في هذا الحل. ثانياً، أن (حماس) من خلال تصريحات مسؤوليها تقول إنها لا تنكر أن الرئيس عباس هو شريك في أي حل كما هي شريك فيه، وأنه من الممكن قبول دور لمراقبي الاتحاد الأوروبي يتم البحث فيه. ثالثاً، أن الاتحاد الأوروبي قد يجبر على الاعتراف بشراكة (حماس) في أي حل يمكن التوصل إليه بشأن المعبر إذا وافقت عليه القيادة “الإسرائيلية”. رابعاً، أن حكومة أولمرت تتحكم عملياً في مواقف السلطة الفلسطينية والاتحاد الأوروبي، وهي بهذا تعطي نفسها حق النقض (الفيتو) لتعرقل به أي حل لا توافق عليه. حتى الآن لم يتم التوصل إلى الحل الذي يرضي كل الأطراف، ومع ما يبدو اعترافاً من جانب كل الأطراف المعنية بأنه لا يمكن العودة إلى الحصار السابق، تتقابل وتتقاطع وتتناقض أهداف تلك الأطراف، وكل طرف يحاول أن يحوّل المعبر من قضية جزئية تمثل بداية لكسر الحصار إلى (معبر) لحلول سياسية للقضية الرئيسية: القضية الفلسطينية برمتها. فالقيادة الصهيونية تريد أن تتخلص من المسؤولية عن قطاع غزة بشكل كامل ونهائي وتحميلها لمصر، إن أمكنها ذلك، بغرض إعادة الأمور إلى ما كانت الحال عليه قبل انطلاق المقاومة الفلسطينية المسلحة بعد يونيو/ حزيران 1967. وهي بهذا تضع يدها في الدرج الذي تحتفظ فيه بحل (الخيار الأردني) القديم بالنسبة للضفة الغربية، أو ما سيبقى منها، أو بنوع من (التقاسم الوظيفي) بين السلطة الفلسطينية والنظام الأردني فيها. لكن ما تفكر فيه هذه القيادة لا يتفق والمصالح المصرية، وما تسعى إليه مصر ألا تكون غزة باباً يخرّب علاقاتها التي رسمها اتفاق كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني، أو يجرها إلى وضع تجد نفسها فيه في مواجهة معه، وهو ما تسميه (عدم الإضرار بالأمن القومي المصري). وتبقى عقدة الموقف في نهاية الأمر فلسطينية. وعلى الرغم من أن حركة (حماس) تبدو محقة تماماً في أطروحاتها بشأن معبر رفح، من حيث يفترض أن “إسرائيل” لا علاقة لها بما يجب أن يكون عليه الوضع على حدود عربية عربية، ويفترض أيضاً أنها انسحبت من قطاع غزة، إلا أن نظرية (الأمن الإسرائيلي) تعيد خلط هذه الأطروحات كلها. لكن الاتفاق الفلسطيني الفلسطيني قادر على إلغاء كثير من المحاذير والاشتراطات، بل يجعل التوصل إلى اتفاق مصري فلسطيني إمكانية قائمة. المشكلة، كما يقول كاتب “إسرائيلي”، أن الرئيس عباس لا يستطيع أن يتفاهم مع (حماس) ليس بسبب (انقلابها) في غزة، بل لأنه ممنوع عليه أن يتفاهم معها لأنه إذا تفاهم معها فإن “الإسرائيليين” ليسوا مضطرين للاتفاق معه على أي شيء، ويصبح أفضل لهم أن يسعوا الى الاتفاق مع (حماس). أما (حماس) فتبدو أنها، رغم كل شيء، لا تزال تصارع على السلطة.
http://www.miftah.org |