ستون عاماً على النكبة ولم نبلغ سن الرشد
الموقع الأصلي:
في الذكرى الستين على نكبة فلسطين والفلسطينيين لا بد من وقفة مراجعة وتأمل وتقييم ، ولا بد من بعث حراك تصحيحي لمسيرة الحركة الشعبية الفلسطينية على الظلم والتشريد والقهر والحصار وعلى كل أبشع مظاهر الأستعمار وأعراضه ، والأعراض الجانبية للعلاج الخاطيء الذي تجرعه الفلسطينيون والوصفات الشعبية ونصائح الشيوخ والمشعوذين والزنادقة والعرافين والنصابين وتجار القضايا الشعبية لجني أرباح شخصية من دماء الشعوب وعلى حساب مآسيها وإغراقها في دوامات التوهان والحروب العقيمة الخاسرة مع الأعداء والإقتتال في ما بين الإخوة. في البداية لا بد من الإشارة والإعتراف بمرارة الصراع ، وبخصوصية القضية الفلسطينية وتفردها على مر التاريخ والأزمان ، فلن تجد لها مثيلاً في التاريخ القديم والحديث ، فهي ليست قضية استعمار فحسب ، وليست قضية استيطان فحسب ، إنها قضية فريدة من نوعها ، قضية استيلاءٍ على أرض بالقوة والسطو ، واجتثاث سكانها منها ومن الجذور بالقتل والإبادة أولاً وبالتشريد والملاحقة ثانياً ، وطمس هوياتهم الوطنية والقومية ، و إلغاء تاريخهم وإهدار حقوقم في ملكية أراضيهم ، وشطب تراثهم وانتمائهم وثقافتهم ، واستبدال هؤلاء الناس الذين ارتبطوا بهذه الأرض بأناسٍ آخرين من شتات الدنيا ، ومنحهم ملكية الأراضي بالقوة والتزوير وضمن سياق الخرافات في كتب الديانات المحرفة، وإقامة ثقافة وتراث جديد يرتبط بهذه الأرض وتغيير معالمها الجغرافية والحضارية والثقافية والتراثية وفرض تقافة دخيلة وتراث لا يمت للأرض بصلة ، وإخضاع التاريخ لعملية تجميل تنطوي على تغيير الحقائق وتلفيق وتزوير الأباطيل لتجعل منه شاهد زور على حقٍ لقيط ولد وترعرع بالحرام والدماء والدموع والظلم والقتل والتشريد والطمس. فقضية فلسطين قضية وطنية أولا ، وتاريخية ثانياً ، وجغرافية ثالثاً ، وحضارية رابعاً ، وإنسانية اجتماعية وتراجيديا مؤلمة ومحزنة ومليئة بالقصص الإنسانية القريبة والمشابهة للخيال خامساً ، حيث يصعب على المرء السوي الخلق والمفطور على الخير أن يصدق فصول قصصها الإنسانية وبداياتها ومسيرتها المعذبة الى نهاياتها. إنها قضية مركبة ، ذات أبعاد خمسة وكل بعد متفرد بمكوناته الرئيسية وتفاصيله وعلاماته الفارقة. من هنا كانت الإنجازات الوطنية الفلسطينية باهتة وضحلة ودون مستوى التضحيات ، لعدة أسباب تعود الى فرادية البلاء والقضية والتي نوهنا عنها آنفاً ، والى طريقة العلاج التي أتبعت والوصفات الطبية الخاطئة بقصد أو بدون قصد. ولتسليط الضوء على العلاج الخاطيء ، فقد ركزت الحركات الشعبية الفلسطينية المقاومة لهذا الغزو الفريد والحركات العربية الرسمية على بعد واحد منذ البداية وأغفلت الأبعاد الأربعة الأخرى ، فقد ركزت حركات المقاومة العربية الرسمية والحركات الشعبية الفلسطينية بدايةً على بعد الهوية الوطنية والقومية للقضية ، وابرازها على أنها قضية تحرر وطني فقط ، وأنفقت الأموال الطائلة وقدمت سيولاً من الشهداء في حروب ارتجالية عبثية غير محسوبة النتائج بدون قصد آلت معظمها الى الهزائم العسكرية ، وكلها أدت الى الهزائم السياسية سواءً كانت حروباً عسكرية فاشلة أو ناجحة نسبياً ولم تحقق تقدماً باتجاه حل عادل للقضية ولم تضف رصيداً دائناً لحساب القضية في البنوك الوطنية لا بل تراجعت أحياناً كثيرة وارتدت الى المربع الأول بعد تخطيه وعمقت وضاعفت من بنود الخسائر وأرقامها على حساب بنود الأرباح والمكاسب لتقزم من أرقامها. كل ما كتب عن القضية الفلسطينية يثبت أن العرب وخاصة القيادات العربية الرسمية والنخب السياسية المثقفة كانت على وعي بالحركة الصهيونية ، وعلى علم بتخطيطها طويل المدى منذ صدور وعد بلفور وبعلاقاتها المؤثرة على دول صنع القرار في العالم، وقدرتها المادية والإعلامية على ايجاد الآليات الفاعلة لتمكينهم من تحقيق الأهداف لهذه الخطط ، وإن كنا نعترف بالجهل والفقر والإستعمار الذي كان يلف وطننا العربي والإسلامي في ذلك الوقت ، فلن يعفي ذلك الطبقة المثقفة الواعية والمتعلمة من تنوير الشعوب وقيادة حركة المقاومة للمشروع الصهيوني في فلسطين وتوجيه بوصلتها نحو أهداف يسهل تحقيقها في ذلك الوقت لتقلل من خطر المشروع الصهيوني على المنطقة العربية على أقل تقدير لا أن تمنعه من التحقيق كما أضمر بعض الشرفاء من القادة العرب لذلك وكما قصد بعضهم ذلك من أجل مصلحة قبلية أو فئوية ضيقة وفي تناقض عربي وتضارب وتشرذم للمواقف والأهداف والوسائل في مواجهة جبهة صلبة موحدة وقوية للعدو. لقد كان الخطاب العربي الرسمي في بداية النكبة هو الصوت الشرعي الوحيد الذي كان يدافع عن فلسطين والفلسطينيين ضد المشروع الصهيوني ، وحقيقة الأمر فإن هذا الخطاب فشل في عرض القضية بكل أبعادها منذ البداية ، وأفشل معه الحركات الفلسطينية المقاومة بتدخله في شئونها وتثبيطها وإغراقها بالوعود السرابية ، ووقف أنشطتها المقاومة وهي على عتبة تحقيق النصر النسبي في زوبعة وعود كاذبة من القوى المتنفذة في العالم. نستطيع القول أن غياب الوعي السياسي أو ربما تغييبه عن المواطن العربي والفلسطيني ، وطغيان ردة الفعل الغاضبة عل العمل العربي والفلسطيني ، وطرح القضية بمفهوم عسكري بحت لا يقبل الحوار السياسي ، ومطالبة اليهود بالرحيل أو مواجهة الإبادة والقتل وفي ظل غياب الإعلام السياسي والدبلوماسي وانسحابه أمام الإعلام العسكري ، وكذلك تغييب البعد الإنساني عن مسرح القضية وعدم وجود إعلام عربي يصور التراجيديا الإنسانية التي يعاني منها الفلسطيني في حين كان الإعلام اليهودي يظهر على السطح القضايا الإنسانية اليهودية للعالم ويخفي تحتها أعمال القتل والإبادة والقمع للحركات الفلسطينية والعربية المقاومة وفي اتجاه معاكس نجح في التغلب على محصلة الأعمال المقاومة للإحتلال والإستيطان والحصار والتشريد. ونتيجة لفشل المقاومة العربية والفلسطينية في تحقيق أهدافها على مر السنين منذ بداية النكبة ، ولفشل النظام السياسي العربي في ترسيخ الديمقراطية والحرية والتنمية للشعوب العربية ، كل ذلك أدى الى ظهور الحركات الإسلامية المتطرفة في العالمين العربي والإسلامي ، ولقد نجح الأعداء في توظيف هذه الحركات الدينية الراديكالية المتطرفة لخدمة أهدافهم كما حصل ويحصل في أفغانستان والعراق بشكل جلي وواضح وكما حصل ويحصل في لبنان وفلسطين بشكل مستور تحت شعارات تداعب مشاعر الشعوب المحبطة والمثقلة بالهموم الوطنية ، وأدى ذلك الى تشعب القضايا العربية وتكاثرها وتحولها الى أزمات داخلية عربية-عربية ، وذاتية داخلية في داخل الوطن وبين أبناء الشعب الواحد وأدت الى الفرز العرقي والطائفي بين المواطنين داخل الكيان التاريخي والجغرافي الواحد . وبالتالي أدى ذلك الىإضعاف المقاومة للخطر الخارجي المسلط على رقاب الأمة وغيبها لصالح الخلافات الداخلية المتقاتلة مما نتج عنه فشلاً واضحاً وتعثراً في الطريق الى الهدف. لقد آن الأوان لإعادة النظر في طرح القضية الفلسطينية ، وفي الخطاب العربي والفلسطيني تجاه هذه القضية بالتركيز على كل أبعادها ، واستنهاض الأمة لبداية مشروع مقاومة حضاري ، يعكس خصوصية القضية وتفردها ، ويركز على بعدها الإنساني والتاريخي والجغرافي والحضاري بجانب بعدها الوطني التحرري بكل الوسائل المتاحة ومن ضمنها الوسائل العسكرية المقاومة لعساكر المحتلين والمستوطنيين غير الشرعيين في الأراضي المحتلة ، ويستثمر القرارات الدولية. القضية الفلسطينية بحاجة الى عمل مقاوم مركب ، فيه المقاومة العسكرية الهادفة وغير المكلفة ، والمقاومة الشعبية المدنية المبرمجة والهادفة ، والعمل الثقافي والإعلامي المقاوم الذي يربط الإنسان بالأرض والجذور والتراث والتاريخ وخاصة الأجيال المعاصرة والقادمة التي لم تعرف الوطن وولدت خارجه ، ويعرف الأجيال على جغرافية الوطن بكل تفاصيلها ، مدنها وقراها وبلداتها وتضاريسها وأنهارها وبحيراتها وخيراتها ونباتاتها وحيواناتها. وتسخير الإعلام والأدب والفن والصحافة وكل وسائل الإعلام المختلفة لنقل المعاناة الإنسانية اليومية والإجتماعية للشعب الفلسطيني تحت الإحتلال وفي الشتات في المخيمات ، وتوظيف الفن العربي والفلسطيني لخدمة هذه الأهداف. فالقضية الفلسطينية مناخ خصب يتساوى فيها الواقع مع الخيال ، فالأديب والفنان لا يحتاج لإعمال خياله لخلق الدراما الإنسانية والتراجيديا الفنية ، هنالك قوالب جاهزة في الحياة الفلسطينية تحت الإحتلال وفي منازل الشتات.وايصال المعاناة الفلسطينية للعالم وذلك بتسخير المال العربي لخدمة هذه القضية الإنسانية العادلة. لقد شبعنا من القصص والمسلسلات والأفلام التي ذكرتنا بالماضي البعيد والقريب وأنفقنا عليها الكثير ، فما أحوجنا الى قصص ومسلسلات وأفلام تعكس واقعنا المؤلم وتخدم قضايانا المعاصرة لنلمس النجاح ماثلاً في حياتنا دون اجترار لنجاحات الماضي البعيد والقريب. نحن بحاجة الى تضمين الخطاب الفلسطيني والعربي كل أبعاد القضية دون تغليب بعد على آخر. وإظهار كل بعد للعالم بما يستحق من جهد وبما يليق به وبما يوصله الى الرأي العام العالمي ويصحح من تشويه وتزوير العدو له. نحن بحاجة الى ثورة تقافية وحضارية وإعلامية لتعكس عدالة قضيتنا أولاً في نفوس أجيالنا القادمة لبعث روح الهوية الوطنية فيهم وعدم طمسها مهما طال الزمان وبعد المكان ، وثانياً لبعث التضامن والعون لنا في نفوس وعقول الناس جميعاً لمساعدتنا على تحصيل ديوننا على الإنسانية جمعاء بشكل عام وعلى أعدائنا بشكل خاص. كما أننا بحاجة الى توحيد الخطاب وبرنامج العمل والأهداف والآلية لتحقيق الأهداف لتعبر عنا جميعاً بصوت واحد لا يعتريه النشاز فيوصله مشوهاً ومزعجاً لأصدقائنا وأعدائنا على السواء ، كما أننا بحاجة الى الفن السياسي والدبلوماسي القادر على اختراق الآذان التي أصمها الأعداء وملامسة أحداق العيون التي أعماها الأعداء بذر الرماد في عيونهم لكي لا يروا معاناتنا اليومية. ما نلاحظه اليوم هو تغييب عنصر الثقافة والتراث عن مسرح العمل الوطني تغييباً واضحاً لا مبرر له ، فلا يوجد مؤسسة وطنية واحدة للنشر ، ولا مسرح قومي وطني ، ولا معهد موسيقي وطني واحد ، ولا أكاديمية وطنية للتمثيل والمسرح والفنون ، وأن اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطيني يعاني من الإهمال والتهميش والتغييب عن ساحة العمل الوطني إلاّ بمبادرات شخصية من الكتاب والأدباء ضمن إمكانياتهم المادية والتطوعية المحدودة والبسيطة ، فكلنا يعلم علم اليقين أن الجيش الإسرائيلي عندما احتل الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 ، بادر باحتلال المؤسسات الثقافية والإعلامية الفلسطينية والمكتبات الوطنية ومؤسسات التراث ، وكذلك عندما دخل بيروت عام 1982 استولى أولاً على مؤسسة الدراسات والأبحاث الفلسطينية وصادر محتوياتها وصورها ونقلها لإسرائيل ، كما أن الإحتلال تسلل الى تراثنا الفلسطيني المعروف وأخذ يعيد صياغته بالطابع اليهودي ، فمثلاً بعض مضيفات شركة العال ترتدي الثوب الفلسطيني المطرز ، وأخذ الحان الأغاني الشعبية التراثية الفلسطينية مثل يا زريف الطول والدلعونا ويعيد صياغة الكلمات العربية بكلمات يهودية بلحن شعبي فلسطيني ، ولم يقف عند هذا الحد بل أخذ الأكلات الشعبية الفلسطينية كالمسخن والحمص والفول والفلافل ويحاول أن ينسبها لليهود كما أنها تراث يهودي. يحق لنا أن نتساءل ، هل منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية عاجزتان عن دعم الثقافة والتراث الفلسطينين ليقوما بدورهما في معركة الحرية والإستقلال؟ وهل أن عنصري الثقافة والتراث لا يعتبران أولوية ملحة لتدعيم العمل الوطني المقاوم في كل الأزمان والأوقات؟ وكيف نفسر الهجمة الإسرائيلية على الثقافة والتراث الفلسطيني ومحاولتها طمسهما وإحلالهما؟ إن الثقافة والتراث هما العنصران القادران على التشبث واالبقاء ، وهما لصيقان للأجيال المتتابعة تورثهم الهم والواجب الوطني وتذكرهم به دوماً ، إن عنصري الثقافة والتراث يعبران أصدق تعبير عن الوجود وعن الهوية الوطنية. وما الإنحدار العربي الاّ نتيجة للغزو الثقافي الإستعماري الذي أنشب بأظفاره في جسد الأمة وأنساها ماضيها وتقافتها وتراثها وعراقتها وحضارتها وأعماها في حاضرها وأغرقها في غياهب ودوامات الجهل والفقر وأظلم مستقبلها بثقافته الدخيلة ومنتجاته الحضارية السامة والتي أساءت الأمة استغلالها وبالتالي حجبت رؤية الأمة وقياداتها عن التنمية والتطور الحضاري وعن استشراق مستقبل أفضل. وفي نظرة تشريحية للحالة الفلسطينية الراهنة من خلال تصوير شعاعي وطبقي بالرنين المغناطيسي نخرج بتقرير طبي متشائم لواقع متردي من العمل الوطني المقاوم من أجل الحرية والإستقلال ، وهنا لا نقصد التسويق للتشاؤم والإحباط واليأس بقدر ما نضع أصابعنا على الألم والجرح كحقيقة مفزعة ، ونحن أمة مؤمنة بالله لا نعرف لليأس طريقاً ، ونؤمن بقدر الله ، وأن دوام الحال من المحال ، وأن الأيام دول يتداولها الناس ، ونؤمن بشعبنا وجبروته وقدرته على الرباط والصمود والصبر على البلاء ، فالحالة الفلسطينية الراهنة تتلخص فيما يلي: فريق منا يحرث الأرض ، وفريق آخر يلبدها من ورائه في اتجاه ونوايا متعاكسة ، وهذا ليس ايماناً واقتناعاً من الفريق المضاد بخطأ الفريق الآخر وسلوكه درباً لا يؤدي للهدف ، إنما يأتي هذا التناقض في سياق التسويق لبضاعة كل فريق على حساب بث وإشاعة دعاية وإعلان عن مساويء بضاعة الآخر ، كتاجرين متنافسين يسوقان لبضاعة واحدة ومن نفس المصدر والصناعة وبنفس المواصفات. فالتاجر الأول يقول للمشتري هذه هي البضاعة الأصلية ، أما البضاعة عند جاري فهي بضاعة مقلدة عن الأصل وتشابهه تماماً وإحذر التقليد. وهنا يبرز كل فريق مهارته في التسويق لبضاعته على حساب تغييب الضمير ، ومن حساب النفاق والدجل السياسي ، وعلى حساب كيل التهم جزافاً للفريق الآخر. خرج علينا قادة حماس في هذه الأيام يعرضون بضاعة فتح القديمة ، ويغلفون ذلك بغلاف مؤنقٍ وجميل يدغدغ المشاعر الوطنية الفطرية البريئة بجملة لا تساوي الحبر الذي كتبت به على رأي شارون في المبادرة العربية وتلك الجملة المعترضة المنمقة المفبركة ' نقبل بدولة فلسطينية......الخ بدون إعتراف بدولة اسرائيل' وهنا تبرز أسئلة مشروعة نطرحها على قادة حماس: كيف للكيان الفلسطيني الناشيء الضعيف أن يعيش بجوار كيان قوي يتطلع لابتلاع مزيدٍ من الأراضي الفلسطينية لا يعترف بوجوده هذا الكيان المجاور المعادي الناشيء سيما وأن عدم الإعتراف يعتبر سبباً مشروعاً في الغزو وبأي حجة للدفاع عن النفس من هذا الكيان المجاورالمعادي؟ لا نعتقد أن هذا سينطلي على كل مراقب ومحلل واعٍ للأحداث والمواقف!! ولا نعتقد أن هذا ما أعطي لجيمي كارتر من أقوال ومواقف. ولماذا تأخر الطرح السياسي الحمساوي الى هذا الوقت ليوصلنا الى ما وصلت اليه منظمة التحرير الفلسطينية في إهدار للوقت وإهدار مزيد من الأرواح والضحايا من أجل هدنة ، ولماذا جاءت ولادته على يدي الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر مهملين للجهود العربية الشقيقة وبعد سيل الدم الفلسطيني العرم وتقديم الضحايا بالجملة على مقصلة الأعداء مرات ومرات....ومرات وبشكل يومي.. وعلى مقصلة الإخوة في غزة بعد الحسم العسكري الدموي وبعد التجويع والحصار وتوقف عجلة الحياة في الوطن عن الدوران الطبيعي للبشر؟ إنهم بذلك يلبدون الأرض التي حرثتها منظمة التحرير الفلسطينية طوال العقود الماضية ، حرثتها بالجهد والتضحية والعرق والدم ، ليعيدوا هم حرثها من جديد في تكرار مكلف وممل واجترار للمواقف القديمة الماضية والرجوع الى نقطة التجمد للإنطلاق من جديد وبأضعاف مضاعفة من الجهد والدم والعرق والتضحية من أبناء شعبنا وليؤخروا موسم الحصاد لعدة مواسم قادمة في سنوات طويلة عجاف من الفقر والفاقة والقحط. لا أحد أحرص من الفلسطينيين على قضيتهم ، ولا أحد يدرك مصالح الفلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم. لا جيمي كارتر التوراتي الذي عندما زار اسرائيل قبل انتخابه رئيساً للولايات المتحدة ، والذي كان يُدرِّس الكتاب العبراني المقدس في أمريكا ، أبدى لجولدامئير رئيسة الوزراء في ذلك الوقت قلقه على مستقبل دولة اسرائيل مبرراً ذلك بأنه في صبيحة أحد أيام السبت دخل ليتعبد في كنيس يهودي ولم يلحظ في الكنيس إلاّ اثنين فقط يؤدون العبادة اليهودية ، وقال لجولدامئير ، أنا من خلال تدريسي لكتاب التوراة العبراني المقدس ، ومن خلال فصوله تعلمت وعلّمت 'أنه كلما ابتعد اليهود وخاصة قادتهم عن الدين اليهودي والعبادة يعاقبهم الله بتفتيت دولتهم وتشتيتهم في الأرض ، سألها يومها كيف تنظرين لمستقبل دولة اسرائيل في ظل هذه الحكومة العلمانية التي ترأسينها والبعيدة عن الدين والتديُّن ؟ وردت عليه وهي تلتهم دخان السجائر بشراهة بأن المتدينين اليهود حاضرون بقوة في الكنيست ، ودعته لحضور جلسة للكنيست والإطلاع بنفسه على دور المتدينين اليهود في صنع السياسة الاسرائيلية . وبعد ذلك أنتخب المتدين مناحيم بيغن رئيساً للوزراء بعد جولدا مئير. وأبرمت معاحدة كامب ديفيد بين الرئيس السادات (الرئيس المؤمن) ومناحيم بيغن (اليهودي المتدين) برعاية كارتر (الرئيس الأمريكي التوراتي). هذا ما جاء في كتابه 'فلسطين السلام لا التمييز العنصري' وعلى لسانه هو مع احترامنا لشخصه وتقديرنا لعواطفه العارضة المعترضة مع شعبنا من منطلق عواطفه الجياشة وخوفه على مستقبل اليهود وحرصه على دولة اسرائيل اليهودية. الهدف من الغزل المتبادل والتلاطف بين جيمي كارتر وقادة حماس مختلف بين ما في نفسه هو من أهداف وما في نفوسهم هم قادة حماس من أهداف قصيرة المدى ، كيف؟؟ جيمي كارتر التوراتي يُشجع ويُسوِّق للحل مع كيان إسلامي فلسطيني وهمي يوضع بين فكي كماشة (اسرائيل كفك سفلي متحرك ضاغطاً على هذا الكيان الهش وزاحفاً نحوه والأنظمة العلمانية المحيطة به كفكعلوي ثابت) وتحت المراقبة اللصيقة والدائمة في بعضٍ من أجزاء الضفة الغربية وقطاع غزة ، مقابل دولة يهودية حقيقية صافية وخالية من أي قومية أخرى ومفرغة من غير اليهود الأقحاح ، وبطابع ووصف ديني أسوة بالكيان الفلسطيني الديني القاصر والوهمي والذي لا نلمس فيه من الدين الأّ اللحا وتقصير الثياب وحب السلطة وتعدد الزوجات والولائم. وليكون نموذجاً يتبع في العراق ولبنان لإنشاء كيانات طائفية وعرقية ممزقة ومتشرذمة بناءً على رؤية ومنهج مؤسس دولة اسرائيل ديفيد بن غورين ، وفي نفوس قادة حماس أنهم حققوا انتصاراً بكسر الحصار والعزل السياسي على الحركة وليس على الشعب الفلسطيني الذي لا يعنيهم في شيء. وحقيقة الأمر فإن كارتر يعي ما يفعل وما يقول وأن اسرائيل ومن ورائها أمريكا ، كل واحدة منهما تعي وتعلم وتشجع من خلف الكواليس جهود كارتر بنفاق سياسي واضح ، فقد سخرت له إمكانيات السفارات الأمريكية في التنقل في سوريا ومصر للقاء قادة حماس ، ولكن المفارقة أن قادة حماس لا يعون خطورة الموقف وعمق الحفرة التي يعدها الأعداء وأصدقاؤهم وحلفاؤهم والمنعطف الخطير الذي يقف عليه الفلسطينيون بخطىً مترددة ومتناقضة ومتلاطمة على وقع الإنقسام الفلسطيني في الأهداف والمواقف والوسائل والذي يلعب فيه الأعداء بكل أريحية ويسر وخبث ومكر ضد مصالح هذا الشعب المسكين، ويدفع بهم الأعداء الى هاوية الكيان اليهودي الخالص والذي يؤدي الى افراغ الأرض الفلسطينية داخل اسرائيل من مالكيها العرب وطردهم الى الكيان الفلسطيني الموعود والجديد والذي سيقام في ظفر فلسطين وعلى أطرافها المبعثرة. حقاً لقد شارفت النكبة على بلوغ الستين من عمرها ونحن لم نبلغ سن الرشد بعد ، يتحكم صغيرنا بكبيرنا بالعقوق والتمرد والعصيان والمكابرة والمعاندة ، ويضيع عقلاؤنا في غوغاء جهالنا ، ولكن دوام الحال من المحال ، وكلنا ثقة وأمل بهذا الشعب الخلاق ، والقادر على التغيير بوعيه وحسه وتجاربه وحنكة عقلائه. ولن يضيع الله صبرنا وكفاحنا وتضحياتنا ، وسيعوضنا الله خيراً مقابل صبرنا على البلاء والإبتلاء. ها نحن نفقد ورقة المقاومة بانقسامنا نبحث عن هدنة وفك للحصار متناسين حقوقنا وثوابتنا الوطنية ، وكذلك نتعثر في طريق المفاوضات بحجة عدم إجماعنا على الموقف وعلى منهج وطني واضح المعالم ، وبحجة عدم قدرتنا على حكم أنفسنا وظهورنا بهويتنا الوطنية الفلسطينية الموحدة وبحجة عدم أهليتنا للقيادة بالرغم من أننا خرَّجنا قادة التنمية والتعليم في معظم الدول العربية المتطورة وقدنا المؤسسات الناجحة والقوية بتميز.
http://www.miftah.org |