شيء ما يحدث في “إسرائيل”
بقلم: عاطف الغمري
2008/4/9

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=9147

تحدث في “إسرائيل” الآن تغييرات إلى الأسوأ بالنسبة للسلام، وحتى تصبح الصورة واضحة، فلنمسك بطرف الخيط من أوله.

بداية ليس في “إسرائيل” رأي عام بالمعنى المعروف والمتفق عليه، وهو الذي يشكل تيارا عاما وغالبا له توجهات محددة في فترة زمنية محددة، لكن ما تعرفه “إسرائيل” هو حالة مزاجية، تتكون بتأثير عوامل تظهر في وقتها، وتخلق ما يبدو رأيا عاما، حتى وإن تقلب من الحال إلى الحال.

.. والنخبة في “إسرائيل” أكثر وعيا من الشعب ذاته، ولها دور مؤثر في تكوين تلك الحالة المزاجية والتي تبدو في وقت معين، أشبه باتجاه رأي عام.

ولأن النخبة ضخمت قضية الأمن وجعلت منها الهاجس الأول للدولة وشعبها، ووضعتها في مرتبة أعلى من السلام ودواعيه، كما أن الشعب “الإسرائيلي” يعيش بإحساس نزيل القلعة العسكرية، وليس ساكن المدينة، فإن الجنرالات يصبحون المرجعية، التي يتجه إليها “الإسرائيليون” بأبصارهم، لتحدد لهم موقفهم كرأي عام من أي مفاوضات موضوعها السلام.

.. هنا تصبح حركة الرأي العام في صورته المزاجية رهن عاملين:

(1) إرادة النخبة وعلى رأسها الجنرالات، وهم أساسا الحراس على جوهر المشروع الصهيوني العقائدي، الذي يرى السلام عقبة أمام استكمال التوسع في الأرض.

(2) حالة الجانب الآخر في الصراع (فلسطين والدول العربية)، فإذا كان العرب في وضع يمكنهم إما نتيجة ظروف دولية أو بفعل إرادتهم من تعديل ميزان القوى لصالحهم، فإن الرأي العام يميل نحو التسوية، واكتساب قدر نسبي من الاعتدال.

وكلما كان العرب ضعفاء في ميزان “إسرائيل”، ازداد “الإسرائيليون” تعنتا وتطرفا وعدوانية.

.. والشواهد الآن من داخل “إسرائيل” وحسب استطلاعات الرأي تؤكد أن هذا هو التوجه الحالي “للإسرائيليين”. وهو مؤشر على أن المتطرفين الأكثر عداء للعرب، فرصتهم أكبر في الانتخابات القادمة، وهذا التوجه كانت له مقدمات بدأت منذ سبع سنوات.

.. كان “معهد داهاف” قد أجرى استطلاعا خاصا حول المواقف السياسية للرأي العام تجاه الفلسطينيين وانتفاضة الأقصى. وأظهرت النتائج أن 58% من “الإسرائيليين” قالوا إن موقفهم من الفلسطينيين قد تغير إلى الأسوأ. و55% قالوا إن نظرتهم للفلسطينيين الذين يحملون جنسية “إسرائيل” أصبحت أسوأ. وإن 63% قالوا إن من المستحيل التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين.

لكن استطلاعات الرأي في الفترة الأخيرة والتي تنشر في الصحف “الإسرائيلية” لم تغير شيئا من هذه البدايات، بل أنها أظهرت تصعيدا نحو التشدد.

تضاف إلى ذلك تغييرات تظهر حاليا داخل المؤسسة العسكرية، يظهر فيها المستوطنون أكثر عددا من أي وقت سابق، وأيضا المهاجرون الروس، وهم الأشد تطرفا وعدوانية داخل “إسرائيل”.

أي أننا ونحن كعرب نتعامل حاليا مع حكومة أولمرت وهو يتبع سياسة الإيحاء بأنه مستعد لاتفاق سلام مع الفلسطينيين، ويطلق تصريحات عن رغبته في سلام مع سوريا، فإن ذلك كله يعني أننا أمام وضع غير ثابت ومستقر في “إسرائيل”، لأن الفريق الحاكم سيترك موقعه للفريق الأكثر صراحة في رفضه لأي سلام، وهو الذي سيأتي على رأس حكومة يساندها رأي عام يعارض الآن أي تسوية مع الفلسطينيين، بناء على أي من المبادئ والمرجعيات، التي تقوم عليها أصلا عملية السلام، وتتضمن الانسحاب من الأراضي التي احتلت عام ،67 وقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة. ويحكم موقف الرأي العام، العاملان اللذان أشرت إليهما وهما دور النخبة والجنرالات، وضعف الموقف العربي، والتمزق الفلسطيني الفلسطيني.

في هذا السياق ليس مستبعدا أن تعلن “إسرائيل” تغييرا تكتيكيا على سياستها للتسوية، والتي بدأت مع إعلان شارون أنه لن يقبل تسوية دائمة، وإنما ترتيبات مرحلية مع الفلسطينيين، وإذا استلزم الأمر دولة فلسطينية، فلتكن ذات حدود مؤقتة.

وهذا الاتجاه مازال أولمرت يمضي فيه، بأحاديثه عن التسوية المرحلية، والدولة المؤقتة، ورفضه التفاوض على المشكلات التي كان قد تحدد لها ما سمي مفاوضات الوضع النهائي، والتي تشمل القدس، واللاجئين، والحدود، والمياه.

وحين تعلن “إسرائيل” استعداداً لحل دائم، مستندة إلى قوة ضغط أمريكا على المفاوض الفلسطيني فهي تحسب ذلك على أساس مدى الضعف في الموقف الفلسطيني، ومن ورائه وعلى شاكلته الموقف العربي.

الوضع إذن لا ينبئ بأي تسوية سلام حقيقية، فمن غير المتصور أن يقبل المفاوض الفلسطيني تسليما وتفريطا في ما لا يملك التصرف فيه، وإلا لانفجر الموقف الفلسطيني من الداخل بما لا يمكن حساب نتائجه، كما أن موقف الجماهير العربية سيكون بمثابة قوة مانعة لحدوث أي تسليم بمثل هذه التسوية من أي دولة عربية.

فما الذي يملكه العرب في مواجهة ذلك كله حتى ولو كان بعضه، احتمالات قد تحدث وقد لا تحدث؟.

إن “إسرائيل” قد عدلت تماما موقفها من عملية السلام التي بدأت في مدريد ،91 لكن العرب مازالوا يديرون موقفهم على أساس ما كان قد تم في عام ،1991 وهم ملتزمون به، بينما الطرف الآخر في عملية السلام، لم يعد ملتزما بشيء منه.

وهذا أكبر أسباب الخلل الذي لحق بعملية السلام وجعل “إسرائيل” بمشاركة أمريكا تبدو أنها هي التي تديرها منفردة، فهي لديها استراتيجية لإدارة الصراع، بينما العرب واقفون في لحظة من التاريخ عند عام ،1991 ولم يطوروا لأنفسهم إدارة للصراع تتعامل مع أسلوب إدارته “إسرائيلياً”، ذلك كله يعني أن ملف النزاع العربي “الإسرائيلي” سيبقى مفتوحاً، والصراع مستمرا.

وإذا كانت “إسرائيل” هي الطرف التي جعلت كفتها في هذا الصراع صراع السلام ترجح بما في يدها من أثقال، فإن هذا مجرد نتاج مرحلة زمنية لا ضمان لها ولا لغيرها باستمرارها، والدول في التاريخ لها عصور ومراحل.

وان ما فيه العرب اليوم من ضعف ليس واقعا مبنيا على حقائق، لكنه قائم على أسباب لها صفة التغير والتحول، فإن العرب لديهم من الطاقات ما يتيح لهم، لو استخدمت، تعديل ميزان القوى. لكنها مرحليا طاقات محبوسة.

إن “إسرائيل” أسست سياساتها بناء على ميزان القوى بينها وبين الدول العربية، ولم يكن من زاوية نظرتها قاصرا على الجانب العسكري وحده، وإنما على عناصر أخرى عديدة منها على سبيل المثال التحديث، والتنمية الاقتصادية والبشرية، والإصلاح الداخلي، في العالم العربي بالإضافة إلى عوامل دولية، وكانت قد ظهرت لها مؤشرات منذ عام ،1990 دفعتها إلى وضع حالة ميزان القوى تحت البحث والدراسة، خاصة مخاوفها من أن يتعدل الميزان ويميل لصالح العرب، وكانت هذه المخاوف أحد أسباب التحول الداخلي نحو فكرة السلام عند حزب العمل (رابين/ بيريز)، وعند الحالة المزاجية (الرأي العام)، لكن المخاوف لم تحدث، عندئذ كان التراجع “الإسرائيلي” عن مفهوم السلام الذي كانت قد التزمت به، وهو تراجع شهد استمرارية متصلة نحو الأسوأ.

http://www.miftah.org