ماذا لو غادر بوش آخذا معه الوعد والرؤية والخريطة؟!
بقلم: جواد البشيتي
2008/4/28

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=9242

كلما تفاوض الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي بما يتوافق مع المعاني الحقيقية للتفاوض اكتشفا أنَّ توصُّلهما إلى "الاتفاق" ليس من الصعوبة بمكان؛ وهذا "الاتفاق" إنَّما هو اتفاقهما الضمني، وغير المكتوب، على أنَّ الهوَّة بينهما عميقة، ولا يمكن اجتيازها إلاَّ بقفزة كبرى واحدة لا غير، فاجتيازها خطوة خطوة إنما هو الوهم القاتل بعينه؛ على أنَّ الأهم من ذلك هو اتفاقهما أيضاً على أنَّ قدرتهما على أن يقفزا هذه القفزة هي قدرة صفرية.

لقد قوَّم الرئيس الفلسطيني محمود عباس النتائج التي تمخَّض عنها حتى الآن (وعبارة "حتى الآن" تتسع لزمن يمكن أن يقاس بالسنوات) التفاوض بين الطرفين، والذي انطلق مع انتهاء لقاء أنابوليس، قائلاً إنَّها كانت جيدة؛ ولكن في معنى سيئ، فهذا التفاوض أنتج من وضوح المواقف ما أقنع الطرفين المتفاوضين بأنَّ المسافة بينهما ما زالت واسعة، ويمكن أن تزداد اتساعاً، إلاَّ إذا وضع الرئيس بوش ثقله في الميزان، فعندئذٍ قد ترجح كفة النجاح على كفة الفشل.

ولكن الرئيس بوش لم يُظْهِر للرئيس عباس، في لقائهما الأخير في البيت الأبيض، ما يجعله متفائلاً باحتمال أن يفعلها، فالوقت قَصُر، ويَقْصُر؛ وعليه، حذَّر الرئيس عباس من مغبة أن يغادر الرئيس بوش البيت الأبيض إلى الأبد في كانون الثاني المقبل، آخذاً معه "الوعد"، و"الرؤية"، و"الخريطة"، كما أخذ الرئيس كلينتون من قبله "الأفكار والمقترحات". إنَّ شيئاً من اجتماع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مع كلينتون وباراك في منتجع كامب ديفيد قد حدث في الاجتماع الأخير بين عباس وبوش، فماذا لو فعلها بوش؟ ماذا لو غادر البيت الأبيض تاركاً الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي عالقين بـ "شبكة مفاوضات أنابوليس"؟ يبدو أنَّ تفاوضهما قد انتهى، أو يوشك أن ينتهي، إلى الاتفاق على ضرورة وأهمية أن يجيبا عن هذا السؤال، بوصفه السؤال الوحيد الحقيقي في بحر من الأسئلة والتساؤلات الوهمية.

إنَّ بعضاً من "العَظْم" الجديد قد شرعوا في إعداده وتهيئته لوضعه في الصحون على الطاولة، فإسرائيل، التي ازدادت اقتناعاً بأن ليس لديها ما يستحق أن يُقدَّم إلى المفاوِض الفلسطيني، ومن خلاله إلى "استفتاء شعبي فلسطيني"، أعلنت أنها مستعدة لإعادة الجولان إلى سورية، عبر الوسيط التركي، فبدأ التلهي عن السلام بينها وبين الفلسطينيين، بـ "عَظْمة" السلام بينها وبين السوريين.

وحتى يُحْفَظ للرئيس بوش بعضاً من ماء الوجه بدأوا يتحدثون عن الحاجة إلى مزيدٍ من الاتفاق على المبادئ لحل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، فاتفاق مبادئ جديد، فيه من كثرة العَظْم ما يتعذَّر على المتفاوضين كسوه لحماً، يمكن أن يرى النور قبل "المغادرة"؛ أمَّا ما يمكن أن يجعله جديداً فهو تَضَمُّنه، على ما تحاول فعله إسرائيل، تأجيلاً للبحث والتفاوض في قضيتين، هما: "القدس الشرقية واللاجئين.

وهذا "التأجيل" إنَّما هو، في حقيقته، الطريق إلى "الحل" الذي تريده إسرائيل للمشكلتين اللتين تؤلِّفان جوهر النزاع. من قبل، كان على عرفات أن يقبل هذا "الحل"؛ أمَّا اليوم فعلى عباس، الذي لا يستطيع قبول ما رفضه عرفات، أن يقبل "التأجيل"!

الفلسطينيون لا يعلِّلون أنفسهم بوهم أنَّ دولتهم، دولة الرؤية والوعد، سترى النور على أرض الواقع قبل أن يحزم بوش أمتعته ويرحل؛ ولكنَّهم يريدون، على الأقل، أن يروا اتفاقاً مختلفاً، فيه من التعيين والتحديد والتفصيل، ومن الجداول الزمنية، ومن وسائل وطرائق التنفيذ، ومن الضمانات، ما يُقْنِع المفاوض الفلسطيني بجدواه، وبجدوى استفتاء الشعب الفلسطيني في أمره. يريدون اتفاقاً كهذا ولو استغرق تنفيذه كاملاً زمناً يقاس بالسنوات.

اللاجئون الفلسطينيون يجب أن يعرفوا من خلال هذا الاتفاق (قبل ومن أجل أن يدلوا بأصواتهم) أنَّ الحل الذي يقوم على "عدم عودة الملايين منهم إلى إسرائيل" فيه من العدالة والواقعية والمنفعة والمصلحة ما يحملهم على قبوله، ولو على مضض. يجب أن يعرفوا من خلاله، أي من خلال ما فيه من تعيين وتحديد وتفصيل، ما المعنى العملي الواقعي لدولة فلسطينية تكون، أو تغدو، دولة للشعب الفلسطيني بأسره.

والفلسطينيون، على وجه العموم، يجب أن يعرفوا من خلال هذا الاتفاق ملامح الحل النهائي لمشكلة القدس الشرقية، ولمشكلة الحرم القدسي و"الأحياء العربية" من تلك المدينة، على وجه الخصوص.

ويجب أن يعرفوا الحدود النهائية لدولتهم، وكيف يمكن جعل "التبادل المحدود للأراضي" حلاًّ لمشكلتي "الحدود" و"المستوطنات"، وكيف يمكن أن يكون هذا "التبادل الإقليمي المحدود" عادلاً كمَّاً ونوعاً.

ويجب أن يعرفوا ويتأكَّدوا أنَّ دولتهم لن تكون شبيهة بـ "الجبن السويسري"، فإقليمها في الضفة الغربية يجب أن يكون "متَّحِداً فلسطينياً"، وليس على شكل أجزاء وشظايا متَّصلة مع بعضها بعضاً بـ "خيوط إسرائيلية"، كما أنَّ اتصال هذا الإقليم مع الإقليم الآخر في قطاع غزة يجب أن يكون قوياً وطيداً في خصائصه، وفي ضماناته الدولية.

أمَّا إذا كانت كل هذه التنازلات الفلسطينية الأساسية والتاريخية لا تكفي لمنح الفلسطينيين هذا الحل، وإذا ثَبُت هذا وتأكد في الأشهر الستة، أو السبعة، أو الثمانية، المقبلة، فلا بد، عندئذٍ، وعلى ما أعلن الرئيس عباس، من أن يتدارس الفلسطينيون جميعاً الخطوة المقبلة.

http://www.miftah.org