الحوار الوطني... استحقاقات وقواعد
بقلم: د. دياب نصر
2008/7/2

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=9471

جيد أن يتخذ سيادة الرئيس مبادرة الدعوة إلى حوار وطني يعيد لمّ شمل الوطن. فقد سقطت رهانات كافة الأطراف الوطنية على كافة الأطراف الدولية وشكل الانفصال بمسبباته ونتائجه معول هدم خطير لكل المقومات الوطنية.

لكن الدعوة جاءت متزامنة مع متغيرين: أولهما فتح مسارب المفاوضات بين سوريا وإسرائيل وهو ما تعرضنا له تفصيلاً في مقالنا السابق "سوريا.. تركيا.. إسرائيل" فسرنا فيه انعكاساته المحتملة على القضية الفلسطينية وعلى المصير الوطني.

والمتغير الآخر هو دخول اتفاق التهدئة بين إسرائيل وحماس حيز التنفيذ وكلا الطرفين يحرص على استتباب هذه التهدئة لأسبابه الخاصة، لكنها تهدئة تمّت في غياب كامل للسلطة الوطنية وللشرعية الرئاسية التي تلهث للعودة على القطاع. ولذلك دلالات تؤشر على تعامل إسرائيل مع حركة حماس ونظام حكمها في القطاع ما ينم عن خطورة استغلالها لهذا الوضع لتعميق الانفصال ومراهنتها على استقلال حماس فيه، وذلك خطأ ما كانت للسلطة أن تتجاهله وتهمله طيلة هذا الوقت الحرج، ما يؤكد فشل السلطة في التعامل مع حادثة الانقلاب منذ وقوعها والاستعاضة عن المبادرات المبكرة بحملات الإعلام المتبادلة بين طرفي الصراع.

وعلى هذا الأساس نعتبر هذا السياق بمثابة رسالة وطنية موجهة إلى كافة المكونات السياسية على الساحة تعكس متطلبات إصلاح الحالة الوطنية من جذورها في برهة وقت ضيقة وهي حالة مأزومة بكل تفاصيلها تحتاج أكثر من حوار أزمات تعاني منها ألأطراف المتورطة.

هنا نظام سياسي في أزمة مزمنة متواصلة متصاعدة وصلت إلى نقطة الفشل والطريق المسدود. فشل نهج سياسي راهنت عليه منظمة التحرير والسلطة الوطنية حتى وصلت مفاوضاتها العبثية مع إسرائيل إلى حائط مغلق: وهي نتائج

متوقعة تمّ التحذير منها مراراً لا مفاجأة هنا فالنظام السياسي انطلق من قاعدة سياسية مجحفة ومختلة. نظام أخطأ قراءة الواقع وتجاهل الحقائق فسار في الخيار العكسي ففوّت على نفسه فرصة تلافي الأزمات وفرصة تصليب الموقف الوطني وهو يسير على قاعدة سياسية ركيكة مهتزة فسقط ضحية الضغوطات والمكبلات والتهديدات والاملاءات والمخادعات والتواطؤات المشتركة (أمريكية إسرائيلية).

وفي الاتجاه المقابل تلقفت حماس دعوة عباس للحوار ومأزقها الخانق في القطاع لا يقل خطورة عن مأزق الحكم في رام الله، فراعية الفوز الملغوم انقلبت على شعار التغيير والإصلاح في عدم التعاطي مع استحقاقات الحكم ومسؤلياته تجاه الشعب وتجاه الوطن وتجاه القضية فجاء اجتهادها مدخلاً لأزمات استعصت فولدت الانشقاق وفرصة استهدافها.

ونهج حماس المطروح لم يحز على خيار شعبي ونهجها المؤدلج وصل أيضاً إلى طريق مسدود مغلق بل عكس حصاراً غير مسبوق وتنكيلاً اجرامياً بشعب القطاع لم يمر في تاريخ البشرية هو اذن نهج أثبت كارثيته في الظروف الدولية الراهنة.

نهوج حركية تصارعت ففشلت لكن صراعها جاء في الزمن الخطأ في الحساب الخطأ وفي الظرف الخطأ جاءت في ظل انكار الحقوق الوطنية واستفحال غول الاستيطان وتهويد القدس وعزلها وتلاشي تباشير التحرير والاستقلال، فيما المهمة النضالية الأولى لأي مكون سياسي وطني يمتشق النضال لا يمتهنه هي انتزاع الحقوق الوطنية وانتزاع الاستقلال السيادي في إطار وحدة وطنية مانعة مانعة مانعة... وبعد ذلك لكل حادث حديث.

ما ورد للآن فرض نفسه على طرفي الصراع كما فرض حاجة كليهما إلى حوار عاجل حوار اللحظة الأخيرة حوار الأزمات الخانقة قبل الانهيارات الشاملة في ظل فشل محقق تُلقى تبعاته على شقي الحكم المشطور.

ما المغزى الحقيقي اذن من الحوار المطروح! هل هو حوار توافق حركي جديد على مبدأ التقاسم والمحاصصة وتجاهل التعقيدات الوطنية العميقة التي يجب التعامل معها بجدية، ليس هذا هو الحوار المطلوب فالحوار المطلوب هو حوار الإنقاذ الوطني بوضع التجارب المريرة وعبرها على الطاولة بدقة بمصداقية بنوايا صادقة بضمير وطني يقظ حي بأعلى درجات المسؤولية بلا مرآة بلا نفاق بكل العبر المستقاة منها حتى يكون هذا الحوار هو الأول وهو الأخير على اعتبار أنه سيصوب تصرفات المكونات السياسة كافة مرة والى الأبد ويصوب خطابها السياسي في ميثاق وطني ملزم غير قابل لأي نقض متى حقق ترميم الحالة الوطنية على قواعد ومسلمات راسخة في طليعتها:

أن تسلم فتح وحماس أن أي منها لن تستطيع اجتثاث الأخرى من المكون الشعبي والسياسي الفلسطيني ما يعني التسليم بوجود الآخر والقبول به والتسليم بالتعددية السياسية قاعدة للعمل الوطني الآن وغداً والى الأبد. ذلك يسقط ثقافة التفرد وثقافة التسلط وثقافة توظيف الشعار الديني في التكفير والتخوين وهذه مسميات لا تخدم إلا مصالح حركية أنانية يجب أن تتوقف كما يجب إسقاط التحالفات والأجندات الخارجية والاستقواء بها.

لكن التعددية السياسية لا يجوز أن تستند إلى نهوج سياسية متضاربة غير ملتقية في مرحلة النضال الوطني للتحرر بل يجب أن تستظل وتستند إلى برنامج وطني سياسي شامل مرن يراعي الثوابت الوطنية قادر على استيعاب كافة المشاريب السياسية.

وحتى تتجذر التعددية السياسية في هذا المجتمع فلا سبيل إلى ذلك إلا الحراك الديمقراطي والممارسة الديمقراطية الحرة النزيهة التي يجب أن تتجذر في أصول المكونات السياسية كافة وفي أصول الشعب لحمايتها من التفرد ومن التكلس فوق أن الديمقراطية هي الوسيلة الوحيد لدفع الأجيال الشابة إلى صدارة المسؤولية وهي السبيل الوحيد لامتصاص الحراك السياسي الناشط المضطرب في المرجل الفلسطيني الذي يغلي أبداً. ديمقراطية غير موجهة غير منفلتة تجمع ولا تفرق.

وحتى تتجذر التعددية السياسية في حالة مجتمعية فاقدة لكل شيء وفاقدة لكل المعايير يجب أولا إعداد المجتمع وإخضاعه للمعايير العالمية في الحكم والمتعامل بها في كافة المجتمعات وفي إدارة شؤون الحياة فيها. كما يجب استبعاد النهوج المتصارعة التي أسفرت عن الانقلاب على آخر تجربة ديمقراطية تشريعية ويجب استبعاد الهرطقة السياسية واستبعاد الأطروحات والشعارات العدمية وتقديم وسائل نضالية جديدة.

لثبات أي نتائج آتية من حوار وطني جدي لا بد لها من قاعدة راسخة متبلورة لأفق سياسي جديد مجمع عليه مستوعب للمتغيرات ولاستحقاقات الاستقلال والتحرير مع الالتزام الحصري والولاء الحصري للمصالح الوطنية الإستراتيجية ناسخاً مرحلة الفشل وكل الثقافات البالية التي سادت معها واستبعاد عدتها واستبدال الخطاب السياسي بما يلائم المستجدات.

إن العدو الأول والمتناقض الأول للتعددية السياسية الديمقراطية هي تعددية السلاح المنفلت تعددية الميليشيات والكتائب والجيوش ولا يمكن الجمع بين التعدديتين المتناقضتين بتاتاَ ومطلقاً فالديمقراطية لا تتنفس في غابة السلاح وهذا ما يتطلب إلغاء كل سلاح غير شرعي بيد المقاومات بيد الانفلات بيد العائلات أو مخزن في المنازل.

وقد أثبت انقلاب حماس عطفاً على الأحداث التي استبقته والتي تلته حقيقتين في غير صالح هذا السلاح وفي عكس المصالح الوطنية العليا، أولها أن الأحداث التي جرت كانت داخلية في المقام الأول ثأرية انتقامية انفلاتية أحداث مؤسفة أفقدت السلاح شرفه وطهارته نهائياً وكلياً وثانيها لقد أخفقت أجهزة السلطة الأمنية المتعددة وكتائبها المسلحة في ضبط الأمن والاستقرار في المجتمع بل شكلت النواة ألأساسية للانفلات الأمني العارم، كما أخفقت في حماية الشرعية الرئاسية في القطاع ومنع وقوع انقلاب حماس وليس بالضرورة بالقتال.

ومعنى ذلك أن ارتال المسلحين ثبت عقم وجودهم وعدم جدوى السلاح بأيديهم أللهم إلا امتهان الآفات التي سحقت مصالح الوطن العليا. وفي المقابل فان حسم الصراع الدائر بين الحركتين بالقوة العسكرية التي أطاحت بالوحدة الوطنية الهشة وبالوحدة الجغرافية للوطن المحتل تعني ارتداد السلاح إلى الداخل لتحقيق مكاسب حركية سياسية لا تحريرية وهو أيضاً ما أفقد السلاح شرعيته ومبررات وجوده وهنا لا يبرر هذه الحقيقة أن حماس دفعت إلى الانقلاب دفعا فالمحذورات تُلغي المبررات.

ولا يمكن تطبيق شرعنة السلاح إلا بإلغاء كل سلاح غير شرعي بلا استثناء وبطواعية وهذا يتطلب إعادة النظر في كافة الأجهزة الأمنية القائمة مهما تتطلب الأمر من إحالات واسعة على التقاعد أو الحل الجذري ثم إعادة تشكيل الأجهزة على معايير وطنية صرفة قادرة على استيعاب الميليشيات المسلحة على أن تخضع للقانون وللروح العسكرية للضبط وللانضباط العسكري.

وهذا الطرح يشكل المعيار ألأساس للالتزام الحصري بالمصالح الوطنية والمعيار الأساس لإرساء لبنات مجتمع مدني متماسك متعافٍ قادر على مواصلة مشوار النضال وتحديات التحرير وتحديات البناء والتطوير والتنمية ومتطلبات كل ذلك لا تتسق مع غابة معسكرة بأيد غير مسؤولة أو موزعة الولاءات.

وهنا لا يفوتنا التعقيب على ما يطرح في الساحة من مواضيع تدخل في صلب الحوار وفي صلب تقويم الحالة الوطنية حتى لا تأخذنا الشعارات إلى غياهب ومتاهات جديدة لسنا في متّسع لها.

إن الخطوة الثانية التي تمهد طريق الحوار هي وقف الحملات الإعلامية الرادحة المتبادلة وإطلاق التصريحات المسمومة. ما يبدو أن هناك شريحة داخل المؤسسة السياسية غير معنية بتاتاً في ترميم الحالة الوطنية وغير معنية في تصليب المصالح الوطنية العليا في هذا الظرف الدقيق الخطر. ولكافة هذه الأطراف أيا كانت مشاربها السياسية نقول إن الدعوة إلى الحوار يجب أن يرافقها استرخاء الأعصاب وتجميد الأحقاد والتصرف وفق الولاء الحصري للمصالح الوطنية، فلتتوقف إذن هذه الحملات أياً كان مصدرها.

ولتتوقف صواريخ المناكفة في القطاع فالموقف يسجل عليها وليس لها إن فوتت الفرصة على شعب القطاع كي يتنفس. هنا لا مكاسب حركية تجبى من مأساة القطاع الدامية على وقع المناكفات الحركية التي تقود لأخذ المصالح الوطنية بأرجلها وذلك قد يفسر كخدمة للفيتو الخارجي على إجراء أي حوار وطني وهو حوار يحتاج إلى أرضية وطنية منسجمة متهادنة مع نفسها غير متشنجة لا تحتاج قط أي مشاكسات في الزمن الخطأ، لن تصمد أمامها حجة ولا طرح.

يشترط البعض للبدء في الحوار عودة الأمور إلى سابق عهدها.. = لعم. نعم يجب العودة إلى الشرعيات الانتخابية رئاسية وتشريعية لتسود في شطري الوطن لتقوم بمهماتها على أكمل وجه بكامل صلاحياتها دون حجة أن ذلك قد يستحضر الحصارات مجدداً. سيما وأن الأمور سارت شوطاً بعيداً ومن الصعب تجاهل التطورات بالردة إلى الخلف. كما أن الوحدة الوطنية المانعة والمرونة السياسية المطلوبة لو توفرتا أصلاً ما كانت لتمنح فرصة للحصار. واستتباب الشرعيات الديمقراطية أمر لا مفر منه حتى تسير الأمور سيرها الطبيعي إلى مرحلة انتخابات جديدة.

ولا لتعميم إعادة الأحوال السائدة وهي لا تسر بال أحد من كافة أصناف الآفات والانفلات والفساد وتغييب القانون وتسييد شريعة الغاب. والمطالبة بعودة هذه الأحوال تعني أننا مصرون على عدم إصلاح ذاتنا ولا اجتثاث آفاتنا وهذا وضع لا يتوافق مع الحاجة الملحة لإصلاح الأوضاع الداخلية من جذورها.

تطرح حماس بدء الحوار على قاعدة لا غالب ولا مغلوب لا فتح مغلوبة ولا حماس غالبة أو بالعكس. هذا تبسيط مرفوض كلياً يقفز على الثمن الباهظ الذي دفعه المغلوب المسحوق جراء الصراعات الحركية على مقاليد الحكم وهي ثلاثية (الوطن والشعب والقضية). نحن هنا لا نقصد تعقيد انطلاق الحوار أو وضع العقبات أمامه فالطرح قد يصلح لانطلاق الحوار بلا اتهامات متبادلة بلا عتاب بلا حملات إعلامية بلا دسائس بمصداقية مطلقة بنوايا حسنة خالصة بضمير وطني حي يقظ. لكن هنا عفا الله عما سبق غير مطروح ولا مطروح التسامح وكأن شيئاً لم يكن وهذه الثلاثية سقطت ضحية التفرد والتقاسم، ضحية كراسي الحكم وضحية تصارع نهوج وتناقض أجندات والبلد بعد رازح تحت احتلال ثقيل الظل لا حرية ولا سيادة ولا استقلال. والثمن الوحيد للتكفير عمّا ارتكب بحق هذه الثلاثية هو تسديد مطالباتها جملة وتفصيلاً عن طريق حوار جدي تحت مظلة المصالح الوطنية الإستراتيجية. وتحقيق توافق وطني إجباري حتى يسفلت طريق التحرير.

السلاح: عطفاً على ما ورد وعطفاً على حصيلة هذه الانتفاضة وعطفاً على مجريات ألأحداث على الساحة الوطنية على كافة المكونات السياسية أن تتجرد عن المكابرة وعن المزاودة وعن المغالطة وعن المخادعة وعن الفتاوي وعن الخطاب السياسي الفاشل الدارج. فساعة حسم أمر هذا السلاح قد دنت واستحقت ولا مجال إلا التعامل معها على معيار الربح والخسارة وعلى معيار المردود النضالي والمكتسبات التي حققها السلاح في مقابل الكارثة وما حقق من انجازات وطنية مقابل الانعكاسات المدمرة وما وفره من كسب تأييد الرأي العام الدولي من استنفاره ضد قضيتنا العادلة.

الحسم هنا بات مسألة حياة أو موت ضرورة ملحة عاجلة لطي صفحة مزدحمة بالفشل وبالسلبيات وبالذرائع المنهمرة تحت أقدام الاحتلال ومرحلة التراجع لفتح مرحلة بديلة لا حاجة فيها لسلاح، ومتى استبعد السلاح من الموازين الحركية يغدو الحوار أكثر واقعية أقرب إلى الجدية أكثر منطقية وأكثر نتاجاً.

إلغاء ثقافة التقاسم والمحاصصة من القاموس السياسي ما دامت كراسي هذا الحكم تحت الاحتلال أو بعد التحرير ستخضع لحكم الأغلبية الديمقراطية وما تنسجه من ائتلافات. أما الكادر الوظيفي فلن يحكمه إلا الخبرة والكفاءة والاختصاص والنزاهة والعدالة الاجتماعية ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

شرط العودة عن الانقلاب وذلك حق مستحق لكن في الاتجاهين العودة عن الانقلاب على الشرعية الانتخابية التشريعية في موازاة العودة عن الانقلاب الحمساوي من أجل إعادة الهدوء والاستقرار والاسترخاء للجبهة الداخلية حتى تتقدم لانتخابات قادمة وهي معافاة وعلى ثقافات وممارسات مغايرة متجاوزة لكافة السلبيات المدمرة التي سادت للآن. - منظمة التحرير الفلسطينية التي ولدت من رحم النظام السياسي العربي لسبب واضح ورد على لسان المغفور له الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في زيارة بروتوكولية وداعية لسفير عربي عام 1962 تتطرق الحديث فيها إلى قضية فلسطين.

حيث قال سيادته إني لا أرى حلاً عسكرياً لقضية فلسطين والأفضل لشعب فلسطين أن يعتمد الحلول السياسية مع إسرائيل فقال السفير " يا سيادة الرئيس أنت القائد الأوحد المؤهل لإقناع الأمة بأسرها بهذا التوجه" فرد سيادته قائلاً: "لا، لا نظام عربي ولا دولة عربية تملك حق التنازل عن أرضٍ فلسطينية، ما يجب أن يفعل ذلك هم أبناء فلسطين، ونحن بصدد بلورة كيان سياسي فلسطيني يجسد الشخصية الوطنية المستقلة لولوج الحلول التسووية، ونرجو أن لا يُفهم ذلك انه موجه ضد نظام عربي أو ضد دولة عربية بعينها".

م.ت.فإذن متى حملت صفة الممثل الشرعي والوحيد لشعب فلسطين فقد تقلدت الصفة نظرياً وليس واقع حال، وان كانت منظمة التحرير لا تشكل شركة خصوصية مساهمة محدودة الضمان فهي لا تعتبر خيمة ولا مظلة تستر العيوب وتستر الفشل المزمن وتستر ثقافات التسيب والانفلات والفساد والتفرد.

إن منظمة التحرير لا تعدو كونها مكون سياسي أساس في أصول الشعب الفلسطيني لا هي درعاً ولا هي ترساً للدفاع عن أو لحماية التفرد والتخضرم والتكلس والتسلط وضياع الوزن الجماهيري، ولا هي مجمع شورى تبنى بالتعيينات غير المحقة. والمنظمة ليس قدراً فلسطينياً بل جرت الشعب والقضية إلى متاهات الفشل والهزائم والتراجع.

فماذا تريدون أن تكون منظمة التحرير؟!

إذا أردنا أن تكون منظمة التحرير هي فعلاً الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني فليكن كذلك لكن علينا أن نصوغها كذلك عملاً وفعلاً ومضموناً واقعياً.

ونحن نرى أن مهمة منظمة التحرير المستقبلية ستتركز على الاهتمام بالشتات وحشده خلف الوطن وعليه لا بد من تجديدها وإعادة بنائها في كل اتجاه: الإطار، أنظمة الداخلية، الدساتير، الميثاق الجديد الذي يجب أن يواكب التطورات، مؤهلات الانتساب والعضوية، الجدية والفاعلية والشفافية في كل مؤسساتها. بمعنى إفراغ الإطار كاملاً وإعادة بنائه من جديد وفقط على الأسس الديمقراطية الانتخابية مع إلغاء نظام الكوتة نهائياً على أن تخضع المكونات السياسية بإلزام للديمقراطية الداخلية وعلى أن ينتخب أعضاء الشتات انتخاباً دون تعيينات.

أيها الأعزاء إن دوام الحال القائمة من المحال وإلا قضت على الأمل الوطني في الحرية والاستقلال وفوت فرصة بناء المستقبل الوطني الآمن وتسطير التاريخ الناصع. ولا يتم ذلك إلا باتخاذ زمام المبادرة في الخروج من دائرة الانتظار ومن دائرة الجمود والتراجع ومن الرهان على الآخرين. مبادرة تقوم على الوحدة الوطنية المانعة وعلى الممارسات الايجابية.

ونحن على أبواب متغيرات كاسحة إن في الشرق الأوسط أو في السياسة ألأمريكية تخلف حقبة بوش الكارثية. وعلينا الإعداد الوطني المتماسك في برهة زمن قصيرة لتحويل ضعفنا إلى منطلق الهدير لبناء المستقبل الوطني ولانتزاع الثوابت الوطنية على أسس مغايرة نماماً.

http://www.miftah.org