الحرب الراقدة: اين ومتى...؟
بقلم: حسين حجازي
2008/4/12

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=9163

الحرب الراقدة، كما لو أنها البيضة التي ترقد عليها الدجاجة، دجاجة الشرق الاوسط، هل يمكن التنبؤ أين ومتى وكيف. وبأي وسيلة، سوق تنفجر، اذا كنا نعرف، كما يعرف كل تلميذ مدرسة صغير، لماذا سوف تنفجر، وان هذا الانفجار ليس سوى مسألة وقت.

يقال ايضاً، ان التحولات الكبيرة، الانقلابات التاريخية، هي التي يصعب دوماً التنبؤ بها، التنبؤ بالطرائق التي تحدث بها. لكن هل نحن على شفير هذه الحرب الراقدة، كأننا نقف على عتبة مثل هذه التحولات الكبيرة، او الانقلابات ذات الطابع التاريخي في الشرق الاوسط.

لعله الأمر كذلك، اذا كانت لغة العداء، خطاب الحرب، يشبه الى حد بعيد الخطاب "السعيدي"، نسبة الى المذيع المصري الشهير خلال حرب حزيران 1967 أحمد سعيد، ولكن هذه المرة، في اللغة الحربية الصادرة عن اسرائيل "لن يبقى حجر على حجر في ايران، وسوف تمحى الامة الايرانية من الوجود على حد قول بنيامين بن اليعزر.

واذا ما فعلها حزب الله يا سورية فسوف يكون الرد الاسرائيلي على دمشق مزلزلاً، تقترب اسرائيل هي الأخرى عند هذا المنعطف، بقدر من التماهي مع لغة الخطاب الفصائلي الفلسطيني، حول الرد المزلزل، لكتائب القسام، وألوية الناصر صلاح الدين، وسرايا القدس.

والآن، سوف تعلمين يا حماس بعد عملية "ناحل عوز"، ان ردنا، يقول ايهود اولمرت، سوف يكون رداً لا سابقة له، مزلزلاً وعنيفاً، ومن غير ما تحتسبون، يمكن الاضافة من عندنا.

تقترب اللغة من الطابع الفانتازي، الكل يتوعد الكل، بدأ التوعد الشيخ حسن نصرالله، في الرد على اغتيال عماد مغنية، بل قبل هذا الاغتيال، بحرب تغير من مسار وخريطة الشرق الاوسط.

لا لغة اليوم، سوى لغة الحرب. وحتى ايهود اولمرت اتفق مع توقعنا هنا، بأنه لو صار التوصل الى اتفاق او تفاهمات مع الجانب الفلسطيني، فان هذه الاتفاقات، لا يمكن تطبيقها. لانه كيف يمكن للسلام ان تم ابرامه التصدي للموجة الكاسحة التي تهب على المنطقة، وتدفع بثقلها المياه الأسنة نحو الحرب.

قلت لعرفات في ذلك الظهر الجملة الوحيدة، عشية الترقب بقدوم نتنياهو: "كيف له يا سيدي ان يتصدى للموجة الكاسحة التي دفعت انت، والعالم ككل، بقوتها نحو السلام". فهل يمكن للسلام الآن أن يتصدى لموجة الحرب وقد تحولت هذه الموجة الى موجة عاتية؟

لكن السؤال يبقى مطروحاً، اين ومتى، على أية حدود وفي أي توقيت سوف تنشب الحرب الجديدة التي ستغير من خارطة الشرق الاوسط، هل ستختفي الأمة الايرانية من الوجود خلال هذه الحرب. أم أن الشعب الاسرائيلي، دولة اسرائيل، هي التي ستختفي من هذا الوجود على حد ما يستثني بالقول، انصار حزب الله، وفي ايران، باعتبار ان ساعة الحسم الذي يمس وجود اسرائيل قد اذنت. وان الحرب القادمة هي حرب من قبيل كسر العظام.

لاحظوا كذلك في هذه الاجواء طابع المناورة الداخلية الاخيرة في اسرائيل، وهي الاولى من نوعها كما حجمها في تاريخ اسرائيل، ولاحظوا طبيعة القلق في غزة، والاجواء المفعمة بالتكدر التي تشبه عشية حرب حزيران 1967. بل لاحظوا هذا القدر من الانسداد المحكم، بل القدرية المستسلمة التي تميز المواقف الدولية، وكأنما العالم يغشاه سِنة من النوم، الحذر، او النعاس، الذي يشبه الغفو العظيم، منقاداً كذاك الذي يمشي في الحلم، نحو هذه الحفرة العظيمة.

الحرب القادمة تدق باب القدر، الطرقات الشهيرة، طرقات يد القدر في افتتاحية السيمفونية الخامسة لبيتهوفن، كأنها طرقات لا راد لها، لا سبيل لاعتراض اندفاعاتها، هكذا تتكون الدراما المأساوية في الاحداث الانسانية، كما الاحداث التاريخية.

الحرب على الجبهة الشمالية مع حزب الله، وسورية وإيران، او الحرب على الجبهة الغزية مع اسرائيل، او مع مصر، في هذا الطور الجديد من الحروب الفلسطينية-العربية، حروب حماس العربية هذه المرة، مع مصر، بعد حروب عرفات العربية في حقبات ماضية على الجبهة الشرقية مع الاردن، سورية، ولبنان، أم هي حروب الداخل العربية، اذا كانت حروب الاقاليم، الحروب الاقليمية، سوف تحرك البيض الراقد في بلاد الطوق العربية، وربما ابعد من ذلك.

هي حقبة من الحروب التي لا يمكن التنبؤ بمحاورها اذا كان الشرق الاوسط، برمته، هذا الكيان الاستراتيجي، الذي يقوم مقام دور مفتاح العالم، يبدو اليوم واكثر من أي وقت مضى، كما لو أنه مسجى بكليته تحت رحمة القدر.

فالحقيقة الوحيدة اليوم، هي ان الصراع على تقرير هذا الشرق بين المعسكرين الكبيرين، المتصارعين، قد وصل الى ذروته الاخيرة، وكما حدث في جميع الحروب التي ميزت مسار التاريخ، الحرب العالمية الاولى، والثانية، فان التحالفات العدائية، هي التي تسبق مجرى العمليات الحربية، تحالف دول الوسط الاوروبي، المانيا والنمسا والامبراطوريات القديمة، في مواجهة الدول الاستعمارية الحديثة ثم تحالفات دول المحور ذات الايديولوجيا الفاشية في مواجهة كل العالم.

التحالف الايراني السوري وحزب الله وحماس، في مواجهة التحالف الاميركي الاسرائيلي، ودول المحور الثلاثي، من الذي يقرر مصير الحرب والسلام؟ من الذي يرسم الخارطة الجديدة للشرق الاوسط؟ السيدة كوندوليزا رايس، أم أحمدي نجاد وبشار الاسد والسيد حسن نصر الله ، ورئيس الحكومة الفلسطينية المقالة اسماعيل هنية، أم ان من سيقرر نتيجة الصراع، هما الشيخان المطاردان اسامة بن لادن، والدكتور الظواهري، في حرب تمتد من قاعدتهما في العراق، بلاد الرافدين، وصولاً الى فلسطين، بازالة العرش الهاشمي في الاردن خلال هذا المسير.

وإذا انضم الاردن الى السعودية ومصر، في تكوين المثلث الذي يمثل محور الاعتدال العربي، باستبعاد سورية، فان ذراعي هذا المثلث، أي مصر والاردن، لا بد أن يجدا نفسيهما وللمرة الاولى منذ عقد السبعينيات منخرطين في الصراع على تقرير شكل التمثيل السياسي الفلسطيني، الى الحد الذي لا يمكن لهما، النأي عن الانخراط المباشر في الوحل الفلسطيني.

هكذا اذن يجب الربط بين جميع الخيوط المتقاطعة، والمتشابكة على اللوحة العامة،

لكن الشيء الاكيد، والوحيد الذي يمكننا التنبؤ به في السياق العام الذي نحاول اعادة تركيبه لهذه الدراما، هو أنه قد يكون للمرة الاولى في تاريخ هذه المنطقة، ان القرار بشن الحرب، المعركة الكبيرة القادمة، لم يعد قراراً تتخذه اسرائيل، وانما طوف عربي، ولعل هذا هو مغزى الانقلاب والتحول الكبير في البعد الجيواستراتيجي للنزاع.

فصانعو السلام، لم يعد بمقدورهم، الدفاع عن هذا السلام، ازاء هذا التحول، في انتهاج جانب المبادرة الحربية، اما المعسكر المهاجم، الذي انتقل فعلياً الى الهجوم، فإن عليه ان يواجه الآن حظر الاندفاعة الاخيرة الشرسة، للثمرة المجروحة، أي القذف بكل جماع القوة، السلاح المطلق، لعدم الابقاء على أي حجر فوق اي حجر في ايران، وربما في اماكن اخرى.

لكننا في الحرب، الذكرى الأليمة للخطاب السعيدي، نتعلم، انه كلما زاد المتحدثون من بلاغتهم في توجيه التهديدات الكلامية، اللفظية، عن الزلزلة، الرد المزلزل، فان هذا ربما يكون الباعث الوحيد، لدفعنا الى النظر باشفاق الى الموقف البائس الذي يكون عليه اولئك المتحدثون وموقفهم الحربي على حد سواء.

والراهن ان حرباً آخذة نذرها بالتكون لا محالة سوف تنفجر، لكنها حرب قد تكون بمثابة الطلقة الاخيرة، الوقفة الاخيرة، حرب اللا خيار بجميع اللاعبين معاً، ولعلها الحرب الاولى غير المترفة، لانها حرب الحياة او الموت، لكل الاطراف المشاركة في صنعها.

حرب يمكن التنبؤ بوقوعها، ولكن لا يمكن التنبؤ بالحجم او المدى الذي يمكن ان تصل اليه شظاياها، حرب سوف تختبر فيها العقائد القتالية الجديدة، كما فعالية الاسلحة الجديدة، وهي في كل الاحوال، لن يستطيع ان يقرأ العلامات، حرب تقررت نتائجها سلفاً، اذا كانت الحرب الراقدة الاولى، سوف تندلع رحاها هذه المرة، وسط هذا الاستعداد، بل التحضير لها، وكأنما هي عودة الى الحروب التقليدية القبلية القديمة، تعرف الجيوش مسبقاً مكان وساعة اندلاعها، لكنها لا تملك التنبؤ بمجرياتها.

وكانت تلك هي طبيعة الحرب الانقلابية في حزيران 1967، ولعلها على غرارها، كأن العامل الحاسم لتعزيزها هي الضربة الاستباقية.

من سيلقي بالضربة الاستباقية الآن، حزب الله، ايران، سورية، ام اسرائيل، او حماس، المتغير الحاسم اليوم، هو الغموض، ضباب اللحظة الاخيرة، لكنه ضباب توقيت الضربة الاولى، التي ينتظر حصولها الكل إزاء الكل.

http://www.miftah.org