استهداف المقدسات في فلسطين
الموقع الأصلي:
إلى أين تمضي "إسرائيل" في مشروعها الكولونيالي على الأراضي في المدينة المقدسة؟ تساؤل تجيب عنه أقوال بن جوريون قبل نحو ستين عاما: "لا معنى ل "اسرائيل" من دون القدس ولا فائدة للقدس من دون الهيكل" وفي هذا السياق يدرك الناظر للمشهد المقدسي ماذا يعني مشروع "واجهة القدس" والذي يهدف قلباً وقالباً إلى عبرنة مدينة الآلام وتهويد أرض الأقصى المبارك بحيث تضحى المدينة يهودية الهوى والهوية. هل ما تسعى إليه "إسرائيل" أمر مستجد أم أنه حقد كامن تحت الجلد اليهودي تجاه المقدسات المسيحية والإسلامية في القدس المحتلة؟ في أوائل عام 1989 نشرت مجلة "التايم" الأمريكية تحقيقاً تحت عنوان "هل آن أوان بناء الهيكل الجديد؟" وتبعته بعنوان فرعي يقول "اليهود التقليديون يأملون في تشييد بنائهم المقدس لكن مسجداً وقروناً من العداء تقف في طريقهم". وحسب الأطروحة الصهيونية البغيضة فإن الأقصى يقوم اليوم مكان الهيكل، لذا فإنه ما من بديل إلا زوال الأقصى من الوجود حتى يفسح الطريق لبناء الهيكل ومن ثم إقامة الذبيحة التي توقفت عبر نحو ألفي سنة. وعند اليمين الأمريكي المخترق صهيونياً أن بقاء الأوضاع هناك على هذا الحال هو "وصمة عار"، كما ذهب جيري فالويل الداعية اليميني قبل وفاته وعنده كذلك "إن كان هدم المسجد لبناء الهيكل مكانه سيشعل نيران حرب كبرى، فليكن ذلك لأن اليهود عندما جاؤوا إلى أرضهم أرض الموعد، وجدوا مسجداً والمرء لا يجد صورة لأورشليم إلا ويرى فيها ذلك المسجد، وهذا وصمة عار في جبيننا جميعاً، ولذا يجب أن يزال ولسوف يبنى الهيكل الثالث مكانه، ونحن يجب أن نفعل ذلك لنجعل العرب والعالم يرى أن اليهود أصحاب السيادة على كل أرض "إسرائيل"، وليرى العالم وعود الرب تتحقق". والراصد لما يدور على تراب فلسطين المقدسة عبر العقود الثلاثة الماضية يستطيع أن يدرك جدية الحديث ويرصد محاولات تدمير الأقصى إن كان بالحرق أو بالقصف أو من خلال أعمال الحفر والتنقيب أسفله. ويتساءل المرء هل الأحقاد اليهودية ستتوقف عند المقدسات الإسلامية أم ستمتد إلى المقدسات المسيحية؟. الواقع التاريخي يؤكد أن الأحقاد اليهودية تجاه المسيحية ومقدساتها قائمة هناك منذ عام 33 ميلادية وأنه إذا كان اليوم هو موعد الأقصى فغداً يحل الدور ولا شك بكنيسة القيامة. وحتى لا تكون الكلمات ضرباً من ضروب الرجم بالغيم، فإننا نذكر دعاة اليمين المسيحي المخترق بالتقرير الصادر عن بطريركية اللاتين الكاثوليك في القدس والذي قام عليه المونسنيور "فيرجاني" في أعقاب حرب عام ،1967 وفيه تظهر فظائع أعمالهم بما صنعوه بدير الآباء الفرنسيسكان في طبرية حيث دنسوا مصلى الكنيسة وقلبوا المذبح وكسروا تماثيل العذراء والقديس انطونيوس وهناك انزلوا تمثال السيد المسيح من على الصليب وألقوا بقنبلة يدوية على باب الكنيسة ولم يكتفوا بذلك بل مزقوا الأردية الكهنوتية، وألقوا بها على الأرض وفتحوا أوعية خبز القربان بالقوة وسرقوا كؤوس القربان وكسروا الصلبان". لماذا يضمر اليهود هذا الحقد وإن لم يعلن للمقدسات المسيحية وإن خفيت تلك الضغائن في حركات تكتيكية حتى يحين الوقت الملائم لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية الكبرى؟ نقول إنه ضمن أسباب كثيرة فإن المقدسات المسيحية ووجودها يذكرهم بزيف دعوى بناء الهيكل ويبطل مقولة هدم الأقصى.. كيف ذلك؟ يرجع الأمر إلى نبوءة السيد المسيح ذاته الذي تقدم تلاميذه منه ليروه أبنية الهيكل فقال لهم "أما تنظرون جميع هذه؟ الحق أقول لكم إنه لا يترك هاهنا حجر على حجر لا ينقض" والأصل في الثيولوجيات ألا ينقض المكتوب. ومعنى ذلك كما يقول شراح المسيحية ومفسروها الثقات إن الهيكل رمز مجد اليهود وفخرهم وزهوهم واستعلائهم على كل شعوب الأرض قد زال والى الأبد وأن الخراب الذي حاق به سنة 70 ميلادية على يد القائد الروماني تيطس سيستمر إلى الأبد، وأن أي محاولة وكل محاولة لإعادة البناء ستؤول إلى الفشل وقد جرت آخر المحاولات في القرن الثالث الميلادي في عهد الإمبراطور الروماني يوليانوس المرتد الذي قرب اليهود إليه وخطط لإعادة بناء هيكلهم تكذيبا لنبوءة السيد المسيح، غير أن ما يشبه البركان انفجر في وجوه العمال والتهمت النيران كل من وجد هناك ولم تجر أية محاولة منذ ذلك التاريخ. المسيحية إذن تنافي وتجافي في مفاهيمها ومعتقداتها الإيمانية فكرة هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل الذي قيل إن أحجاره قد قطعت حسب المقاييس التوراتية، وانه جرت تجربة تركيبه في ولاية أنديانا الأمريكية وفكه في خمسة أيام ثم شحنه إلى "إسرائيل". ومن هذا المنطلق فإن المسيحية عدو لدود ومقدساتها كذلك يجب ألا تبقى، إذا ما سدت السبل إلى بناء الهيكل، حتى لا يبقى في أرض "إسرائيل" أية آثار مسيحية أو إسلامية. أما التساؤل الأهم لماذا يغض اليمين المسيحي المتطرف النظر عن النوايا الحقيقية ل "اسرائيل" وحكوماتها تجاه المقدسات المسيحية في الوقت الذي يشجعون ويباركون فيه الخطط الجهنمية الرامية لهدم الأقصى؟ نقول لأن اليمين الأمريكي المتطرف يؤمن بأن بناء الهيكل شرط لعودة المسيح ثانية وعندها سيتحول من تبقى من اليهود للمسيحية حتى لو جاء ذلك على حساب تضحياتهم بأية مقدسات مسيحية. ويبقى قول علماء اللاهوت المسيحيين الأفذاذ "إن تجمع "إسرائيل" الآن ليس من إرادة الله في شيء لأنهم في سعيهم لذلك لا يطلبون وجه الله ولا يعتمدون على ذراع الرب، إنهم مغمورون في جو قاتم من السياسة، يتذللون للأمم الكبيرة في ضعة ومهانة يبتغون من ورائها السطوة والانتقام، لقد ضلت "إسرائيل" وانخدع كثيرون من الكتاب العالميين والمسيحيين معتقدين أن تجمع "إسرائيل" نصرة للرب وفي عودة الصهيونية تكميلا للنبوءات".
هل الأقصى والقيامة وما جاورهما من مقدسات إسلامية ومسيحية حقا في خطر؟ نعم وبكل تأكيد وتحديد، ومن دون خطة عربية إسلامية مسيحية لكشف زيف الدعاوى "الإسرائيلية" تكون منطلقاتها إنسانية وإيمانية في كافة أرجاء العالم يمكننا الجزم بأننا سنصحو ذات يوم ليس ببعيد على مدينة تبقى فيها المقدسات الإسلامية والمسيحية أثرا بعد عين. دار الخليج
http://www.miftah.org |