الدولة الفلسطينية والاستيطان لا يجتمعان فوق ارض واحدة
بقلم: محمد خضر قرش
2008/4/28

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=9247

إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ، كما كانت صباح الخامس من حزيران 1967، أي قبل احتلالها من قبل إسرائيل، يرتبط بعلاقة عكسية تماما مع الاستيطان. فكلما زادت مساحة الأرض الملتهمة من قبل الاستيطان ، كلما تراجعت وتقلصت ونقصت مساحة الأرض المتاحة لإقامة الدولة الفلسطينية. وكلما اتسع انتشار الاستيطان في الجبال والتلال والسهول والأغوار والمدن، ضاقت فرص علاجه ومحاربته واستئصاله وبالتالي انتفاء القدرة العملية على تحصين وحماية الجسم الفلسطيني وتمكينه من تحمل المسؤولية لبناء الدولة الفلسطينية المستقلة السليمة والمعافاة لإدارتها.

فالدولة الفلسطينية لا بد أن تكون دولة آمنة وقابلة للحياة وليس دولة مع وقف التنفيذ . وإذا أمكن أو صح استخدام تعابير ومفاهيم اقتصادية ، فهي ليست عملة « وحدة حساب» فحسب ، وإنما يجب أن تكون عملة حقيقية يتم تداولها في الأسواق والمبادلات التجارية وأن يتلمسها ويحملها أبناء شعب فلسطين وأن يتم تداولها في الأسواق العربية والإقليمية والدولية أسوة بأي عملة قائمة . وعليه فإن حدود الدولة يجب أن تكون معروفة وشاخصة ومشاهدة وملموسة ومعايشة من قبل الشعب الفلسطيني ، حتى يطمئن تماما بأن مستقبل كفاحه ونضاله وتضحياته عبر أكثر من قرن ، قد أتى أكله وأثمر بدولة فلسطينية متصلة ومتواصلة على الأرض وليس عبر الأنفاق والجسور الثابتة والمعلقة كما تخطط له إسرائيل. فلا يمكن أن تكون القدس مربوطة بجسر معلق مع شمال وجنوب الضفة، كما لا يمكن أن يكون أسفل المسجد الأقصى لغير الفلسطينيين وبنفس الوقت لا يمكن أن يكون سماء الضفة الغربية وغزة مسيطر أو متحكم به أو مراقب من قبل الاحتلال الإسرائيلي وسلاحه الجوي وكذلك بالنسبة للمياه الإقليمية.

وباختصار شديد ، فإن الذي يخلق الاستقرار الدائم والشامل ويؤسس لسلام حقيقي ويوفر الأرضية المناسبة للسلام والاستقرار وحسن الجوار هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية بحدودها قبل الاحتلال عام 67 ، وأن تكون السيطرة الكاملة والمسؤولية القانونية لحماية الدولة للشعب الفلسطيني وقواته الأمنية وهذا يشمل البر والبحر والجو ، تماما كأي دولة في هذا الكون. وبعكس ذلك، فإن أية حلول أخرى ستكون مؤقتة وغير دائمة وتحمل بذور وعوامل الحروب وعدم الاستقرار في المستقبل.

من حق شعب فلسطين أن تكون له دولة ومن حقه أن يندمج أو يتحد مع أي دولة أخرى برغبته أيضا وبعيدا عن أي ضغط أو إكراه أو إجبار تحت تهديد التدخل وإعادة الاحتلال من جديد. وحتى يتحقق ذلك يجب وقف الاستيطان كليا وإزالته كما تم إزالة مستوطنات غزة وقبلها مستوطنات « ياميت» التي أنشئت فوق رمال سيناء المصرية.

بات من أبسط البديهيات ، أن رغبة إسرائيل بتحقيق السلام لم تعد قائمة منذ اغتيال اسحق رابين على وجه التحديد والملموس. فلو أرادت فعلا تحقيق السلام لما تم اغتياله أولا، و لأوقفت جنوحها المسعور نحو إقامة وتشييد المستوطنات ، وهي تعلم علم اليقين بأن الاستيطان وإقامة دولة فلسطينية لا يجتمعان فوق أرض واحدة. لذا فهي تزرع أسافين عديدة للحؤول دون تحقيق التسوية ، أو أن تجعل منها هدفا مستحيلا وبعيدا عن التحقيق. فكل مستوطنة بغض النظر عن الصفة التي تعطى لها أو المكان الذي تشيد عليه في القدس أو خارجها ، من شأنها تقليل المساحة المخصصة لإقامة الدولة الفلسطينية .

الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لم تستوعب وليس في نيتها أن تستوعب دروس التاريخ و بالأخص ما حصل في جنوب أفريقيا والجزائر وزيمبابوي وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. لا تريد لأنها ببساطة غير راغبة في دفع المتطلبات والمستلزمات المترتبة على ذلك ، صحيح أن الأوضاع الإقليمية والدولية وخاصة العربية منها تسمح لها بإدارة الظهر كليا عن كل مشاريع التسويات التي طرحت سواء كانت دولية أو عربية أو حتى أمريكية بحتة، لكنها ستكون غبية وجاهلة إن اعتقدت بأن هذه الأوضاع سوف تستمر إلى ما لا نهاية . وعلى إسرائيل أن تعلم بأن فرض أي تسوية بالقوة أو بالضغط حتى ولو وافقت عليها قيادة منظمة التحرير والدول العربية فإن مصيرها الفشل التام ، لأن ضمان استمرارها متوقف على قناعة وموافقة الشعب الفلسطيني على أية تسوية سياسية وخاصة إذا كانت تاريخية ونهائية للصراع.

إسرائيل - وبغض النظر فيما إذا كان عن قصد أو بدونه – تعلم علم اليقين بأن توسيع رقعة الاستيطان ومصادرة الأراضي وإقامة الجدار وزيادة الحواجز ونقاط التفتيش من شأنه إنهاء حلم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وهي بذلك تزرع أسافين من عدم الاستقرار وتفتح الأبواب على مصراعيها أمام كافة الاحتمالات المتوقعة وغير المتوقعة بما في ذلك نشوء الاضطرابات وتوسيع مساحة الانتقام وردود الفعل...الخ. فمنطقة الشرق الأوسط تتسم بأنها من أكثر مناطق العالم في حالات عدم الاستقرار ونشوب الحروب الكبيرة والمحدودة ، مما يعني أن فرض وجهة النظر الإسرائيلية وحدها لا يمكن أن يكتب لها النجاح حتى وإن بدا للعيان عكس ذلك في الوقت الحالي. إسرائيل لن تجد فلسطيني واحد أو عربي واحد يوقع معها اتفاقية سلام مع بقاء الاستيطان فوق الأرض الفلسطينية. وهي تعلم أيضا بأنه بدون الانسحاب من القدس الشرقية لن يوافق شعب فلسطين على التسوية التاريخية المنتظرة.

إن قيام إسرائيل بزرع الأسافين والمعبر عنها بالاستيطان والجدران والحواجز ...الخ من شأنه إدامة أمد النزاع وسقوط المزيد من الضحايا وتدمير فرص السلام وفتح الصراع على جميع الاحتمالات .

وعليه فإن إسرائيل وحدها تتحمل كافة النتائج التي ستترتب على تأجيل التسوية السياسية أو فرض تسوية بالقوة والإكراه والضغط ، فكلا الأمرين سواء.

الرأي العام الدولي واللجنة الرباعية يدركان تماما بأن الاستيطان وإقامة الدولة الفلسطينية لا يجتمعان أو يلتقيان فوق ارض واحدة مساحتها محدودة وغير قابلة للقسمة إلا على واحد . تلك هي البديهية الواجب إعلانها ونشرها على أوسع نطاق ممكن، وهذا هو واجبنا ومسؤوليتنا ، وما يجب أن نفعله نحن قبل غيرنا.

http://www.miftah.org