“قنديل” في ظلام اللاجئين
بقلم: أمجد عرار
2008/4/12

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=9168

ثمة مخاطر جانبية وغير مرئية جيداً ترافق القضايا التي تطول كالقضية الفلسطينية. فعلى سبيل المثال، أصبح القتل اليومي الفردي أو الثنائي والثلاثي الذي تمارسه “إسرائيل” أمراً طبيعياً وخبراً عادياً في وسائل الإعلام يشبه نشرة حالة الطقس، وعندما تحصل مجازر جماعية بالعشرات تحتل عناوين الصحف وصدارة النشرات، وإذا انخفض العدد تراجع الخبر إلى المركز الرابع.

وإذا عدنا إلى الأصل سنجد أن مصطلح القضية الفلسطينية نشأ مع النكبة عام ،48 لكن هذه القضية أصبحت تعني الآن حدود ما بعد احتلال ،67 لدرجة أنك لو ناقشت بعض “المثقفين الحداثيين” وحدثتهم عن يافا الفلسطينية سيقابلونك بابتسامة ساخرة: “عن أي يافا تتحدّث.. خلينا واقعيين”. واقعياً، بعد ستين عاماً على النكبة والتشرد يمر خبر نقل عشرات اللاجئين الفلسطينيين من العراق “الجديد” إلى تشيلي كأنه خبر “اللوك” الجديد لمطربة من مطربات الغبار الفضائي. لذلك جاء حزن الإعلامي الكبير حمدي قنديل نسمة سلسة ناعمة عكس عواصف النسيان والتناسي في الواقع العربي والدولي، الذي سيبلغ الامتهان فيه للعدالة ذروته حين “يشرف” رئيس أمريكا جورج بوش ليرقص مع حبيبته “إسرائيل” في الذكرى الستين لغرسها في لحم الكرامة العربية، ويشرب معها نخب النكبة فلا يسمع قهقهاته السوداء أولئك الذين باتوا في “خيمة” اللجوء الجديدة في تشيلي أو البرازيل. حزن حمدي قنديل جاء صدى لصرخة الأديب المناضل الشهيد غسان كنفاني الذي أوقف عند عمر الثانية عشرة احتفاله بعيد ميلاده في التاسع من ابريل/ نيسان لأنه يصادف ذكرى مذبحة دير ياسين. في رائعته “أم سعد” كتب كنفاني “خيمة عن خيمة تفرق”، فما الفرق؟ عذراً أبا لميس، فلقد ذابت الفوارق بين الخيم، فخيمة معسكر الثورة أصبحت موصومة بالإرهاب في قاموس العالم الجديد، ولم يعد لدى الفلسطينيين سوى الاختيار بين المنفى والمنفى، وبعدك ابتكر أعداء الإنسانية خياماً للاعتقال في “أنصار” والخيام والنقب، فأصبحت الخيمة للجوء أو الاعتقال.

وبعد عقود من التمسك بحق العودة وفقاً لقرار ،194 أصبح السقف العربي والفلسطيني الرسمي “حلاً متفقاً عليه”. كيف لا يتجرأ مجلس النواب الأمريكي و”يضارب” على حق العودة باختراع قضية “اللاجئين اليهود”؟ سيتجرأون أكثر، ويخترعون غداً قضية “توسع استيطاني” عربي، وستتحدث وسائل الإعلام عن مشروع أمريكي - بريطاني - “إسرائيلي” في مجلس الأمن يطالب بتفكيك “المستوطنات” العربية في رام الله أو الإسكندرية أو البصرة، وعن اعتداء عربي على حقوق اليهود في دولة “من الفرات إلى النيل”. هم يفكرون ويخططون لذلك، لكن العتمة لا تأتي دائما على قدر رغبة اللص، وفي عتمة ظلامنا ستتحوّل دمعة قنديل إلى قنديل لا ينطفئ ما بقي زيت الزيتون.

http://www.miftah.org