ماذا نفعل مع غزة؟!
الموقع الأصلي:
.. واسرائيل ايضاً منقسمة على نفسها ازاء السؤال المهم والخطير والمحير.. ماذا نفعل مع غزة؟! محاولات الاجابة على هذا السؤال الذي يبدو بسيطاً وربما ساذجاً، تواصلت ولا تزال من دون حدوث اجابة يقينية، فمنذ خطة الاجتياح المتدحرج، السارية حتى اليوم، وحتى "قبة الفولاذ" التي تنوي اسرائيل اقامتها فوق سديروت لحمايتها من الصواريخ، لا يزال السؤال كما كان دائماً، لا يحظى الا باجابات حائرة ومرتبكة، كافة البدائل استخدمت، من الحصار حتى الاجتياحات الجزئية واغلاق للمعابر وتجويع المواطنين في القطاع، دون ان تتكفل هذه البدائل بوضع حد لاستمرار السؤال: ماذا نفعل مع غزة؟ السؤال ما زال مشرعاً، ومعه يتحول المجتمع الاسرائيلي الى ثقافة جديدة، لا يخجل البعض هناك من ان يعقد مقارنة، بين ما كان يحدث في شمال اسرائيل، عند تهديدها المتواصل خلال عقود من خلال العمليات الفدائية وصواريخ الكاتيوشا والغراد، في ذلك الوقت، تحولت المستوطنات والقرى والمدن شمال اسرائيل من مناطق سياحية إلى مناطق منكوبة، ومن مناطق تصدر المنتوجات الزراعية الى مستورد لعناصر الجيش الاسرائيلي بحيث تزايدت الثكنات العسكرية على حساب الاراضي الزراعية، وبدلاً من ان تنهض العمائر والبنايات العالية، اضطر الاسرائيليون إلى بناء الملاجئ تحت الارض، هذه هي صورة الوضع باختصار لما حدث في شمال اسرائىل عندما كان العمل الفدائي في اوج ازدهاره، مع تعدد اشكال المقاومة من الغارات الفدائية وحرب العصابات الى العمليات الانتحارية (هكذا كانت تسمى في ذلك الوقت). مع ذلك، شعر سكان اسرائيل في تلك المناطق، ان كل اسرائيل تقف معهم، فسنت قوانين تضمنت اعفاءات وعطاءات لتشجيع السكان على البقاء، السكان الآخرون ابدوا تعاطفهم من خلال تبرعات وتشكيل منظمات وجمعيات لدعمهم، وزيارات من المسؤولين ومن التجمعات السكانية لمناطق الخطر بهدف احساس سكان المناطق المنكوبة بالتكافل الاجتماعي معهم، وباختصار، فان هذه المناطق "صمدت" رغم تواصل العمليات الفدائية من قبل المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، ومقارنة ما يجري في سديروت، فان الاسرائيليين وهم يحاولون الاجابة عن سؤال: ماذا نفعل مع غزة؟ يجدون ان هناك فرقاً بين سديروت وشمال اسرائيل، فالاولى تقع على غلاف منطقة تعترف بها اسرائيل، ضمناً على الاقل، انها منطقة محتلة، وعليها ان تدفع هذه المدينة - سديروت- ثمن ما جنته خلال فترة الاحتلال طوال 40 عاماً، عندما كانت وحدها، مع مناطق غلاف غزة، تستفيد مباشرة من مجاورتها لقطاع غزة المحتل، اما مناطق شمال اسرائيل، فلا تتجاور مع مناطق محتلة، الا لفترات محدودة عندما تم احتلال جنوب لبنان، من قبل اسرائيل، او من قبل الميليشيات اللبنانية المتعاونة معها، يقول الاسرائيليون - بعضهم على الاقل- على احد ما ان يدفع ثمن احتلالنا لقطاع غزة سنوات طويلة، اخضعناه مع سكانه لكل نزواتنا ورغباتنا وفرضنا عليه وعلى مواطنيه كل اشكال الضيم والظلم والقتل، وعندما يحين موعد "الحساب" فلا يجب ان نتجاهل ما فعلته ايدينا. لكن هذا البعض من الاسرائيليين، يظل حائراً امام السؤال المنتصب بقوة: ماذا نفعل مع غزة، البعض الاخر حاول الاجابة من خلال خطة "قبة الفولاذ" بينما ظلت المسيرة ترتسم على اوجه كل من له علاقة بالاجابة على السؤال، خاصة وان الخطط المتدحرجة لم تشكل اجابة عن السؤال، من هنا تصدى بعض الاسرائيليين الى اجابة متسرعة على السؤال، بالقول: لنقتحم ونجتاح قطاع غزة، ولنضع حداً للحيرة امام السؤال، لكن هذه الاجابة استولدت اسئلة جديدة، وماذا بعد اعادة احتلال غزة بشكل مباشر؟ كيف سنخرج منها فيما بعد، والسؤال الأهم، وماذا اذا تم احتلال غزة من دون ان يكون ذلك كافياً للاجابة على السؤال، أي بقاء اطلاق الصواريخ مستمراً، حتى لو تدنى عددها، اذ ان الامر لا يتعلق بضحايا هذه الصواريخ، بل بما تسببه من حالة نفسية لدى سكان سديروت، الذين يعيشون على وقع سقوط صاروخ ما، في لحظة ما، لا يستطيع احد ان يتكهن بموعد قدومه وسقوطه. احد الذين تصدوا للاجابة عن السؤال في الأيام الاخيرة، موشي ارينز، والذي كان سفيراً لاسرائيل لدى الولايات المتحدة عندما اجتاحت الاولى لبنان العام 1982، ولعب دوراً خطيراً في التنسيق بين اسرائيل والولايات المتحدة بشأن هذا الاحتلال، وهو نفسه اصبح فيما بعد وزيراً للدفاع، هذه الايام، لا يرى ارينز بداً من اجتياح شامل لقطاع غزة، ويرد على منتقدي الاجتياح، ان المهم ليس الاجابة على السؤال، بل بحساب أقل الخسائر، عندما نجتاح غزة الان نضع حداً، لاجتياحها فيما بعد، الآن افضل الاوقات لان الصواريخ ذات مدى قصير واقل فاعلية، واذا انتظرنا اشهر وسنوات اخرى، تكون هذه الصواريخ ذات مدى أطول وأكثر غزارة وقدرة، فما هو الافضل القيام بالمخاطرة الان، أم القيام بها فيما بعد؟! نحن الان - يقول ارينز- بحاجة الى قبة فولاذية تغطي سديروت، ولكن اذا استمر الوضع على ما هو عليه، فاننا سنكون بحاجة إلى قبة فولاذية لتغطي كل اسرائيل، فلنوفر على انفسنا كلتا القبتين، ونقوم بالاجتياح والاحتلال الآن وليس غداً. نصيحة "ارينز" للمستويين السياسي والامني في اسرائيل، لا تفهم فقط كاجابة عن السؤال: ماذا نفعل مع غزة؟! ولكن الأهم بالنسبة لهؤلاء، ان ارينز يهدف الى اخضاع القيادتين السياسية والامنية الى اختبار وتجربة ربما تتكرر مع ما حدث في لبنان، فتسقط هذه القيادات لكي تفسح المجال لحزب الليكود، العودة الى الحكم حتى دون الحاجة الي المزيد من لجان التحقيق؟!
http://www.miftah.org |