قمة بدأت أعمالها بعد إعلان نتائجها!
بقلم: جواد البشيتي
2008/3/29

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=9069

أهو "فَرْض عين"، أم "فَرْض كفاية"؟ شيخ "مُمانِع"، هو مفتي سورية، أفتى بوجوب حضور كل زعيم عربي كل قمة عربية (وقمة دمشق على وجه الخصوص) قائلاً "إنَّ حضور القمة العربية واجب شرعي؛ لأنَّها فَرْض عين (على القادة العرب)". ونحن في انتظار "شيخ معتدِل" أن يقيم لنا الدليل الشرعي على أنَّ الحضور "فَرْض كفاية"، وليس بـ "فَرْض عين"!

في ذِكْر وتعداد الدول العربية المشارِكة قِيل، عن خطأ، إنَّ لبنان، الذي يعاني "فراغاً رئاسياً"، هو وحده الدولة العربية غير المشارِكة على أيِّ مستوى، فلماذا نسوا تماماً "الصومال"، الذي فيه نرى بعضاً من أهم ملامح "المستقبل العربي"؟!

واختلف العرب، أيضاً، في "وَزْن" قمة دمشق، أي في الميزان الذي يمكن استعماله في قياس وزنها، ففضَّل بعضهم (مِمَّن يخاصِم تلك القمة) استعمال "الميزان الديمغرافي"، فممثِّلو "الغالبية الديمغرافية" العربية، التي هي مصرية في المقام الأوَّل، قرَّروا المشاركة في قمة دمشق على مستوى "دون القمة"، ودونها بكثير، فما عادت تلك القمة، وبحسب هذا "المعيار الديمغرافي"، تُمثِّل "الغالبية العربية". أمَّا المحامون عن قمة دمشق، وعن أهمية وضرورة انعقادها والمشاركة فيها على أعلى مستوى، فاستعملوا ميزاناً آخر، هو عدَد من تغيَّب من الزعماء، وعدَد من حضر منهم، فتغيَّب 9، وحضر 11؛ وعليه، هي قمة الأكثرية من الزعماء. وتوسَّعوا أكثر في ابتناء أهمية لها، فقالوا، وإنْ على مضض، إنَّ أي شخص يجلس على مقعد دولته (في مكان انعقاد هذه القمة) ولو كان لاعب كرة قدم، يمثِّل دولته، فأهمية القمم العربية لا تُقاس بـ "وزن الممثِّل"، وإنَّما بـ "وزن القرارات" التي ستَصْدُر عنها، فلَوْنُ القط ليس بذي أهمية ما دام قادراً على أن يأكل الفأر!

هل نرى في عقدها، وفي طريقة عقدها، وفي ما سبق عقدها، وفي النتائج التي ستنتهي إليها، والتي جديدها غير مفيدها، ومفيدها غير جديد، ما يُظْهِر ويؤكِّد انقسام الدول العربية وقادتها ما بين "معتدِل" و"ممانِع"، وأنَّ إدارة الرئيس بوش قد نجحت في إفْقاد قمة دمشق كثيراً من وزنها وأهميتها إذ قرَّر 9 زعماء عرب الامتناع عن المشاركة؟ إذا أفْرَطْنا في تبسيط الأمور فقد نجيب بالإيجاب عن هذا السؤال. وأحسبُ أنَّ على المحامين عن قمة دمشق بوصفها أداة صراعٍ، خاضه "الممانعون" ضدَّ "المعتدلين"، وفي مواجهة ضغوط بوش وساركوزي، أن يشرحوا لنا، ويُفسِّروا، أسباب مشاركة دول عربية "معتدلة" عدة، وعلى أعلى مستوى، كقطر والكويت والإمارات وتونس (وجزر القمر أيضاً). وغني عن البيان أنَّ "الإرادة الفاعلة" لا تصلح، بالتالي، مقياساً نقيس به "مستوى التمثيل"، و"حجم المشاركة".

بعضٌ من المنتمين إعلامياً إلى ما يسمَّى "قوى الممانَعة"، اخترعوا، على وجه السرعة، معنى لـ "النصر"، إذ قالوا: "المهم أن تُعْقَد بمن حضر"، فـ "الحضور"، و"الانعقاد"، هما الآن معنى "النصر"؛ أمَّا القرارات والنتائج فليست من الأهمية بمكان!

والمفْرطون في التفاؤل من هؤلاء يقولون إنَّ قمة دمشق قد تختلف عن سابقاتها ليس في "القرارات"، وإنَّما في "التنفيذ"، فهي يمكن أن تكون "قمة تنفيذية".. قمة تقرِّر "تنفيذ كل قرارات القمم السابقة"، ولو ماثَلَتْها في العجز عن تنفيذ هذا القرار!

ولِسَتْر عجزهم عن أن يأتوا بشيء من المواقف التي يتحدَّاهم الواقع على الإتيان بها طفقوا يتحدَّثون عن "الفَرْق الكبير" بين "المبادرة (مبادرة السلام العربية)"، و"إستراتجية السلام"، فالأولى "باقية (ما بقي الرفض الإسرائيلي لها)"، والثانية يمكن تغييرها. وعليه، تَوافَق وزراء الخارجية العرب على "إجراء تقويم شامل للمبادرة، توصُّلاً إلى تحديد ما يعترض طريقها من عقبات إسرائيلية"، وكأنَّهم "مركز بحثي أكاديمي"، غايته أن يَعْرِف، على وجه الدقة والتفصيل، طبيعة "العقبات الإسرائيلية"!

ولو توخُّوا الموضوعية لوافقوا على إجراء تقويم شامل للمبادرة، توصُّلاً إلى تحديد ما يعترِض طريقها من "عقبات عربية"، فـ "العقبات الإسرائيلية" إنَّما هي، في المقام الأوَّل، عقبات عربية مُتَرْجَمة بالعبرية؛ ونحن لا نملك من الوهم ما يَحْملنا على توقُّع أن تأتي قمة دمشق بما يَحْمِل إسرائيل، ومعها إدارة الرئيس بوش، على أن تتعامل مع "المبادرة" بشيء من الجدِّية والاهتمام، فهذه القمة ستأتي، حتماً، بما يُميت ما بقي من حروف حيَّة في تلك "المبادرة". ولن نتوقَّع أن تأتي بما ينهي المساهمة العربية في الحصار الإسرائيلي المضروب على قطاع غزة، أو بما ينهي "الفراغ الرئاسي" في لبنان، جنباً إلى جنب مع إفراغ هذا البلد العربي من نفوذ الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل.. ؛ مع الإشارة إلى أنَّها نجحت في حل مشكلة "الفراغ في رئاسة القمة"!

وفي زمن اشتداد الحاجة (غير العربية) إلى مزيد من الخلاف العربي، نتوقَّع أن تفشل قمة دمشق في أن تأتي بما يساعد في "تنقية الأجواء العربية"، وأن تنجح في تعكيرها أكثر.

قمة دمشق ستنجح، وسنقف على معنى نجاحها عندما تخاطِب، بنتائجها، الزعماء العرب المتغيِّبين قائلةً: إنَّ غيابكم لم ينجح قط في منع الحاضرين من أن يقرِّروا إعادة نشر القرارات التي حَمَلَت تواقيعكم من قبل، فالقمم العربية هي ذاتها، لجهة نتائجها، أشارَكَ فيها كل الزعماء العرب أم بعضهم!

http://www.miftah.org