تداعيات سقوط اولمرت المحتمل على الوضع الفلسطيني
بقلم: د. سفيان أبو زايدة
2008/5/8

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=9276

تسود حالة من الترقب الشديد في إسرائيل على ضوء التحقيق الذي يخضع له رئيس الوزراء أيهود اولمرت. و على الرغم من قرار الشرطة و النيابة العامة بحظر نشر أي معلومات حول الموضوع لكي لا يضر بمجرياته، و على الرغم من الضغط الشعبي الشديد المطالب بممارسة حق الاطلاع سيما أن الأمر يتعلق برئيس وزراء على رأس عمله، إلا أن التسريبات و التقديرات لجهات سياسية و قانونية في إسرائيل ترجح أن اولمرت لن يستطيع الاستمرار في منصبه و لن يفلت هذه المرة من حبل القضاء. و هناك من وصف الوضع بأنة «تسونامي» سياسي سيعصف بالحياة السياسية في إسرائيل.

على أية حال الشرطة لن تصمد أكثر من ثماني وأربعين ساعة قبل نشر التفاصيل أو جزء منها على الأقل و التي أصبحت معروفة بعد أن تم تسريبها للصحافة الأجنبية.

و على الرغم من أن هناك أكثر من قضية تحقق بها الشرطة مع اولمرت حول قضايا فساد إلا أن غياب دليل كافي جعله يستمر في عمله، وهذه المرة يدور الحديث عن وجود شاهد أمريكي لدى الشرطة و هو عبارة عن رجل أعمال يشتبه بأنه أعطى اولمرت مبلغاً نقدياً عندما كان رئيسا لبلدية القدس. وإذا ما ثبت صحة ذلك فأن حياة اولمرت السياسية تكون قد انتهت، أو على الأقل من غير الممكن أن يستمر في منصبه كرئيس للوزراء.

وحسب التقليد السائد في إسرائيل فإن مجرد توجيه لائحة الاتهام يحتم على المسئول من الناحية الأخلاقية أن يترك منصبة أو يجمد صلاحياته و يتنازل عن حصانته البرلمانية. لأنة إذا إصر على مواصلة عمله رغم توجيه لائحة الاتهام( وهذا من غير المحتمل أن يحدث، ولم يسبق أن حدث في إسرائيل) فأن الكنيست الإسرائيلي ستعقد جلسة تسحب منة الثقة و تجرده من حصانته البرلمانية.

و السؤال الذي يطرح نفسه هو إذا ما كانت التقديرات أن اولمرت في ورطة حقيقية قد تقوده إلى المحكمة. و كما هو معروف في إسرائيل هناك استقلالية كاملة للقضاء و لا يستطيع أن يؤثر على مجريات التحقيق، والسؤال هو: ما هي السيناريوهات المتوقعة و التداعيات على الوضع الداخلي الإسرائيلي و من ثم على الوضع الفلسطيني؟

في حال تقديم لائحة اتهام، وبغض النظر عن خطورة بنودها فإن الخيار الأول و المفضل لدى الكثيرين في إسرائيل أن يجمد اولمرت صلاحياته كرئيس وزراء و يضع نفسه تحت تصرف القانون، وفي هذه الحالة تصبح وزيرة الخارجية تسيبي ليفني رئيسة الوزراء إضافة إلى منصبها الحالي لمدة تسعين يوماً على الأقل، بعدها يتم حل الحكومة و تشكيل حكومة جديدة أو الذهاب إلى انتخابات برلمانية.

هذا الخيار مفضل لحزب كاديما لكي يتمكن من ترتيب أوراقة الداخلية و انتخاب مرشحه للانتخابات المقبلة حيث إضافة إلى لفني هناك موفاز و شطريت و ربما غيرهم سيرشحون أنفسهم لرئاسة الحزب. هذا الخيار أيضا مفضل لباراك الذي يرغب في الاستمرار على رأس عمله كوزير دفاع، خاصة في هذه المرحلة الحساسة.

الخيار الثاني هو أن يقدم اولمرت استقالته و في هذه الحالة يتم حل الحكومة بشكل تلقائي و الذهاب إلى انتخابات مبكرة بعد تسعين يوما على الأقل، والموعد يتم الاتفاق علية بين الأحزاب. والذهاب إلى انتخابات سيكون شبه إجباري لان تشكيل حكومة جديدة ليس بالأمر السهل لأسباب حزبية تتعلق بالدرجة الأساسية بالتنافس داخل حزب كاديما ، و السبب الأخر إن أيهود باراك قد يعلن عن انسحاب حزبه من الائتلاف الحكومي من منطلق تسجيل موقف أخلاقي قد يخدمه في معركة الانتخابات القادمة.

وكما هو واضح في كلا الحالتين سيكون هناك انتخابات في إسرائيل بعد ثلاثة أو أربعة شهور. وحسب الاستطلاعات فإن زعيم حزب الليكود نتنياهو هو صاحب الحظ الأوفر ليصبح رئيس الوزراء القادم في إسرائيل، لان حزب العمل وباراك لن يحصلا على أكثر مما لديهم اليوم ، و حزب كاديما سيفقد الكثير من قوته قبل أن يتلاشى في المستقبل.

و السؤال الذي يهمنا نحن كفلسطينيين هو كيف ستنعكس هذه التطورات على الوضع الفلسطيني وعلى الأقل حول أمرين، الأول المفاوضات و أفق السلام و الأمر الثاني هو ما يتعلق بالوضع في غزة و فرص التهدئة.

نستطيع القول أن عملية السلام التي ولدت ميتة في مهرجان أنابولس والتي كانت في حالة موت سريري طوال الفترة السابقة، هذه اللعبة انتهت حتى وان حاولت ليفني الإيحاء بأن الأمور يجب أن تسير كما كانت عليه. و بالتالي من كان يعقد الآمال أن شيئاً قد يحدث حتى نهاية العام علية أن يطرح الخيارات و البدائل. و لكن الأهم من ذلك في تقديري أن سقوط اولمرت سيسرع في انتهاء نهج المفاوضات الثنائية بين الجانبين الفلسطيني و الإسرائيلي الذي ساد منذ أوسلو.

المسار الثنائي هو التفرد الفلسطيني في محاولة إيجاد حل للقضية بإسناد عربي و دولي قد فشل و محاولة إبقائه على قيد الحياة هو مضيعة للوقت وهدر للقدرات، والبديل الوحيد و بعد ترتيب الوضع الفلسطيني الداخلي هو الذهاب إلى الجامعة العربية أو إعادة ملف القضية للأمم المتحدة.

أما فيما يتعلق بالوضع في غزة فإن الجيش الاسرائيلي سيصبح الجهة المباشرة اسرائيلياً في إدارة الأزمة، لن يقدموا على اتخاذ قرارات إستراتيجية تغير من الوضع القائم و لكن هذا لن يمنعهم من استمرار الحصار والاجتياح و الاغتيالات بشكل محدود، ألا بطبيعة الحال إذا حدث شيء دراماتيكي مثل عملية كبيرة يسقط خلالها عدد من الإسرائيليين أو سقوط صاروخ فلسطيني يوقع ضحايا في صفوف المدنيين، التطورات الأخيرة في إسرائيل ستجعل موضوع التهدئة خياراً غير قابل للتطبيق بشكل رسمي و كامل، في أحسن الأحوال إذا أوقفت الفصائل المقاومة النار، فأن إسرائيل من جانبها ستخفف من اعتدائها دون أن يكون هناك التزام في ذلك. قصة حصار غزة لن تنتهي باتفاق تهدئة لا يشمل إطلاق سراح شاليط التي ستبقى غزة رهينة بمستقبلة.

http://www.miftah.org