عقبات الحوار.. أجندات شخصية وحزبية ودولية!!
الموقع الأصلي:
ليس مستغربا أن لا يبدأ الحوار الفلسطيني الداخلي، رغم مرور أكثر من شهر ونصف على مبادرة الرئيس "عباس"، فالموضوع الفلسطيني أكثر تعقيداً مما يعتقد البعض، وفلسطين ليست لبنان، والصراع الداخلي الفلسطيني مرتبط بمعطيات يتحكم في كثير منها الجانب الإسرائيلي والذي يؤثر في الموقف الأمريكي وبالتالي الموقف الدولي والإقليمي العربي المعتدل بالذات..
صحيح أن اتفاق الدوحة والمفاوضات الإسرائيلية – السورية غير المباشرة عكست نفسها إلى حدٍ ما بشكل ايجابي على إقليم الشرق الأوسط، وصحيح أن التطورات الايجابية في الملف النووي الإيراني أيضاً تؤكد على نفس المنحنى، ولكن في موضوع غزة والضفة المسألة مختلفة، فالحسابات هنا أكثر إستراتيجية من كونها تكتيكات لخدمة مصالح الدول المختلفة. ففي المسألة اللبنانية على سبيل المثال، المصالح الاقتصادية والاستثمارات الهائلة فيها سوف تتضرر بل ستكون في مهب الريح في حالة عدم التوافق، كما أن سيطرت المعارضة بقيادة "حزب الله" على لبنان هي النتيجة الحتمية لأي صراع داخلي، كما أن الفوضى والصراع الطائفي المحتمل لن يخدم أي شريحة سياسية، لذلك كان لا بُدَّ من التوافق بطريقة تَحفظ للجميع مكانته وكرامته، وفي نفس الوقت لا يتم المسْ بسلاح المقاومة المنضبط والمُحتَكر في يَدْ قيادة واحدة متمرسة ومجربة، وحققت انتصارات ولا تزال، كما في قضية تبادل الأسرى المنتظر، والذي سيحقق الإفراج عن المحرمات كـ "سمير قنطار" و"دلال المغربي" التي لم يستطيع لا المفاوض الفلسطيني ولا العربي تحريرها. في الوضع الفلسطيني المعطيات أكثر تعقيداً، فالحوار قد يؤدي لضرب الاستثمارات البسيطة في الضفة الغربية والكبيرة بالنسبة للمسيطرين عليها، وسيؤدي دون ضوء أخضر أمريكي إلى عودة الحصار، والحوار قد يؤدي لوقف المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية المتعثرة أصلاً، كما أن الحوار سيؤدي للإطاحة بالكثير من الشخصيات التي لمعت كثيراً في السنتين الماضيتين، لذلك لا بُدَّ من أخذ كل هذه الأسباب مجتمعة بعين الاعتبار حين يتم الحديث عن الحوار، فالمتضررين منه كُثر، وسوف يزداد عددهم يوما بعد يوم إذا استمر هذا الصراع الذي يخدم أجندات شخصية يتم تغليفها بمفاهيم حزبية بطريقة عقلانية أو حريصة على مقاومة.. لا شك أن الغالبية العظمى لدى الطرفين حريصين على الوحدة الوطنية وعلى القضية الفلسطينية، وبالتأكيد الغالبية تبحث بشكل جدي عن كيفية الخروج من هذه المتاهة التي وضعنا نفسنا فيها بأيدينا ولحساب أجندات لم تكن ولن تكون فلسطينية، أجندات دولية توافقت مع مفاهيم "الخير والشر" و"الاعتدال والتطرف"، مصطلحات ثبت أنها لم تجلب سوى الكوارث على مستوى العالم وإقليم الشرق الأوسط بالذات، وظهرت لخدمة أجندات نفطية كان ضحيتها العراق ولا يزال، وأدت إلى تعزيز خيارات التطرف أكثر من الاعتدال، "فالوسطية" التي نحن جزءاً منها تم القضاء عليها بسبب هذه المفاهيم، واللون "الرمادي" انتهى في عصر الإمبراطورية الأمريكية بقيادة إدارة أدخلت نفسها واقتصادها في مأزق كبير سوف تعاني منه الإدارات القادمة على الأقل عِقدُّ من الزمن، وأدخلتنا في حروب داخلية وصراعات مستندة لوهم وخيالات ووعودات على الورق تم التنصل منها عمليا وعلنيا في خطاب تاريخي للرئيس "بوش" في "الكنيست" الإسرائيلي. أمام كل ذلك، فان الحديث عن شروط "حماس" للحوار أو شروط الرئيس "عباس"، ما هي إلا انعكاس واقعي وطبيعي للصراع القائم في العالم وفقا لمعتقدات وأيديولوجية الرئيس "بوش"، الذي قسم العالم بين الأخيار والأشرار، ومن يقول غير ذلك، فإنما من باب النفاق السياسي والاجتهاد المزور في زمن أصبحت فيه الأمور ناصعة كبياض الثلج، فمثلا حكومة وحدة وطنية فلسطينية دون الاعتراف بشروط الرباعية ووفق اتفاق مكة وعلى أساس وثيقة الوفاق والاتفاق يعني عودة الحصار على جميع مناطق السلطة وليس غزة فقط، وحكومة وفقا للمتطلبات الدولية، عفوا الأمريكية، يعني الاستسلام والتفريط والتنازل بمفاهيم صاحب الأغلبية في المجلس التشريعي. كما أن "حماس" وفقا للمفهوم الأمريكي – الإسرائيلي تعتبر منظمة إرهابية وجزء من محور الشر، والحوار معها لا بُدَّ أن يكون وفق شروط يعرفها الجميع، "حماس" قبل غيرها (ما عدا في موضوع التهدئة، فهذا ممكن في العرف الإسرائيلي-الأمريكي، مع تأييدنا ودعمنا لهذه التهدئة)، وإذا وافقت عليها "حماس" فإن بوابة البيت الأبيض ستفتح على مصراعيها لقادتها، وهي بذلك لن تكون بحاجة لأحد ليتوسط بينها وبين المجتمع الدولي، ولن يكون هناك داعي أو حاجة للحوار الداخلي في واقعنا الفلسطيني الراهن، خاصة أن المجتمع الدولي والأمريكي بالذات غير مهتم على الإطلاق بخلافاتنا الداخلية المتعلقة بكرامة الإنسان الفلسطيني ولا حتى بالديمقراطية التي تغنينا بها كثيرا، والمهم عندهم فقط الاعتراف بإسرائيل وأمنها ونبذ العنف، وغير ذلك تفاصيل غير مهمة، وما يحدث في الضفة الغربية مثال ساطع لهذه السياسة وازدواجية التعامل. من هنا فإن جميع المتضررين من الحوار يستخدمون أجندات مرتبطة بهذا الموقف الدولي – الإقليمي أو ذاك، لتعزيز بقاءهم ومكانتهم، باسم حرصهم، إما على المقاومة أو على منع فرض حصار اقتصادي ومالي على السلطة، وللدفاع عن مصالحهم الشخصية ومصالحهم الاقتصادية وامتيازاتهم الشخصية، فهم يصعدون لهجة ونبرة الاتهامات، بالخيانة لهذا الطرف وبالإمارة الإسلامية للآخر، وهم بذلك لا يريدون للحوار أن يرى النور، وأي اتفاق سيؤدي حتما لحصول الضرر عليهم، ولو فكر هؤلاء بمصلحة الشعب الفلسطيني من زاوية واحدة، زاوية المصير الواحد والقضية الواحدة والهدف الواحد، لما حصل الانقسام، أو لما إستمر هذا الانقسام، ولكن الاتهامات المتبادلة من قبل المتضررين من الطرفين تؤكد أن لكلٍ منهم هدف ومصير يختلف عن الآخر، ويختلف عما يريده الشعب الفلسطيني وغالبية قواعد وجماهير حركة "فتح" وحركة "حماس". الإنسان الفلسطيني تعب من كلِّ هذه الأقاويل وهذه التبريرات، ويريد من قياداته المختلفة أن تحترمه لمرة واحدة، وأن تعود إلى جادة صوابها، بإعادة اللحمة للوطن والشعب، والوحدة بين مختلف مكوناته وفصائله، الشعب يريد ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي وفقا لمصالحه هو، ووفق أجندته الوطنية، وبحيث تخدم أهدافه في التحرر والاستقلال، إن كان ذلك عبر المفاوضات أو المقاومة بأشكالها المختلفة، أو عبر كليهما، فالشعب الذي يضحي يوميا هو صاحب الولاية والشرعية، والعودة له لسؤاله ليس عيبا ولا مؤامرة، خاصة في ظلِّ عدم إمكانية التوافق بين الأطراف الرئيسية في قيادات السلطتين الوهميتين، والانقسام الحاصل، وجهه ضربة قوية لمفهوم المقاومة، وضرره أكبر من الحصار المفترض، واستمراريته تعبير واضح عن مؤامرة ضد الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، ومن يشكل لجنة لمتابعة الحوار، ومن يرسل رسائل تشكيكية في النية من الحوار، لا يريد ولا يفكر فيه أصلاً. "فتح" و "حماس" هما المعنيتان، وهما يمثلان الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني، وقد فشلت كل الرهانات على إضعافهما، فشلت في الضفة كما فشلت في غزة، وعليهما تقع مسئولية إعادة الوحدة واللحمة لجناحي الوطن، والتاريخ لن يرحم الفصيلين، والشعب لن ينتظرهما طويلا، فلا بُدَّ من الوصول لاتفاق، يضع حداً لكل المنتفعين من الحالة الشاذه، والذين يعملون على تجذيرها تحت مسميات الشرعيات الدولية والعربية، والتي نحن معها ككل وليس بمفاهيم جزأت المُجَزَأ، فالشرعية الدولية مع مقاومة المحتل، والشرعية العربية مع الانسحاب الإسرائيلي من حدود الرابع من حزيران عام 1967، ومع حل عادل لقضية اللاجئين على أساس قرار 194 وفقا للمبادرة العربية للسلام، و"أنابوليس" حاليا، و"جنيف" سابقا لا تتوافق مع هذه الشرعيات. والمصلحة الفلسطينية تتطلب التوصل لاتفاق يلتزم أولاً باحترام الإنسان الفلسطيني، ويحترم تضحياته وشهداءه وجرحاه وأسراه.. إتفاق فلسطيني مَحض، مصنع فلسطينيا (Made in Palestine)، وبرعاية عربية لغتها وجذورها عربية، اتفاق يضمن وبشكل نهائي التداول السلمي للسلطة، وبغض النظر عن مواقف المجتمع الدولي "عفوا أقصد الأمريكي الحالي"، من هذا الفصيل أو ذاك، اتفاق باتجاهين متوازيين، الأول: يؤسس لحكومة انتقالية جديدة تعيد اللحمة لجناحي الوطن ومتفق عليها، ولفترة زمنية محددة لا تتجاوز الستة أشهر، ووفق أجندة، تشمل حل الخلافات والمصالحة الوطنية، وإصلاح المؤسسة الأمنية، والتحضير لانتخابات مبكرة رئاسية وتشريعية، والثاني: إصلاح منظمة التحرير وفق اتفاق القاهرة عام 2005، ووضع الآليات لذلك، وبحيث يتم الانتهاء من الملفين في وقت واحد، على أن يرافق ذلك ومنذ اللحظة الأولى، تشكيل هيئة عليا تمثل مفكرين وسياسيين وقانونين من الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، وممثلين عن الفصائل والمستقلين، مهمتهم وضع برنامج الحد الأدنى السياسي، ووضع الدستور المنشود، وإصلاح القانون الأساسي المرحلي، وضوابط وآليات العلاقات الداخلية، خاصة فيما يتعلق بالمقاومة والمفاوضات، تلتزم بها مؤسسات الشعب الفلسطيني، من منظمة وسلطة وطنية، وبحيث لا تتعارض مع القانون الدولي والشرعية الدولية والعربية، مع ترك المجال لكل فصيل ليحدد رؤيته وأجندته الخاصة به، على أن يلتزم ببرنامج الحد الأدنى وبآليات تحقيقه، فالمقاومة كشكل وممارسة تكون وفق إتفاق، والمفاوضات تكون على أسس واضحة وبمرجعية تشمل الجميع، وصناعة القرار تكون بالمشاورة الفاعلة، ومن خلال المؤسسات الفعلية الفاعلة وليس بشكل فردي وعبر المستشارين المقربين. إن الشعب الفلسطيني مَلَّ المناكفات والنفاق، والشعب صبر ولكن صبره لن يطول، ونهاية هذه السنة ستكون حاسمة، فإما تجاوز الآلام والمصالحة البناءة، وإما سيضطر ليقول كلمته، وحينها سندخل في متاهة وفوضى عام 2000 التي لا زلنا نعيش آثارها، لقد آن الأوان للبدء بترتيب البيت الداخلي، وللعمل وفق أجندة واحدة وبطريقة منظمة، وعمان وبيروت وتونس وغزة، والقيادات المنشقة عن فصائلها، محطات واضحة لطريقة عمل خاطئة، جلبت علينا المآسي والويلات ولا تزال..!! http://www.miftah.org |