التهديد الديموغرافي!
الموقع الأصلي:
لا مانع ان تكون آلة الإنجاب الفلسطينية هي المدخل الى تحرير فلسطين. ما يخشى منه فقط، وما لا يستحقه اطفال فلسطين، أن تتحول آلة الانجاب هذه أداة في خدمة السياسة التصعيديةالاسرائيلية. فمع استمرار الصراع على ما هو عليه، ومع استمرار التفاوت الكبير في القوة، عسكرياً وسياسياً على ما هو عليه، ليس صعباً تقدير المنحى الذي تسير اليه هذه المواجهة بين الآلتين، آلة الانجاب كما طمأننا خالد مشعل، وهو يحتفل بزواج ابنته، وبين الالة الاخرى هي ايضاً على مدار الساعة في احياء غزة ومدن الضفة الغربية. هل ننجب اطفالنا ليتحولوا الى ارقام متزايدة على قائمة الشهداء؟ أهذا هو المصير الذي نعده لاجيالنا بينما تذهب اجيال العالم الى المدارس والجامعات والعلم والتخصص؟ ام انه الرد الذي يعتبر رئيس المكتب السياسي لـ «حماس» انه الانسب على التهديدات الاخيرة التي اطلقها ايهود اولمرت بضرب الحركة بطريقة «لا يمكنها بعدها العمل كما تفعل اليوم»؟ ثم... هل تقتصر آلة الانجاب هذه، التي باتت مصدر «فخرنا» في غياب أي مصدر آخر للتفاخر، على الفلسطينيين؟ أليس الاسرائيليون، والأكثر تديناً منهم على نحو خاص، لهم نصيب ايضاً؟ فهؤلاء المتعلقون بأرض الميعاد، مثلما يتعلق الفلسطينيون بحق العودة المشروع، منتبهون هم ايضاً الى أهمية الديموغرافيا في هذه المعادلة ويحسبون حسابها. وبالتالي فإن ضمان الغلبة في هذا السباق ليس مضموناً، وقد يوصلنا الى نكسة جديدة، اذا اعتمدنا عليه وحده لتحقيق «النصر»، تماماً كما فعل بنا السباق في ميادين السياسة والحرب. لقد ترك الخوف الديموغرافي اثره في العقل الاسرائيلي ويدفع الفلسطينيون، خصوصاً الذين يعيشون منهم داخل اسرائيل، وهم يشكلون خُمس سكان اسرائيل على الاقل، الثمن من حقوقهم المدنية والسياسية والشخصية نتيجة هذا الخوف او نتيجة التذرع به. من ذلك مثلاً منع هؤلاء من الزواج من فلسطينيين من الضفة الغربية او غزة، كي لا يتاح لابنائهم حق حمل الجنسية الاسرائيلية المتاحة لفلسطينيي الداخل. ومنه تشديد المراقبة الامنية عليهم في الوظائف والنشاطات العامة منذ الانتفاضة الاولى وبعد مشاركة بعض ابنائهم في عمليات تفجيرية ضد اهداف اسرائيلية. ومعاملتهم بصورة تمييزية من جانب اجهزة الدولة مقارنة بالمعاملة التي يتمتع بها اليهود. واذا كان هذا الخوف الديموغرافي من تزايد اعداد الفلسطينيين قد دفع كثيرين من السياسيين في اسرائيل الى الدفاع عن فكرة الدولة الفلسطينية، لا حباً بها، بل من اجل الخلاص من هذا العبء البشري المتزايد، فانه في الوقت ذاته عزز فكرة «الدولة اليهودية» التي باتت الآن اساساً مطروحاً لأي حل يمكن ان تقوم له قيامة في المستقبل بين اسرائيل والفلسطينيين. هكذا يكون مشروعنا «القومي» القائم على زرع الخوف في نفوس الاسرائيليين من «آلة الانجاب الفلسطينية» قد حقق مردوداً عكسياً على الصعيد السياسي، إذ انه منح اسرائيل افضل ذريعة للدفاع عن «يهوديتها»، وهي التي لم تدّع في أي يوم انها دولة قائمة على المساواة بين مواطنيها اليهود والعرب. كما اصبح هذا المشروع «القومي» ايضاً افضل ورقة في يد الذين يتسابقون في الغرب الى الدفاع عن «حق اسرائيل في البقاء». فمثلما فعل مشروع احمدي نجاد النووي على طريق تدمير اسرائيل قد يفعل مشروعنا الفعل ذاته. الفارق الوحيد ان مشروع نجاد يفتقر الى الاقناع من اي نوع، بينما مشروعنا له وجه اخر. وفي هذا ربما أحسن حسناته وأفضل مبررات بقائه! القدس
http://www.miftah.org |