إعلان صنعاء: أنابوليس فلسطيني؟
الموقع الأصلي:
كما تابع اغلب الفلسطينيين الحوار غير المباشر في صنعاء، استقبلوا الاعلان الذي صدر عن العاصمة اليمنية بشيء واضح من الحذر، دون اغراق في التفاؤل رغم الرغبة العارمة لدى الغالبية، في تجاوز الازمة الداخلية، واحتواء نتائجها، التي اضرت كثيراً بالجميع. بالطبع هذا الحذر، واستمرار حالة الترقب، لما ستظهره الايام والاسابيع القليلة القادمة، له علاقة بنص الاعلان، وبما سبقه خلال الايام الثلاثة من "حوارات" غير مباشرة، وربما ايضاً افصحت ردود الفعل الفورية على الجانبين، التي تباينت بين الترحيب والتحفظ، التفاؤل والتشاؤم، ليس عما يكتنف النص المختصر والمركز من وضوح او غموض، بل من تأويلات محتملة لقراءة النص، وعلى الجانبين. يمكن قراءة النص، من قبل من هم خارج اطار دائرتي التجاذب على انه جاء "كحل وسط" قدم من خلاله الطرفان تنازلات واضحة، عما كانا يشترطانه، قبل الاعلان من رؤى وظروف لاعادة اللحمة، او لعودة الحوار، او حتى للعودة الى نظام الشراكة السياسية، فالنص ذاته يمكن اعتبار انه قد حقق مطلب حركة حماس، بأن تكون المبادرة اليمنية ببنودها السبعة، محل حوار عند التنفيذ على الاقل، حيث نص على ان المبادرة هي اطار للحوار، لكنه في الوقت ذاته، حدد سقف وإطار هذا الحوار، بما يحقق مطلب الرئاسة وحركة فتح، التي لا ترى ان هناك جدوى من الحوار المفتوح، الذي ان لم يكن مشروطاً او على قاعدة البحث في تنفيذ المبادرة، فإنه حدد اطار هذا الحوار، وهدفه العودة بقطاع غزة الى ما كانت الحالة عليه، قبل احداثها في حزيران الماضي. ولو كان الامر غير ذلك، لما احتاج الطرفان اصلاً للبقاء اياماً في صنعاء، والتداول في اكثر من صيغة، قبل هذه الصيغة لنص الاعلان اصلاً، ولا حتى كانا بحاجة الى التوقيع على اعلان الاطار هذا، الذي يذكر بما كان يطالب به الجانب الفلسطيني الطرف الاسرائيلي، قبل الذهاب الى انابوليس، قبل بضعة اشهر، لتحديد اطار المفاوضات وهدفها النهائي. اما لماذا اصرت حركة حماس على ان يكون الاتفاق على اطار الحوار مع حركة فتح، وليس مع م.ت.ف. فهذا يعود بتقديرنا الى الرغبة في تحقيق اكثر من هدف تكتيكي، اهمها انها أرادت ان تؤكد ان مشكلتها محصورة فقط مع حركة فتح، وليس مع الكل الوطني، حتى لا تظهر كخارجة عن الاجماع، خاصة أن لها علاقات سياسية ما زالت قائمة، حتى بعد انقلابها في غزة، مع عدد من فصائل المنظمة، ومنها ايضاً انها تريد الابقاء على ملف اصلاح المنظمة ورقة بيدها، تفاوض بها، حتى بعد التوافق حول ملفات السلطة الفلسطينية. وفد فتح من جهته، محكوماً بثقافته وبإعلانه انه فصيل وحدة وطنية، كذلك لانه لا يمكن ان يرفض الاستمرار في السير على طريق سار عليه قبل وخلال اتفاق مكة - نقصد الحوار الثنائي- ما كان يمكنه ان يجعل من هذه القضية عائقاً يحول دون ان توافق حركة حماس على اعلان اطار للحوار يقر صراحة وعلناً ولأول مرة بالعودة عن محطة او مفترق حزيران، وهذا يعني اعترافاً بالخطأ، بهذا القدر او ذاك. اما دوافع الطرفين، والتي تعتبر مبعثاً للتحفظ على المراهنة على كون هذه الخطوة الايجابية جداً بوابة للفرج والانفراج، فتشير الى ان الرئاسة وفتح، ارادتا من هذا الاعلان توجيه رسالة قوية للاسرائيليين والاميركيين، بعد ان اتضح لهما ان انابوليس لم يشق الطريق الى مفاوضات مثمرة تفضي الى حل الدولتين خلال العام 2008، وهذا تؤكده النوايا التي تتحدث عن تصعيد سياسي، في استخدام اوراق سياسية في مواجهة الاسرائيليين، لمناسبة الذكرى الستين للنكبة. فيما ارادت حماس من اعلان صنعاء ان تقدم هدية لدمشق لمناسبة انعقاد القمة العربية فيها بعد ايام قليلة، تعزز من فرص نجاحها، خاصة مع اتضاح صعوبة ان تدفع القيادة السورية فاتورة نجاح هذه القمة في الملف اللبناني، عبر تمرير استحقاق انتخاب العماد ميشيل سليمان رئيساً للجمهورية اللبنانية. ولن تنتقل بتقديرنا المبادرة اليمنية بعد اعلان صنعاء الى حيز التنفيذ، ما لم ترفق بقوة دفع عربية وفلسطينية داخلية، العربية ان تمت ترجمة المبادرة وإخراجها الى مبادرة عربية، والداخلية، من خلال القيام بتحركات شعبية وسياسية داعمة لهذه الخطوة، لتفرض على الاتجاهات المتشددة من الجانبين، التي ستقف كمصدات لمنع تتابع الجهد على طريق رأب الصدع. دون ذلك، فإن اعلان صنعاء، قد لا يعدو كونه مجرد انابوليس فلسطيني، ينتهي عند حدود اعلانه ويتوقف عند اطار الصور التذكارية التي التقطت في العاصمة اليمنية، التي قد ينجم عنها "حوارات" او لقاءات، قد تهدئ بعضاً من الخواطر، لكنها لا تضع حداً لحالة الشذوذ القائمة، التي لن تكون الا مع تشكيل لجان وهيئات لتنفيذ كل بنود المبادرة اليمنية بالجملة وبالتفصيل، بما يشرع للذهاب الى مستقبل يجعل من حالة الشقاق صفحة من الماضي الاليم.
http://www.miftah.org |