الاستيطان وخداع الذات فلسطينيًا وإسرائيليًا
بقلم: أسعد عبد الرحمن
2008/5/20

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=9304

لم يؤد الاحتجاج و/ أو الاستجداء الفلسطيني والدولي لتغيير سياسة إسرائيل الاستيطانية مرة واحدة. فبعد الإعلان عن أي مشروع استيطاني، تنطلق نداءات الاستغاثة الفلسطينية، والتحذيرات الدولية، فتشتد الضغوط على الرئيس محمود عباس لوقف الاتصالات والمفاوضات مع الإسرائيليين، وبعد كثير من التردد يعلن تعليقها، وليس وقفها.

لكن وكعادتها تبادر وزيرة الخارجية الأمريكية «كوندوليزا رايس» وتقنعه بالعودة إلى التفاوض، مهددة بقطع العون الدولي عنه، ثم لا يلبث أن يهدأ كل ذلك ويستمر البناء الاستيطاني وتستمر مصادرة الأرض وهدم البيوت وتطوى الصفحة حتى يأتي الإعلان عن مشروع استيطاني جديد.

وكالعادة، تكون النتيجة: اضمحلال الأمل بإمكانية التوصل لأي حل قبل نهاية 2008 كما ترغب الأطراف.

في الآونة الأخيرة، تزايدت قرارات ومصادقات الحكومة الإسرائيلية لزيادة الوحدات الاستيطانية في الضفة، إضافة لمصادقات من رئيس الوزراء ايهود اولمرت حول تغيير مسار جدار الفصل العنصري لضم البؤر والكتل «الاستيطانية» وتحديدا بمنطقة القدس الموسعة. فما أن تناقلت الأنباء خبر إضافة (750) وحدة سكنية في مستوطنة «جبعات زئيف» حتى سارعت السلطة للتنديد والشجب. والملاحظ أن ما تغير في هذه الأنباء هو فقط اسم المستوطنة وعدد الوحدات السكنية الجديدة، فيما التنديدات تكرر اللغة نفسها تماما منذ اتفاق أوسلو حتى اليوم، مع مواصلة إسرائيل توسيع أو تسمين ما تشاء من «المستوطنات».

ومع استمرار الحكومات الإسرائيلية باتخاذ الإجراءات لإنجاح مشروعها الاستيطاني التوسعي، بين تقرير نشرته حركة «السلام الآن» الإسرائيلية في 2007 فإن «المستوطنين لا يتوانون لحظة عن توسيع المستوطنات والبؤر الاستيطانية وتعزيز وتدعيم البناء القائم، وأنه منذ شهر نيسان وحتى آب ارتفعت وتيرة البناء داخل المستوطنات حتى ازداد عدد المستوطنين في الضفة الغربية بنسبة 5% ووصل إلى 268 ألف مستوطن، وأن حركة بناء المساكن الدائمة في المواقع الاستيطانية المقرر إخلاؤها مازالت مستمرة».

وفي زيارتها الأخيرة لإسرائيل، قالت رايس أن هدفها دفع عملية السلام، والتحقق من مدى تطبيق الطرف الإسرائيلي لاتفاق تم التوصل إليه (خلال زيارتها السابقة نهاية آذار الماضي) ويقضي بإزالة حوالي خمسين حاجزا ترابيا بالضفة الغربية، بالإضافة إلى تأكيد الموقف الأمريكي الرافض لاستمرار البناء في المستوطنات. وهو إعلان صريح باستمرار «الرقصة القديمة»: الأميركيون يوجهون التوبيخ، فيما الإسرائيليون يقدمون الوعود لا أكثر ولا أقل»، تماما كما قالت «هآرتس» في مقالها الافتتاحي مؤخرا: «تستمر ديناميكية الخداع على قدم وساق. خداع الأميركيين وخداع ناخبي الأحزاب (الإسرائيلية) الذين اعتمدوا السلام كمعيار، وخداع الفلسطينيين، وفوق كل شيء، خداع الذات. وقد رص كبار قادتنا صفوفهم للسير في مسار ليس له هدف. ويضم هؤلاء كلاً من وزير الدفاع أيهود باراك، الذي لا يفهم أحد مساره السياسي وغير المعني بتوضيحه، ورئيس الوزراء الذي يعمل كمعلق على الواقع بدلاً من أن يقوم بتشكيله، ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني التي تجري مفاوضات على إخلاء المستوطنات في وقت تستمر فيه الحكومة بالبناء.. إن إسرائيل تواصل العمل ضد نفسها وضد مستقبلها، وضد أي فرصة للتعايش بين دولتين تقومان جنبا إلى جنب».

وخلال المؤتمر الصحفي مع الرئيس عباس في رام الله، ألمحت رايس خجلا إلى «توافق» فلسطيني – «أمريكي حول المستوطنات وضرورة وقفها واصفة المستوطنات في الضفة بأنها مسألة «مثيرة للمشاكل». غير أنها حرصت على ربط قضية الحواجز العسكرية بما وصفته بـ «تحسن أداء الأمن الفلسطيني وحاجة الاحتلال للأمن». وأضافت ان واشنطن ما زالت تعتقد أن بالإمكان التوصل لاتفاق سلام إسرائيلي/ فلسطيني قبل انتهاء فترة ولاية الرئيس جورج بوش في كانون الثاني وأشادت بالمفاوضات «الجادة والعميقة».

وقالت: «ما زلنا نعتقد أن التوصل لاتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين بنهاية العام ومع حلول نهاية فترة ولاية الرئيس بوش هدف يمكن تحقيقه.»

وبالمقابل، يقول «آري شفيت» في «هآرتس» في مقال: «من البديهي أن السلام أفضل من ارض إسرائيل الكاملة ولكن الاختيار لم يكن كذلك منذ المظاهرة الأولى التي نظمتها حركة السلام الآن في نيسان 1978. ونتيقن ان الخيار ليس كذلك. أساس الحلم في السلام الآن كان وما زال وهما. وهماً ليس عابراً أو صدفيا. وهم الخداع الذاتي. ولكن من تحت هذا الشعار الكاذب نشأ تفهم شديد للواقع: إدراك بأن الاحتلال يفسد المجتمع وان المستوطنات مصيبة وانه يتوجب القيام بكل جهد ممكن لتقسيم البلاد بين دولتين قوميتين».

في ظل كل ما سبق، مازال الوضع على الأرض متأزما مع مواصلة إسرائيل سياسة الخطى السريعة لفرض الأمر الواقع، فيما بات المجتمع الفلسطيني على شفا الانفجار الداخلي جراء ارتفاع منسوب البؤس والفقر والجوع، تحت وطأة الحصار والخنق والتجويع وإغلاق المعابر، فيما تقرر السلطة الفلسطينية، تحت ضغط الخشية من التهميش الإضافي، الهروب إلى الأمام عبر مواصلة عملية تفاوض لم تستطع (حتى تاريخه على الأقل) تحقيق أي مكسب سياسي أو ميداني مهم منذ أكثر من عامين. ذلك أن إسرائيل تعتمد سياسة الخداع السياسي بحديث متفائل عن «انجازات» حققها التفاوض، مقرونة مع «الحقائق الإسمنتية» التي لا يمكن تجاهلها على الأرض، هدفها تقسيم الضفة الغربية وتحويلها إلى كانتونات، وصولا إلى رسم حدود مفروضة لمعازل فلسطينية، تسعى لخلع صفة الدولة عليها دون أن تكون لها مقومات الدولة. فحقيقة ما تقوم به إسرائيل على الأرض هو إقامة جدار صد يقطع الطريق على أي إمكانية للسلام.

لقد اقتربت ساعة الحقيقة (وربما الانفجار) بعد هذا العبث التفاوضي الراهن، والانقسامات الداخلية الفلسطينية المتعمقة يوميا، واستمرار المراهنة على القطب الأمريكي المنحاز والعاجز. والمفارقة أن الغالبية العظمى من الفلسطينيين في الضفة والقطاع، حسب استطلاعات الرأي العام، لا تؤمن بإمكانية نجاح المفاوضات الجارية في التوصل إلى حل نهائي يحقق إقامة الدولة وفق الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية، بل وتطالب بوقفها طالما استمر التوسع الاستيطاني على أرض الواقع.

ويكفي أنه مرتين، خلال عشرة أيام، «تزينت» إسرائيل من خلال صحيفة «هآرتس» بوصمة «ابارتهايد»: ففي مقالة افتتاحية أيدت تحركات الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر من أجل السلام («واجبنا نحو جيمي كارتر» 15/4) وكذلك في زاوية يوسي سريد («اجل هذا ابارتهايد» 25/4) ركزت «هآرتس» وأيضا سريد على الحقيقة كما هي. ففي المقالة الافتتاحية «لهآرتس»: جاء ان «الوضع تحول إلى نوع من التفرقة العنصرية الفعلية». أما سريد فقد كتب يقول بأن «من يتصرف مثل الابارتهايد ويتعامل مثل الابارتهايد وينكل مثله – ليس بطة وإنما «ابارتهايد»!!

http://www.miftah.org