إبريق الزيت الفلسطيني
بقلم: خيري منصور
2008/3/27

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=9056

حكاية إبريق الزيت في التراث الشعبي الفلسطيني لها دلالات عميقة وبعيدة، وهي أشبه بروايات شهرزاد التي كانت تؤجل من خلالها الموت وهي تحكي لشهر يار حتى صياح الديك.

إنها باختصار حكاية لا تنتهي، وهي أشبه بمبتدأ لا خبر له، وهذا هو بالضبط ما يحدث الآن سياسياً في رام الله وغزة، فبعد اتفاق مكة الذي لم يدم طويلاً، جاء توقيع صنعاء، لكن بصيغة بروتوكولية لم يعقبها على الفور حماسة في التنفيذ، وإذا كان هذا التوقيع سيعيش هو الآخر يوماً أو أسبوعاً أو شهراً فإن معنى ذلك زج الفلسطينيين في حالة من القنوط إضافة إلى نزع ما تبقى من الثقة بالطبقة السياسية التي تراوح في مكانها.

وشأن معظم حالات الوفاق العربية، فإن العناوين تبدو صاخبة وذات جاذبية لا تقاوم، لكن الشياطين كلها تكمن في التفاصيل، فما إن تبدأ ترجمة الاتفاقيات إلى واقع حتى توضع الهراوات في الدواليب، ويتحول السيئ إلى ما هو أسوأ، لأن اليأس يضاف إلى واقع الحال، وتعثر حكاية الراعي والذئب على تجليات بشرية وسياسية لها.

المبادرة اليمنية ترقبها الفلسطينيون بفارغ الصبر سواء في غزة أو الضفة الغربية، لأنها وعدت منذ إطلاقها بوضع حد لهذه الكارثة الوطنية التي تحولت من ضارة فلسطينية إلى نافعة صهيونية، لكن الرجاء المعلق عليها كان ولايزال مشوباً بقدر من الحذر لأن اتفاق مكة الذي انتهى إلى خيبة مكثت أصداؤه وظلاله في الذاكرة.

والعودة شبه الدائمة إلى حكاية ابريق الزيت تحول التراجيديا بكل هيبتها إلى كوميديا سوداء فالوقت يجري لغير مصلحة الأطراف الفلسطينية والكاسب الوحيد هو الاحتلال، لأنه يجد بهذا الصراع مجالاً حيوياً ونموذجياً لتحقيق رهاناته.

نعرف أن مفردة “الحوار” تحولت في أدبياتنا السياسية إلى حجر كريم، وأحياناً إلى أيقونة وكأن الحوار مقصود لذاته فقط، تماماً كما أن المفاوضات من أجل السلام تحولت إلى غاية لذاتها، بعد انقطاعها عن أي هدف قابل للتحقيق، وإذا كان كل اتفاق يحتاج إلى سلسلة من الاتفاقيات المتفرعة عنه فإن الحكاية لا تطول فقط، بل تصبح مملة، وعلى حساب من يفرض عليهم الإصغاء إليها رغم أنوفهم، إن الاختبار الآن جدي وعسير لفرز النيات والممارسات معاً، فمن كان حريصاً على وطنه وشعبه لن تحجب عنه النرجسية العمياء جملة الحقائق على الأرض، وبالتالي سيتضح ما إذا كان الطرفان المتنازعان قد ادعيا أمومة الصبي أم أنهما بالفعل والداه.

وبأبسط البديهيات فإن أي اتفاق إجرائي أو بروتوكولي أو حتى تكتيكي لن يدوم طويلاً ولن يقوى على حل إشكاليات جذرية، لهذا علينا قبل أن نصفق لأي إعلان أو بيان حول الوئام الوطني في أي بلد عربي أن نتفحص ما بين السطور، لأن بلاغة البيانات تحجب أحياناً كصوت الطبول الهمس السري الذي يعبر عن أعمق المواقف وليس عن لقاءات بروتوكولية تصلح فقط للتلفزة.

إن المشهد الفلسطيني الآن قد بلغ حداً ينذر بجملة أخطار دفعة واحدة، ولكل دقيقة ثمن، لهذا فإن تكرار ما حدث في مكة قد يسدل الستار الأخير على هذه الدراما التي تحولت من حكاية إبريق الزيت إلى انتحار.

دار الخليج

http://www.miftah.org