غزة: وجع اللحظة، ووجع الإمارة المنفصلة
الموقع الأصلي:
غزة هي الوجع الفلسطيني الكبير بما هي عليه الآن ، وغزة وجع أكبر فيما لو أصبحت دولة أو إمارة معترفاً بها أو مفروضة تحدد علاقاتها الخارجية وترتيباتها الداخلية بمعزل عن الضفة والقدس. غزة هي وجع الشعب الفلسطيني اليوم . المواطنون الجوعى الذين يعانون نقص الغذاء وغياب الوقود اللازم والكهرباء والأدوية وفقدان الدخل ، كما ويعانون من الحصار والاجتياحات وعمليات القصف فيما استفادت حماس من الحصار مزيدا من الأموال المهربة عبر الأنفاق . ألم تقتل عملية القصف بالطائرات لمقر وزارة الداخلية الفلسطينية وتجرح العشرات من المواطنين الأبرياء فيما لم يصب أحد من حماس التي أستهدفها القصف، بل وقامت بإخلاء المقر مما فيه قبل نصف ساعة من القصف! ألم اتصل شخصيا بصديقي الحميم رجل الأعمال الغزي المعروف لأسأله عن رأيه تجاه ما يجري من مستجدات، فجاءني الصوت من الجهة المقابلة كالصاعقة: خليها على الله: أربعة من عائلتي أصيبوا حيث يسكنون بيتا مجاورا لمقر وزارة الداخلية، وراح يتحدث عمن فقد عينه منهم ومن أصبح في جسمه سبعين غرزة نتيجة الجراح الكثيرة وهكذا وهكذا. المعابر وليس معبر رفح وبتفجير الجدار المجاور لمعبر رفح يتكثف الوجع الغزي. وإذ تصبح حركة حماس على الحدود مع مصر متحكمة بها، تصبح غزة كإمارة ذات علاقات خارجية أمرا واقعا يراد تكريسه، فيما يستمر انفصالها عن الضفة الفلسطينية انفصالا كاملا مطلقا، فهل هذا ما يراد؟ لقد حاول الأخ احمد يوسف مستشار رئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية الحديث عن نتيجة مغايرة، حيث قال في الأسبوع الأخير انه سيتم لاحقا توجيه الجموع الى معبر ايريز لفتحه وبالتالي لفتح الطريق إلى الضفة! ولكن هيهات، فالرد الكريم لجمهورية مصر العربية على فتح معبر رفح بالقوة، لن يكون هو ذاته من جانب إسرائيل. وإذ يعرف القارئ أن الرئيس أبو مازن قد طرح مبادرة لمناقشة موضوع كل معابر القطاع مع إسرائيل ودول الجوار وحلها كلها كرزمة، وليس معبر رفح وحده، بما يمكن بالتالي من حل مشكلة التنقل بين الضفة وغزة، إضافة إلى مشكلة التنقل بين غزة ومصر مما يحقق وحدة جناحي الوطن من جهة، وروابطه مع العالم العربي من جهة أخرى. وإذ يعرف القارئ ذلك، وإذ تعرفه حماس، فلماذا لم يصار إلى العمل مع الرئيس أبو مازن بشكل مباشر، أو غير مباشر (عبر مصر مثلا) من أجل التعاون معا لتحقيق فتح المعابر كلها، وبدلا من ذلك تم تسويد منطق تعزيز الإمارة من خلال محاولة فرضها كرقم في العلاقات الخارجية عبر وضع القوة الفئوية على الحدود بديلا للأمن الفلسطيني الموحد والمعبر عن الشعب الفلسطيني وليس عن فئة بعينها؟ وإذ اقترح رئيس الحكومة الدكتور سلام فياض تولي معبر رفح وكافة المعابر، وهو الأمر الذي تتحمل إسرائيل والمجتمع الدولي مسؤولية الإبطاء في تحقيقه، وإذ أن لحركة حماس تحفظات على هذا الاقتراح لجهة رفضها للمراقبة الإسرائيلية على المعبر، فلماذا لم تقم حماس بتداول تحفظاتها هذه مع الرئيس الفلسطيني عبر مصر من أجل التوصل إلى تسوية بالحوار لتحفظاتها، ولماذا لجأت بدل ذلك إلى فرض نفسها منفردة على المعبر؟ هل تريد من ذلك الانتقال من استفادتها من الحصار عبر التهريب إلى الاستفادة سياسيا وتعزيز دورها كبديل عن منظمة التحرير الفلسطينية بداية في غزة مع الأمل بتحقيق ذلك في الضفة لاحقا؟ وإذ أن من المشكوك فيه أن تتمكن حماس من السيطرة على الضفة كما فعلت في غزة وذلك نظرا لعوامل متعددة لا يتسع المجال لنقاشها، فإن الوعد المتحقق على الأرض هو إمارة حماس في غزة، وليست الدولة الفلسطينية المستقلة للضفة وغزة معا. ويبقى السؤال والحالة هذه هو فيما إذا ستتمكن الإمارة الغزية المنفصلة من البقاء طويلا أم لا؟ ألمطلبي فوق السياسي إذ ستعود جمهورية مصر العربية لإحكام سيطرتها على الحدود في القريب العاجل، فإنه يصبح من المشروع التساؤل: ماذا حققت حركة حماس من كل هذه الخطوة بما يتجاوز مجرد تخفيف الاحتقان وفتح الباب للمواطنين للتزود بالأغذية والحاجات المعيشية ولكن لعدة أيام فقط، وبعدها قد تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه، بل وربما تصبح أسوأ؟ كما ويجدر التساؤل في هذا الصدد عن دور القوى التي تسمي نفسها قائدة، فهل لهذه القوى أن تستجيب للمطالب الآنية ولو على حساب الأبعاد الإستراتيجية البعيدة المدى؟ وبمعنى آخر ألم تفكر حركة حماس بكيفية إيجاد حل استراتيجي لمشكلة الحصار بدلا من إيجاد حل لأيام معدودات فقط لتوفير الاحتياجات الغذائية لمواطني القطاع؟ وفي المقابل فإن محاولة حماس لوضع نفسها على خارطة تقرير العلاقات الخارجية للشعب الفلسطيني في غزة لن تنجح طالما تتم هذه المحاولة بشكل منفرد وليس من خلال اتفاق فلسطيني - فلسطيني يوضح الأدوار والمهمات لكل طرف. كما أن استخدام العنف والتفجيرات لتحقيق ذلك سيجعل من الصعب أيضا الاستجابة لرغبة حماس بأن تكون المقرر في تنظيم هذه العلاقات الخارجية. ولربما فكرت حماس أن تفجير الجدار الحدودي مع مصر هو حدث على غرار هدم جدار برلين. ولكن هذا الأخير قد هدم ضمن عملية تغيير جذرية انهار خلالها النظام الشيوعي من ألمانيا الشرقية باتفاق بين أبناء الشعب الألماني كله، أما تفجير جدار رفح فلم يتم في إطار اتفاق وطني لا على الآلية، ولا على طريقة إدارته بعد السيطرة عليه. كما أنه تم بطريقة محرجة للشقيقة العربية الكبرى مصر التي يراد الآن استقطابها لدعم طرف فلسطيني ضد طرف فلسطيني آخر. فهل هذا يجوز؟ تبعات وذيول كما أن لتفجير معبر رفح تبعات وذيول خطيرة لا تتوقف عند ما تقدم، وإنما تتجاوزه إلى إبراز الشعب الفلسطيني كشعب إرهابي يحقق ما يريد عن طريق التفجيرات، كما سيؤدي الى تعزيز فصل غزة عن الضفة سياسيا، وستزداد المخاوف الأمنية الفلسطينية من محاولات فلسطينية لتنفيذ تفجيرات داخل مصر، أو للتسلل إلى داخل إسرائيل عبر الأراضي المصرية لتنفيذ عمليات فيها، وهكذا. يضاف إلى كل ما تقدم أن ما جرى سيشجع إسرائيل على التنصل من مسؤولياتها كقوة محتلة تجاه قطاع غزة، وكذلك التنصل من إنهاء احتلالها للضفة بذريعة عدم قدرة السلطة الفلسطينية على توحيد الضفة وغزة معا. وفوق ذلك ستدعو إسرائيل إلى توسيع قطاع غزة على حساب سيناء بديلا لتوسيعه على حساب النقب وهو الأمر الذي ورد في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية السابقة. أليس صحيحا بناءً على ذلك تعقيب الرئيس أبو مازن على ما جرى بأنه يصب في مصلحة إسرائيل في تقسيم الوطن وشطره عن بعضه البعض، من أجل أن تصيح العملية السياسية مستحيلة؟ ألا تصبح إمكانية استئناف الحوار الفلسطيني - الفلسطيني في ظل ذلك أكثر صعوبة، حتى ولو تمت لقاءات في إطار ذلك فإنها ستكون بمثابة حوار طرشان، سيما وأن حماس قد تتمسك بسيطرتها على معبر رفح وقد لا تتنازل عن ذلك إلا إذا فرض الأمر عليها فرضا؟ ألا يضيف ذلك جرحا جديدا في خاصرة الانقسام الفلسطيني المتفاقم لتزيده تفاقما؟ وبناءً على ما تقدم يبقى السؤال الأخير متعلقا بكيفية تطويق الآثار السلبية لما جرى على العلاقات الفلسطينية الفلسطينية، والعلاقات الفلسطينية العربية والدولية؟ في هذا الإطار فقد دعت جمهورية مصر العربية الأطراف الفلسطينية إلى التحاور المباشر أو غير المباشر في القاهرة تحت إشرافها، وسيكون محبذا لو خرج عن هذا الحوار حل متفق عليه لكيفية إدارة معبر رفح، مترافقا مع تطوير خطة عمل لفتح كافة المعابر الأخرى لقطاع غزة ضمن إطار خطة أوسع للتهدئة شاملة للضفة وغزة ولفتح الممر الآمن بين الضفة وغزة ووضع إسرائيل أمام مسؤولياتها تجاه كل هذه الأمور. هل هذا ممكن أم سيسود منطق الإمارة على حساب منطق الدولة الموحدة للشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع معا؟ وليد سالم عضو المجلس الوطني الفلسطيني صحيفة القدس
http://www.miftah.org |