لم يعد سوى مخرج واحد
الموقع الأصلي:
النتائج التي تمخضت عنها زيارة الرئيس الاميركي الأسبق، لا تستحق الضجة الإعلامية التي أثيرت حولها من قبل ومن بعد وكل الوقت الذي استحوذت عليه لقاءاته، عند وصوله الى اسرائيل التي بدأ وأنهى بها جولته، افرغ ما في جعبته من حصيلة هي اكثر من هزيلة، فيما كان موقع البداية والنهاية يشير الى التزام كارتر التاريخي بالسياسة الاميركية عموماً ازاء اسرائيل، وربما لكي يؤكد ان التعديلات التي طرأت على مواقفه ازاء الصراع بعد خروجه من البيت الابيض، وكانت موضع انتقاد من قبل اللوبي اليهودي، واسرائيل، تلك التعديلات لا تخرج عن اطار الصداقة والاجتهاد في حماية الدولة العبرية. على كل حال، لم يكن ذلك هو برهان كارتر الوحيد على انه الرجل الذي يستحق معاملة افضل من الاسرائيليين الذين أهداهم في عهده، اكبر وأهم انجاز حققته اسرائيل بعد قيامها العام 1948، فلقد اكد الرجل انه حاول اقناع قيادات حماس وإن بكلمات مخففة، بقبول الشروط الثلاثة التي تطرحها الرباعية الدولية واسرائيل على الحركة لتغيير طريقة التعامل معها. كارتر طالب حماس بالاعتراف بإسرائيل، ونبذ ما يسمى العنف والإرهاب، والالتزام بما وقعت عليه منظمة التحرير والسلطة من اتفاقيات، وطالبها بالمبادرة الى تهدئة من طرف واحد، والقبول من طرف واحد بشروط اسرائيل مقابل الافراج عن الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليت. صحيح ان حركة حماس ما كانت لتوافق على طلبات كارتر، او غيره، وإلا لكانت وفرت على نفسها كل الأثمان والعذابات التي تكبدتها وتكبدها الشعب الفلسطيني من حصار، وعدوان، وخسائر باهظة، ولا نعتقد بالمقابل ان كارتر كان يتوقع من حركة حماس الموافقة على كل هذه الطلبات والشروط لمجرد انه جازف باختراق الحصار، وبادر الى الاستماع لوجهة نظرها، وأشار الى انها حركة تحرر وطني. ويبدو ان الإنجاز الوحيد الذي حققه كارتر، ولا نعتقد أنه يشكل فارقاً حقيقياً، هو ما جاء في الورقة المكتوبة التي قرأها على الصحافيين، خلال مؤتمره الصحافي في القدس. غير ان هذه الورقة، لا تنطوي على اية اهمية، ذلك ان موافقة حركة حماس على قبول نتائج استفتاء على اي اتفاق يتم التوصل اليه عبر المفاوضات، جاءت مشروطة بإنجاز مصالحة وطنية، الكل يعرف مدى صعوبة تحقيقها، هذا فضلاً عن ان "حماس" لن تجد نفسها ملزمة به في اي وقت ما لم يرتب لها ثمناً مقابلاً. والحال ان اعلان رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل، قبول حركته من حيث المبدأ قيام دولة فلسطينية على الاراضي المحتلة منذ العام 1967، كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، وخالية من الاستيطان وعودة اللاجئين ودون مفاوضات مباشرة، او اعتراف بإسرائيل، هذا الاعلان من شأنه أن يبدد اي غموض وينسف كل مراهنة على الإنجاز الوحيد لكارتر. عدا ذلك، فإن كل ما نجم عن لقاءاته بقيادات الحركة، واستيضاحه مواقفها ورؤاها، لا يفيد بشيء ازاء اقناع المجتمع الدولي والعربي واسرائيل بضرورة تغيير سلوكها في التعاطي مع حركة حماس او قطاع غزة الذي تسيطر عليه. اذا حاولنا قراءة التقاطعات بين ما طرحه كارتر وما طرحه وزير الخارجية المصري د. احمد ابو الغيط سنعثر على محاولات غير ناجحة، لإقناع "حماس" او الضغط عليها من اجل ان تلعب دوراً ايجابياً او مسهلاً للمفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية الجارية، والمتعثرة اصلاً. بعد لقائه بالرئيس كارتر في القاهرة كان القيادي من حركة حماس الدكتور محمود الزهار، قد اعلن انه متفائل بإمكانية تحقيق اتفاق بشأن التهدئة قبل عودته الى القطاع، غير ان الامور لم تسر على هذا النحو، لسببين؛ الأول: ترابط الملفات بعضها ببعض، والثاني: هو ان اسرائيل غير جادة في التوصل الى تهدئة، وبأنها فعلياً تحافظ على قدر من تسخين الجبهة مع قطاع غزة يهيئ لها الانتقال الى طور اصعب من العدوان الذي تهدد بارتكابه. عدا ذلك يبدو ان من الصعب تحقيق مثل هذه التهدئة دون توافق وطني، لا يقف عند حدود التصريحات التي تصدر من غزة ورام الله، وتؤكد الرغبة في تحقيق مثل هذه التهدئة، ذلك ان حركة الجهاد على سبيل المثال لها رؤية مختلفة للتهدئة إذ لا يمكن ان توافق على ان يكون ميدانها قطاع غزة فقط فيما تواصل اسرائيل ملاحقة قياداتها وكوادرها في الضفة. الأمر ربما ينطبق على اطراف اخرى، وهو ما يستدل عليه من خلال العملية المشتركة لسرايا القدس وكتائب شهداء الأقصى، اول من أمس، على موقع اسرائيلي غرب معبر ايريز وقبلها العملية المشتركة على معبر ناحال عوز. اذاً كل ما يجري من وساطات وتحركات لمعالجة الملفات الصعبة المطروحة من التهدئة، الى المعابر، وتخفيف او رفع الحصار، الى ملف شاليت، كلها باتت تستند الى ثوابت لدى الوسطاء ولدى الاطراف المعنية ايضاً، لا تشير الى امكانية إحداث تغيير ايجابي في واقع الحال الذي يتدهور من سيئ الى اسوأ. الخيارات اذاً مغلقة الى حد كبير، والانفجار الذي يجري منذ بعض الوقت التحذير من وقوعه، غير محدد الوجهة، وغير مضمون الهدف، طالما ان الانقسام الفلسطيني بات يتحكم في مصير الخيارات الاخرى، والأحرى ان يجري التركيز على توفير الإرادة والجهد لمعالجة ملف الانقسام بما انه يشكل البداية الصحيحة والأكيدة لمعالجة بقية الملفات الاخرى. الى ذلك الحين تكبر اسئلة الجمهور الفلسطيني بشأن مستقبل الوضع في قطاع غزة وعلى مستوى الوضع الفلسطيني بشكل عام، الى درجة تنذر فعلاً بانفجار لا يعرف حدوده احد، ما لم تتقدم حركة حماس بدرجة اساسية بحلول ذات طبيعة سياسية. الفلسطينيون في قطاع غزة، الذين يطحنهم الحصار والعدوان، ونتائج وتداعيات الانقسام الداخلي وفقدان الامل والخيارات، باتوا يتداولون في احتمالات ان يكون الصيف في المنطقة عموماً، وعلى الصعيد الفلسطيني - الفلسطيني، والفلسطيني - الاسرائيلي ساخناً جداً. إن ملامح هذا الصيف لا تتوقف فقط عند حدود واحتمالات تفجر الوضع الداخلي في قطاع غزة، او ما تطلقه اسرائيل من تهديدات لا تتوقف عن عزمها معالجة الوضع في القطاع بوسائل عسكرية، وإنما ايضاً، ما تؤشر اليه حالة الانقسام العربي، ومحاولات فكفكة تحالفات بعض الدوائر العربية الإيرانية، واجتماعات وزيرة الخارجية الاميركية رايس مع محور الاعتدال ودول جوار العراق. ومن البديهي ان لكل ذلك علاقة بالمفاوضات الجارية رغم كل ما يحيط بها ويكتنفها من مناخات سلبية وعوامل تعطيل. في ضوء ذلك، وفي ضوء ما ينطوي عليه الصيف المقبل من احتمالات صعبة، من غير المستبعد أن تقع تحولات انعطافية في العلاقات الفلسطينية، تبدؤها حركة حماس. ان من الحكمة أن نتجنب ونجنب شعبنا المزيد من الكوارث والويلات والأثمان والتضحيات دون طائل، فالتاريخ لن يقف طويلاً عند ما يجري من عناد قد يطول قليلاً لكنه سينتهي بطريقة او بأخرى.
http://www.miftah.org |