استقلال .. يصنع نكبة!
الموقع الأصلي:
شيئان على طرفي نقيض، نكبة واستقلال، يوم للحزن وآخر للفرح، فقر وغنى، اقتصاد عملاق واقتصاد هشّ ترسانة عسكرية نووية وقذائف بدائية، فلسطين تختفي وإسرائيل تظهر. في كل ما سبق تتفوق إسرائيل. لكن فلسطين تتفوّق وهي تطرح حقوقاً مشروعة مقابل أطماع كولونيالية إسرائيلية، وتتفوّق في نضالها من أجل الحرية مقابل سعي إسرائيل للاحتلال والهيمنة على شعب آخر، وتتفوّق في عدالة قضيتها مقابل غطرسة القوة، تتفوّق فلسطين إنسانياً وأخلاقياً ــ رغم بروز بعض الأخطاء ــ مقابل إفلاس أخلاقي وإنساني إسرائيلي. ميزان القوى الإجمالي يختل بشكل ساحق لـمصلحة إسرائيل، وحدها الانتفاضة الأولى عطّلت وحيّدت عناصر التفوّق الإسرائيلي وصنعت فسحةً من الأمل لتحقيق حل فيه قليل من التوازن. هل كان من الـممكن التوفيق بين طرفي النقيض ليخرجا من الحيز الـمحموم للإقصاء، إقصاء القوة الغاشمة للشعب الأعزل؟ سؤال طرح منذ 60 عاماً، وقدّمت عليه إسرائيل 60 إجابة وكلـمة واحدة هي: لا. في السنة الأولى كما في السنة الستين بذلت إسرائيل قصارى جهدها لتدمير حل الدولتين، غيّرت فقط في خطابها السياسي وأبقت على مضمونه في الـممارسة العملية، فجعلت الحل غير ممكن في كل الأحوال. وكلـما بزغت إمكانية للحل السياسي سرعان ما تحبطها في الـمهد. والـمفارقة في موقف النظام الدولي الذي بذل جهوداً وضغوطاً حثيثة لتطويع موقف النظام العربي ولاحقاً الفلسطيني باتجاه القبول بحل الصراع العربي والفلسطيني ــ الإسرائيلي استناداً لقرارات الشرعية الدولية، وعندما استجابت الدول العربية ومنظمة التحرير للحل، لـم يمارس النظام الدولي ضغوطاً على إسرائيل التي تنكّرت للشرعية الدولية، بل إن الولايات الـمتحدة وفّرت الغطاء للتمرّد الإسرائيلي على الشرعية الدولية. الآن وبعد 60 عاماً تحاول إسرائيل التحكّم بكل عناصر السيطرة وتسعى بشكل حثيث إلى صياغة وفرض حل بالقوة على الشعب الفلسطيني، وفي الوقت نفسه تحظى بتأييد ودعم دولي غير مسبوق. يشهد على ذلك التسابق الدولي على خطب ود دولة الاحتلال، وتقديم الدعم السياسي والـمعنوي والـمادي لها في سلوك غير مسبوق منذ أربعة عقود. عدد كبير من رؤساء وزعماء الدول الحاليين والسابقين سيشاركون إسرائيل احتفالاتها بالـمجيء إليها، كالرئيس جورج بوش، والرئيس الفرنسي ساركوزي، والـمستشارة الألـمانية ميركل، وتوني بلير، وغورباتشوف، وهنري كيسنجر، وفاسيليف هافل، ورئيس دولة اندونيسيا الأسبق عبد الرحمن واحد، وفعاليات بأوزان ثقيلة كإمبراطور الإعلام روبرت موردخ، وباربارا ستريساند والـملياردير الأميركي شيلدون أديلسونو، والفائزة بجائزة (نوبل) إيلي ويسيل، والبروفسور في جامعة هارفارد إلان دير شويتس. والـلافت، أيضاً، مشاركة سيرجي بريين مؤسس موقع (غوغل) العالـمي على شبكة الإنترنت ومارك زوكرمان مؤسس موقع (فيس بوك)، ورئيس مجموعة (تاتا) الهندية. وتشارك إسرائيل في معارض الكتاب كضيف شرف في فرنسا وإيطاليا، وتنظم فعاليات ثقافية وفنية كبيرة في العديد من العواصم والـمدن العالـمية، وتشارك في مهرجانات السينما بعدد من الأفلام التي أعدت للـمناسبة كمهرجان برلين الـ58 ومهرجان بلجيكا لأفلام الحب. باختصار، تنظم إسرائيل أوسع نشاط هجومي خارجي يستهدف الرأي العام العالـمي وتحرز تقدماً غير مسبوق، تخترق فيه الـمعاقل التي اشتهرت بالتضامن مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. الغريب في الأمر أن التأييد الدولي لإسرائيل يأتي في ظل انتهاجها سياسة عدوانية، وفي ظل سعيها الـمنهجي لتدمير حل الدولتين وتأجيج صراع على أساس ديني. وإذا كان من الـمفهوم انحياز الدول والنظام الدولي الذي يتزعمه الـمحافظون الجدد لإسرائيل، فمن غير الـمنطقي أن تتداعى الجبهة الثقافية في العديد من البلدان ويتم اختراقها بثقافة من طبيعة كولونيالية. حكومة إسرائيل تنظم احتفالات ضخمة ومنظمة وهادفة في كل الـمواقع والجبهات، وتشكّل لجاناً وزارية وبرلـمانية وفنية وتفرز لها أهم الكفاءات والشخصيات الاعتبارية، وتخصص موازنة ضخمة، وتعمل على إشراك أوسع القطاعات، وعلى استعراض أهم الإنجازات وتطلق القمر الصناعي (عاموس 60) في إشارة إلى الذكرى الستين لإعلان الدولة. وجهود الدولة بدأت تؤتي أكلها في الداخل والخارج أكثر بكثير. مقابل ذلك، تتعامل السلطة الوطنية والـمنظمة بشكل غير مبال في الذكرى الستين للنكبة، لا يوجد استنفار ولا تحضير ولا تأمين مقومات ولا حتى استفزاز من الاختراقات الإسرائيلية في معارض الكتب الأوروبية، الحكومة لـم تشكل لجنة، والـمنظمة في حالة بيات، والـمجلس التشريعي نائم، والـمجلس الوطني آخر من يعلـم! والفصائل تنتظر يوم 15 أيار ليخرج قادتها بتصريح تلفزيوني أو بخطاب في مراكز الـمدن. من لا يصدق فعليه مراجعة وسائل الإعلام الفلسطينية، وسيجدها بالتأكيد خالية من أي ذكر للـمناسبة، الـموقف الرسمي والفصائلي يعيش حالة من الصمت ( ليس في الجبة أحد)، لـماذا؟ الاحتلال، الانقسام، الانشغال بالشأن الداخلي، عدم توفر الأموال، وكلها أسباب غير مقنعة ولا مبررة. وحدها اللجنة الوطنية (الشعبية وليس العليا) لإحياء ذكرى النكبة الـمكونة من لجان الدفاع عن حق العودة تعمل منذ أشهر، وتبذل نواتها جهوداً مضنية تستحق الاحترام والتقدير. هذه اللجنة قدمت برنامجها لإحياء الذكرى ويضم عدداً من الفعاليات في الـمحافظات وتنسق جهودها مع لجان في الخارج. غير أن عمل هذه اللجنة مقارنة بأهمية الذكرى والهجوم الإسرائيلي الشامل غير كافية، ويغلب عليها الطابع الـمحلي وهي مسكونة بهاجس الدفاع عن حق العودة الذي يحتل كل اهتمامها. ما زلنا نملك متسعاً من الوقت لإعطاء هذه الـمناسبة الاهتمام الكافي، لوضعها أولوية على جدول الحكومة والـمنظمة، لاستنفار مؤسسات الـمجتمع واستدعاء الكفاءات الفلسطينية والعربية والدولية، الـمطلوب ليس تقديم خطاب روتيني واستنكار الـمؤامرة، بل إنها معركة سياسية على الرأي العام العالـمي، معركة حول العدالة والشرعية والقانون الدولي وحقوق الإنسان وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. إسرائيل تحاول إقحام العرب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر في احتفالاتها، إنها الـمعركة السياسية بكامل أبعادها، هل نستيقظ أم نذهب في سبات في أهم مواجهة سياسية منذ ستين عاما؟.
http://www.miftah.org |