الكل يريد التهدئة ولكن ؟
بقلم: ناجي صادق شراب
2008/3/19

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=9001

يشكل خيار التهدئة الشاملة الخيار المشترك أو الخيار المصلحة بين جميع أطراف الصراع العربي ألإسرائيلي هذه المرة ، ولعلها المرة الوحيدة التي تلتقي فيها مصلحة الجميع في خيار مشترك وحتى للقوى ألإقليمية والدولية المعنية قدما بالعملية التفاوضية إلى نهاياتها على أمل الوصول إلى نتائج إيجابية تتوج بالتأكيد على قيام الدولة الفلسطينية وإعلان مبادئ عام لتسوية الصراع وبالتالي يكون خيار المفاوضات قد حقق اهدافه على إعتبار أنه خيار إستراتيجي ، وهذا ما يفسر لنا موقف الولايات المتحده والموقف ألأوروبي كذلك .

فحركة »حماس» من ناحيتها وهي تضع نفسها فى صف خيار المقاومة ، وترفض الإلتزام بشروط الرباعية الدولية والدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل قد تفقدها مصداقيتها السياسية ، وبعد سيطرتها الكاملة على غزة ، معنية بالتهدئة الشاملة انطلاقا من عدة اعتبارات: أولها أن التهدئة تتيح الفرصة أمام خيار البقاء والصمود وتأكيد سلطتها وهو ما تحتاج معه الى تهدئة ورفع للحصار وفتح للمعابر ولو جزئيا وهو ماسيسجل على أنه إنتصار سياسي يمكن أن يبنى عليه في خطوات قادمة .

وثانيا التهدئة الشاملة توفر للحركة تجنب الدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل ولو لفترة زمنية قد يلعب فيها عنصر الزمن عاملا هاما تتضح فيه إلى أين ستتجه ألتحولات والتحالفات الإقليمية والدولية وما إذا كانت ستصب في صالح الحركة أم لا .

من ناحيتها مؤسسة الرئاسة بحاجة إلى خيار التهدئة الشاملة حيث خيارها ألإستراتيجي المفاوضات ، والتأكيد على المقاومة السلمية ، ولكي تتوفر لهذا الخيار مقومات ألإستمرارية على أمل الوصول إلى نتائج نهائية تؤكد مصداقية خيارها وجدواه فلسطينيا ومن ثم تكون الرئاسة قد أوفت بخياراتها السياسية ويبقى الأمر متروكا للشعب الفلسطيني في ألإختيار ما بين قيام الدولة أو ألإستمرار على الوضع الراهن .

هذا الخيار في حاجة إلى تهدئة على ألأرض ، والحيلولة دون إستمرار العدوان الإسرائيلي ، لأنه لا يستقيم ألإستمرار في التفاوض وهناك عدوان وخسائر بشرية وماديه سواء فى غزة أو غيرها من المدن والقرى الفلسطينية .

وفي الوقت ذاته يؤكد هذا الخيار سلامة موقف الرئاسة لأنها كانت دائما تطالب به ، ويؤكد على عدم فعالية إطلاق الصواريخ .

أما إسرائيل فهي وعلى الرغم من تفوقها عسكريا بحاجة للتهدئة أوعلى أقل تقدير وقفا لإطلاق الصواريخ والتحكم في عملية تهريب ألأسلحة عبر ألأنفاق إنتهاء بخيارها البعيد المدى وهو فك ألإرتباط الكامل بقطاع غزة . فإسرائيل ورغم إعتبارها غزة كيانا معاديا وخطرا فإن هدفها الملح ألأن هو وقف عملية إطلاق الصواريخ ووقف العمليات داخل إسرائيل ولذلك كانت عملية القدس ذات مغزى كبير في هذا السياق ، فهي تدرك عجزها على مواجهتها ووقفها ، وقد تكلفها بقاء الحكومة ،

وثانيا إدراكها ان خيار ألإجتياح الشامل سيكلفها ثمنا باهظا وقد لا يكون مضمون النتائج ،

وثالثا من مصلحتهاالإستمرارية في العملية التفاوضية أيضا لأن الظروف السياسية السائدة فلسطينيا وإقليميا ودوليا ما زالت تعمل لصالحها وبالتالي قد تدفع للحصول على أفضل النتائج التفاوضية وقد تفتح لها أبواب الدول العربية ، ومن ثم قد يشكل هذا برنامجا سياسيا لأولمرت وحزبه في حال الدخول في عملية إنتخابية مبكرة ، فحزب كاديما ليس له برنامج سياسي واضح ، وكل ما يملكه رؤيته أحادية الإنسحاب كما حدث في غزة ،

ورابعا قد توفر التهدئة لاسرائيل ألإستمرار في بناء جدار الفصل وتطلق سراح أسيرها جلعاد شاليط الذي يمثل عبئا على حكومتها .

وخامسا وهذا هو ألأخطر إسرائيل لن تخسر شيئا لأنها تتحكم في قواعد اللعبة السياسية الفلسطينية وتحركها كيفما شاءت .

كلا الطرفبن الفلسطيني وألإسرائيلي بالنسبة لخيار المفاوضات ، يعتقد كل منهما أن البديل لهما هو ألأسوأ ، سيكون حكومات أكثر تشددا وتطرفا وبالتالي هما فى حاجة إلى فرصة سياسية لا تتوفر إلا بالوصول إلى التهدئة الشاملة .

أما على الصعيد ألأمريكي ، وعلى الرغم من الموقف المعادي لحركة حماس وما زال ، فان واشنطن تتبنى الموقف ألإسرائيلي ، وفي حاجة إلى التهدئة للدفع بخيار المفاوضات إلى ألأمام وهذا قد يفسر لنا زيارة ديك تشيني ، ووزيرة الخارجية ألأمريكية للمنطقة ،

مثل هذه الزيارات لا يمكن أن تتم إلا وهناك تهدئة ،وإدراكا منها ايضا أن ألأدارة الحالية ورغم ما تبقى لها من شهور قليله لكنها القادرة على المضي بالعملية التفاوضية إلى منتهاها ، ومن ثم يكون الرئيس ألأمريكي قد أوفى بوعده بقيام الدولة الفلسطينية ، وهذا قد يمهد لزيارة أخيرة للرئيس بوش للمنطقة تتويجا للمفاوضات وبالتالي يسجل له هذا الإنجاز السياسي شخصيا ولحزبه في وقت تكون فيه إنتخابات الرئاسة قد وصلت إلى ذروتها .

أما الدول العربية ومصر خصوصا فهي معنية بالتهدئة ، وأن تبقى غزة هادئة وغير قابله للتفجر وعدم الإستقرار ومن هنا حرص مصر على الحوار الفلسطيني وتحقيق المصالحة الفلسطينية .فهناك مصلحة أن تحقق العملية التفاوضية أهدافها فمن شأن ذلك أن يخفف الضغوطات التي تفرضها الشعوب العربية على حكوماتها ، وفى النهاية يتحمل الفلسطينيون مسؤولياتهم .

كل هذه الحسابات توضح لنا أن خيار التهدئة يشكل خيار مصلحه مشتركه لجميع ألأطراف ولكن كل من منظوره ، وستبقى التهدئة خيارا مؤقتا محكوما بعامل الزمن وتبدلاته لصالح أي من ألأطراف فالمرحلة القادمه مرحلة التحول فى السياسات والتحالفات القائمه ، وهل سينجح الفلسطينيون فى إستثمار هذه التهدئة بما يخدم الحوار والمصالحة الفلسطينية لأنها الخيار ألأكثر ديمومة وضمانا للفلسطينيين ؟ ألإجابة على هذا السؤال بانتظار التطورات القادمة.

القدس

http://www.miftah.org